الخليج ــ الإمارات توهم الحقيقة
صحافة عربية
آخر تحديث:
الأربعاء 28 أبريل 2021 - 7:10 م
بتوقيت القاهرة
نشرت صحيفة الخليج الإماراتية مقالا للكاتبة أسماء الجناحى تناولت فيها ضرورة مواجهة المسلمات الاجتماعية الخاطئة التى تحكم قراراتنا وتحجب وعينا.. نعرض منه ما يلى.
منذ تفتح وعينا الأول فى هذه الحياة؛ تبدأ أدمغتنا فى استقبال وتخزين كل ما تتلقاه من محيطنا الاجتماعى فى اللاوعى، ومع الوقت تكاد عقولنا تتبرمج تلقائيا على الكثير من الأمور؛ باعتبارها مسلمات وثوابت معرفية تتدثر بأقنعة عُرفية دينية وأخلاقية حينا، واجتماعية وثقافية (عادات وتقاليد) معظم الأحيان، وفى الغالب لا يجوز الخروج عنها، ويصبح مجرد التفكير فيها أو مراجعتها ومناقشتها من الخطايا الكبيرة التى لا يغفرها العقل الجمعى، فتستحيل إلى أنساق ثقافية راسخة فى الوعى؛ بل حاكمة فى السلوك والممارسة، وتترك بصمتها على قراراتنا اليومية، ومجمل أحكامنا القيمية؛ لما هو صواب أو خطأ، نافع أو ضار، حلال أو حرام، ناهيك عن تأثير الأنا والنوايا فى بعض الأحيان فى تلك القرارات.
ولا يخفى على أحد أن هناك العديد من الرواسب الفكرية الخاطئة التى نشأنا عليها وأثرت فى شخصياتنا ومدركاتنا، ونلاحظ أن غالبية الرواسب الفكرية التى تحجب العقل عن التفكير المنطقى تكون ذات علاقة بالحياة الاجتماعية.
المشكلة تكمن فى صعوبة تغيير تلك المفاهيم، لأن الإنسان يتأثر بما نشأ عليه من عادات ومفاهيم ومعتقدات، وبالتالى يكون من الصعب عليه إعادة النظر فيها بوصفها تحولت إلى مسلمات جامدة ومكبلة لفكر الإنسان، وعلى سبيل المثال فقد كانت مسألة تعلم الفتيات سابقا من أبرز تلك العادات الخاطئة، كذلك كان الزوجان سابقا يتقابلان للمرة الأولى فى ليلة الزواج فقط، وربما كانت هذه الأمور والسلوكيات مقبولة فيما مضى، وقد احتاجت لسنوات عديدة لتغييرها، ولكن هل يتطور فكر الإنسان اجتماعيا وثقافيا بنفس سرعة تطور الاقتصاد والصناعة والتكنولوجيا التى نشاهدها اليوم؟
للإنصاف، ليست كل المسلمات الاجتماعية خاطئة، فقد يكون بعضها صحيحا، وقد تكون أوهاما تبنيناها جيلا بعد جيل، ظنا منا أنها المعرفة الصحيحة، إلا أنها فى حقيقة الأمر مجرد ممارسات تحكم قراراتنا وتحجب وعينا، ولأنه من المخيف أن يكون وعينا الحالى زائفا، فلابد من التحقق مرارا من كل قرار أو حكم نتخذه.. هل هو حكم مسبق راسخ فى فكرنا، أم حكم يتواءم مع الواقع الجديد الذى نعيشه، أم أنه حكم يستدعى إعادة تحليل وتفكير بمنطق منفتح أكثر؟
صحيح أن كل دولة تفخر وتعتز بتراثها وعاداتها وثقافتها وحضارتها، وتعتبرها جزءا من هويتها الوطنية، ولكن ذلك لا يعنى بالضرورة أن الفكر لا يمكن أن يتطور، خصوصا فى بعض العادات والقوانين الاجتماعية، فلكل زمن قيمه ومتطلباته، ولنكن أكثر تعقلا ووعيا للقرارات التى نتخذها بشأن أبنائنا، والأحكام التى نصدرها بشأنهم.
الخلاصة أنه لا ينبغى لعقولنا أن تبنى على تصورات وقوالب تناقلناها وتبنيناها كما هى، ورسمت وجوها مختلفة للحقيقة، وإنما نريد أن نحسن إدارة عقولنا؛ كى لا تكون مجرد أوعية تستقبل فقط، بل تفكر وتحلل المواقف التى تتعرض لها، لنصبح قادة فكر إيجابى نعرف كيف نفرق بين الوعى الحقيقى والوهم. لتكن هويتنا هوية تعايش وتسامح، هوية احترام وإنسانية، بتقبل التغير فى الفعل والفكر والممارسة.
أنهى مقالى بمقولة الكاتب والمفكر السعودى إبراهيم البليهى: «من ينشأ فى الصين يتربى على الكونفوشية ومن ينشأ فى أوروبا يكون بروتستانتيا، ولكن ما ننشأ عليه ويصبح معيارا لكل أحكامنا فى الحياة نثق به ونعتبره حقيقة مطلقة لأن الإنسان يذوب فى المجتمع وهو مبرمج للتلقى ونحن نشحنه بما نسميه الهوية، بدلا من أن نعلم الإنسان أن يتحرر من الأفكار المسبقة».