عنف الجدران

عمرو خفاجى
عمرو خفاجى

آخر تحديث: الثلاثاء 28 مايو 2013 - 9:05 ص بتوقيت القاهرة

من القصص الجانبية للعراك السياسى والتى لا يلتفت إليها أحد، قصة الجدران العازلة التى أصبحت من السمات السيئة لوسط المدنية، وهى جدران تمارس عنفا يوميا ضد سكان هذه المناطق والوافدين إليها لقضاء مصالحهم، إلى جانب المساكين الذين يعملون بالقرب من هذه  الجدران، وهذا العنف بالمناسبة، يقع على من يريد المرور بسيارته، أو يرغب بالتحرك على قدميه، كما أنها  لا ترحم مسن أو مريض، ولا تساعد فى إسعاف حالة طارئة بتوفير طريق سالكة للوصول لأقرب مستشفى أو مركز طبى.

 

الجدران العازلة، تحولت الآن إلى كابوس بالنسبة لسكان ومرتادى هذه المنطقة، بعدما أصبحت هذه الجدران جزءا من واقعهم، وبناءً دائما يرغب فى إقامة لا تنتهى وفقا لرغبات السلطة الخائفة المرعوشة والمرتعشة، من أصوات وهتافات المعارضين، فهذه الجدران، كما تعتقد السلطة، تحمى آذان السادة المسئولين والنواب والقادة من أصحاب الحس المرهف، والذين لا يرغبون حتى فى سماع أى هتاف يعارض سياساتهم البغيضة وقراراتهم الرديئة، ونجحت هذه الجدران بالفعل فى إنزال العقاب بالضحايا من سكان المناطق المحيطة بالوزارات ومجلس الوزراء ومجلس الشورى، والذى يبدو هذه الأيام بالنسبة لهم أنه عقاب أبدى من جار السو.

 

المفارقة الجديرة بالملاحظة فى حكاية «جدران العنف»، أنه مع الموجة الأولى من البناء، الذى كان بسيطا وطيبا وحسن النية بوضع كتل خرسانية فوق بعضها البعض، باعتبار أن ذلك إجراء مؤقت، كان الشباب يبدعون فى كل شىء رسوم حائطية بديعة وأغنيات ذات حس كوميدى مدهش تداولها النشطاء كثيرا على مواقع التواصل الاجتماعى، إلى جانب أن هذه الكتل الخرسانية أصبحت مساحة رائعة للتعبير عن الرأى، وفوق ذلك كله، إبداع خاص ببعض الشباب فى إزالة هذه الجدران، وحتى عندما كانت الكتل الأرضية عصية على الرحيل، بنى الشباب سلالم حتى يستطيع الجميع المرور من فوقها.

 

أما الموجة الثانية من بناء الجدران العازلة، فقد كانت بالفعل عنيفة وقاسية، ولا يبدو أبدا أنها مؤقتة أو مرحلية، بل كأنها إعلان واضح وتعبير دقيق عن أن النظام يعترف أمام المواطنين أن بينه وبينهم جدار يعلو ويقسو كل يوم، فقد أصبحت الكتل مترابطة وموصولة، بالطول والعرض بدعائم حديدية، فأصبح التعامل معها مستحيلا، لذا اختفت تماما كافة مظاهر الإبداع، أو خفة الدم كما كان الأمر مع الموجة الأولى، وبدأ العنف يتسرب: أولا بهدم جزء من سور مدرسة حتى يستطيع أن يمر البعض إلى خلف الجدران حيث مواقع أشغالهم، وثانيا بمهاجمة المبانى المسالمة بالمولوتوف كرد فعل على عنف جدران تظلم أكثر مما تحمى، وتحرض أكثر مما تتفاوض، وتبقى شاهدا على عجز سلطة لا ترغب حقا فى عبور المواطنين إلى الامام إلا بتحطيم هذه الجدران.. فهل هناك من يسمعنا من خلف الجدران؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved