التغير المناخى والشرق الأوسط
نبيل فهمي
آخر تحديث:
الثلاثاء 28 يونيو 2022 - 2:30 م
بتوقيت القاهرة
أصدرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) تقريرا عن التغير المناخى عام 2021، تضمن أن هناك تراجعا واضحا وبالغ الخطورة فى عدد من المؤشرات الهامة التى يتابعها العالم فى تقدير الموقف من التغير المناخى، حيث شهدنا زيادة الانبعاثات المضرة، وارتفاع مستويات المياه خلال العقدين الماضيين، وارتفاع درجة الحرارة وأكسدة المحيطات، مما يقلل من قدرتها على استيعاب الغازات دون الإضرار بالحياة البحرية.
وانتقد سكرتير عام الأمم المتحدة بشدة فشل الإنسانية فى التصدى لظاهرة التغير المناخى، وتقدم بخمسة اقتراحات لتسريع معدلات التحول إلى استخدام الطاقة الأقل ضررا، بالتركيز على التحول إلى الطاقة المتجددة والتوسع فى توفير تلك التكنولوجيات النظيفة ومواردها، وزيادة معدلات الاستثمار الخاص والعام فى الطاقة النظيفة، ووقف كل الدعم لمنتجى ومستخدمى الوقود الحفرى، والذى وصل الآن إلى 11 مليون دولار فى الدقيقة.
وإذا كانت كل هذه المؤشرات الدولية سلبية ومؤشرا لمخاطر جمة فوجب التنويه أن تداعيات كل هذا على الشرق الأوسط بالغة القسوة وأن وضع المنطقة فى هذا الصدد أخطر من مناطق أخرى، فشهد عدد من المدن الكبرى فى المنطقة ارتفاعا فى درجات الحرارة وصل أحيانا إلى 50 درجة مئوية، فى الدوحة والخرطوم على سبيل المثال وليس الحصر، وكان متوسط معدلات ارتفاع درجة الحرارة فى الشرق الأوسط ضعف المتوسط عالميا، وهناك مؤشرات واضحة أن الدول الخليجية ستعانى من ندرة شديدة فى المياه خلال الخمسين عاما القادمة رغم جهودها وانفاقها فى هذا المجال، وتداعيات التغير المناخى على سواحل شمال أفريقيا والتوترات المائية بين مصر والسودان وإثيوبيا وصلت إلى مجلس الأمن الدولى أخيرا ولازالت محل خلاف.
ومع ارتفاع درجات الحرارة عامة شهدنا ارتفاعا فى درجات حرارة البحار أدت إلى أعاصير فى باكستان وإيران وشبه الجزيرة العربية، وساعدت على انتشار الجفاف وتقلص مصادر المياه بالمنطقة خاصة فى المشرق العربى، وهناك خطر حقيقى على الأمن المائى بالشرق الأوسط، والمياه المتاحة فيها وصلت إلى مستويات منخفضة للغاية مقارنة بالعديد من المناطق الأخرى بالعالم، بالإضافة إلى غياب التوزيع العادل للمياه بين الشعوب بالمنطقة، فمعدلات استخدام إسرائيل للمياه أكثر من ضعف استخدام الفلسطينيين تحت الاحتلال.
وللجفاف وندرة المياه انعكاسات على الصحة العامة والأمن الغذائى، ويرى الخبراء أن نهرى الفرات ودجلة قد يختفيان كليا خلال هذا القرن الحالى، وأكدت اللجنة الحكومية الأممية المعنية بالتغير المناخى فى تقريرها لعام 2022 أن ارتفاع درجات الحرارة يهدد الأمن العام، خاصة والشرق الأوسط يتضمن 12 من أكثر 17 دولة معرضة للقصور المائى، ومن الملفت للنظر أن تركيا تتحكم فى أكثر من 90% من مياه الفرات و44% من نهر دجلة، ومنذ عام 2020 قطعت 60% من مياه الفرات إلى العراق، مما كان له تداعيات على الأمن الغذائى والمائى فى العراق وسوريا، كما حجزت السدود الإيرانية المياه عن روافد نهر ديالى فى شمال شرق العراق والتى تغذى المحافظة بأكملها، ونتج عن ذلك فقدان 70% من قدراتها المائية بكل ما يترتب على ذلك من مشاكل إنسانية واجتماعية، وتخلص الدراسات إلى أن 12 مليونا من سكان سوريا والعراق يفقدون المياه والغذاء والكهرباء نتيجة للتغير المناخى، وأن التصحر انتشر بشدة فيهما كما ارتفعت تكلفة المياه 30% فى الأردن خلال العقد الماضى.
ومنذ عام 2020 وهناك اهتمام دولى متزايد بالوصول إلى درجات الانبعاث الصفرى من الغازات الضارة، خاصة ونحن على أبواب مؤتمر المناخ COPــ27 الذى سوف ينعقد فى مصر خلال نوفمبر من هذا العام، والذى يعقبه المؤتمر التالى بالإمارات، وهو ما انعكس على مواقف عدد من دول المنطقة فى هذا الخصوص بإعلان السعودية الوصول إلى انبعاثات وطنية صفرية عام 2060، وتحديد الإمارات عام 2050 لتحقيق هذا الغرض، واتخاذ مصر قرارا بالإعلان قريبا عن أهدافها والتزاماتها فى هذا الخصوص، بعد أن كانت قد تأخرت فى تحديد موقفها قبل اجتماع المؤتمر السابق فى جلاسجو.
ويعلم الكل أن منطقة الشرق الأوسط مليئة بالنزاعات وتشهد توترات سياسية عديدة، وهى فى غنى عن تفاقمات إضافية نتيجة للتغير المناخى كان ذلك لنقص فى كميات المياه المتاحة أو الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية للشعوب، مما يخلق مبررا إضافيا للنزاعات بين دول المنطقة، أو ذخيرة حية للتيارات المتطرفة.
ومن ثم فعلى المجتمع الدولى وحكومات المنطقة التعامل مع التغير المناخى على أنه خطر على الأمن القومى والاستقرار، وله تداعيات اجتماعية واقتصادية بالغة الخطورة والتعقيد فى الشرق الأوسط، وقد تولد تداعيات تتجاوز المنطقة إلى ساحات الجوار، وهو ما يتطلب توفير مساندة ودعما خاصا للتعامل مع تداعيات التغير المناخى والتحول للطاقة النظيفة وخاصة الفقر المائى، بما فى ذلك توفير تمويل دولى من المؤسسات المالية فى الدول الصناعية خاصة وكذلك من البنك الدولى.
وعلى قادة وشعوب الشرق الأوسط اتخاذ قرارات وتبنى سياسات حكيمة، توازن بين الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية الآنية والتقديرات والمتطلبات الاستراتيجية طويلة الأجل والسياسات الإصلاحية الهيكلية، التى تساعدها على الإسهاب بإيجابية فى عدم تفاقم أزمة التغير المناخى، بما فى ذلك بلورة قواعد إقليمية للتعامل مع مصادر المياه وضبط تدفقها، وتأسيس بنوك مائية، ومصادر تمويلية إقليمية للإسهام فى الانتقال إلى التكنولوجيا النظيفة والاستخدام الأكفأ للمياه، ورفع كفاءة الإنتاج الزراعى تأمينا للأمن الغذائى.
أرجو أن ينال هذا الموضوع الاهتمام اللازم صيانة لصحة شعوب المنطقة، ولنتجنب إضافة قضايا إنسانية وحياتية جديدة للنزاعات السياسية المتعددة والتى تهدد الأمن والأمان والاستقرار.
نقلا عن إندبندنت عربية