مصر ومشكلة القمح

عمرو هاشم ربيع
عمرو هاشم ربيع

آخر تحديث: الخميس 28 أبريل 2022 - 7:35 م بتوقيت القاهرة

مرة أخرى عادت مشكلة القمح، بل إن شئت القول إنها لم تمضِ كى تعود، فهى أزمة كبيرة وقائمة فى مصر منذ أكثر من أربعة عقود. شح القمح فى مصر، مرتبط بثلاثة أمور هى قلة الإنتاج وزيادة عدد السكان ونمط الغذاء. المؤكد أن هناك أسبابا أخرى فرعية أقل أهمية لكنها لا تخلو من الأهمية مثل عدم وفرة المياه، والحاجة إلى المزيد من الأراضى المستصلحة، وزراعة أنواع جيدة من القمح أو ما يسمى قمح الاكثار.
مقابل تلك الحاجات، هناك وفرة مستحدثة فى الصوامع التى بات القمح يخزن بها بعيدًا عن التلف، وبعيدًا عن عبث القوارض، ما يسبب الكثير من الفاقد، وهو بطبيعة الحال أمر مهم حرصت الدولة عليه فى السنوات الثلاث الماضية.
مصر تنتج اليوم نحو 9 ملايين طن من القمح سنويًا، وتستورد نحو 12 مليون طن، ويقوم بالاستيراد القطاعان العام الخاص. جزء معتبر من القمح يأتى من روسيا ثم أوكرانيا اللتين تتحكمان فى ثلث صادرات القمح العالمية، أما باقى الأقماح التى تستوردها مصر فهى من بلدان أخرى أقل أهمية من حيث الكم مثل فرنسا. المشكلة الرئيسة التى أصبحت تؤرق صانع القرار اليوم هى الحرب الروسية الأوكرانية التى أوقفت بموجبها واردات القمح من روسيا وأوكرانيا، وبسبب الظروف القاهرة من الصعب للغاية مقاضاة أى طرف على التأخير. إضافة لذلك فإن الحرب تسببت فى رفع الأسعار دوليًا. لذلك كله فإن مشكلة القمح فى مصر كما سبق القول موجودة معنا، وإن استجد شكلها فزادت وطأتها، ما جعل هناك أهمية كبيرة لدق ناقوس الخطر، سعيًا لحلها.
واحد من الحلول هى تعديل نمط الغذاء بحيث يعتمد على بدائل أخرى كالذرة، أو على خليط من القمح والذرة. أمر آخر متصل بتوسيع رقعة الأرض المستصلحة بحيث يكون هناك نوع من غزارة الإنتاج السطحى أو الأفقى، خاصة من المناطق التى يمكن لها أن تكون ذخيرة احتياطية لإنتاج وفير وواعد مثل منطقة توشكى جنوب البلاد فى الجهة الغربية من نهر النيل.
أيضًا مسألة قمح الأكثار، ويعتقد هنا أن إدارة البحوث الزراعية تبذل الكثير فى سبيل الحصول على أقماح جيدة، تنتج كمَّا معتبرا بقليل من الماء وزيادة فى عدد الأرادب المنتجة عن الفدان الواحد. أمر آخر متصل بأسعار الحاصلات الزراعية من القمح، وهنا من المهم إعادة النظر فى وضع الفلاح المصرى الذى يعانى كثيرًا من ارتفاع تكلفة البذرة والسماد إضافة إلى تكلفة الحصاد والوقود اللازم له، وربما تكلفة الرى فى بعض المناطق.
بعبارة أخرى، هناك حاجة ماسة كى تقوم الدولة بمحاسبة الفلاح بما يساوى أو يزيد أسعار القمح فى العالم حتى بعد الزيادة التى طرأت على تلك الأسعار بعد الحرب الروسية الأوكرانية، إذ إنه من غير المقبول أن تدعم الدولة الفلاح الأجنبى بشراء القمح منه، وتترك الفلاح المصرى المطحون بداية، سيما وأنه يواجه وحده أعباء من جراء شراء الخامات ووسائل الإنتاج وسداد إيجارات الأرض الزراعية للملاك الذين لا يجيد الكثير منهم الزراعة بسبب عدم تخصصهم. جدير بالذكر أن السعر الذى حددته الدولة لجمع الأقماح من الفلاحين هذا العام هو نحو 880 جنيها للإردب زنة 150 كجم، أى بسعر 581 قرشا للكيلو، فى حين أن سعره دوليًا اليوم تخطى 410 دولارات للطن الواحد، أى ما يعادل 760 قرشا للكيلو، ما يعنى أننا لا زلنا ندعم الفلاح الأجنبى حتى اليوم.
على أن واحدا من أهم وسائل تحقيق وفرة كبيرة فى القمح، بحيث يمكن لمصر تحقيق فائض، بل وتعود كما كانت فى الماضى سلة غذاء شعبها وجيرانها بل ومن اعتدى عليها واحتلها فى السابق، هو التعاون مع السودان وليبيا. فالسودان يمتلك الأرض المستصلحة بملايين الفدادين الخصبة وغير المستغلة، وليبيا تملك الإمكانات الوفيرة التى من خلالها تستطيع الإنفاق على وسائل الإنتاج الأخرى كالأسمدة والبذور وأدوات الحصاد، وكذلك النقل الذى يحتاج إلى خطوط سكك حديدية متطورة لنقل المنتجات إلى المناطق والبلدان المستفيدة. أما مصر فهى تملك الأيدى العاملة والماهرة التى تستطيع بالفعل عمل الكثير.
من خلال هذا المثلث الإقليمى يمكن خلال مدى قصير ربما لا يتجاوز عقد واحد تحقيق نجاج كبير ومنقطع النظير. ما يحتاجه المشروع الضخم هو أن يكرس السياسيون أنفسهم لخدمة الفنيين المنفذين لذلك وليس العكس، حتى لا تهدم السياسة آمال الشعوب كما جرت العادة فى منطقتنا العربية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved