مركز جابر عصفور الثقافي
سيد محمود
آخر تحديث:
الثلاثاء 28 يونيو 2022 - 7:55 م
بتوقيت القاهرة
تحظى مؤسسة سلطان العويس الثقافية بسمعة طيبة بين المثقفين العرب، حيث لم يحدث أبدا أن تم الطعن فى مصداقية الجوائز التى تمنحها سنويا للمبدعين والمفكرين العرب، لذلك لم يكن غريبا أن تنجح فى الاختبار الكبير الذى خاضته حين قررت أن تنظم بالقاهرة اول ملتقى دولى لتكريم الراحل الكبير الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة السابق بالتعاون مع المجلس الأعلى للثقافة.
ومعروف أن الراحل الكبير كان من أبرز الأسماء التى فازت بجائزة العويس كما كان من بين أبرز مستشارى المؤسسة الذين شاركوا فى لجان تحكيمها على مدى سنوات وقد بذلت لجنة إعداد الملتقى جهدا كبيرا فى اختيار المشاركين وكانوا جميعا من بين اصدقاء الراحل وتلاميذه والكثير منهم عمل إلى جواره.
وربما لهذا السبب اتسمت غالبية المداخلات بالطابع الحميم ولم يحدث منذ سنوات أن امتلأت قاعات المجلس على نحن ما شهدناه على مدى يومين كاملين.
ووفرت وزارة الثقافة المصرية للملتقى جميع اسباب النجاح وحضرت وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبدالدايم اولى الجلسات وساهمت كذلك فى التعليقات وكذلك حضر الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة الدكتور هشام عزمى غالبية الجلسات واستمع لبعض الأفكار المهمة التى تناولت السياسات الثقافية للراحل والكثير منها ظل محل جدال داخل الأوساط الثقافية ما بين مؤيد ومعارض؛ غير أن إجماعا جرى بين المشاركين حول فاعلية الأدوار التى لعبها وأهمية المساهمات التى قدمها على صعيد السياسات الثقافية مصريا وعربيا.
وكما هو متوقع حظيت إشكالية المثقف والسلطة باهتمام معظم المشاركين وجاءت اغلب المساهمات ارتجالية باستثناء مساهمة الدكتور خالد زيادة سفير لبنان السابق بالقاهرة والمؤرخ المعروف الذى ركز على موقع المثقف داخل الدولة الحديثة فى مصر منذ عصر محمد على وكيف أن المثقف كان إحدى ادوات الدولة ولم يكن خارجها ولفت زيادة وهو صاحب كتاب حول الكاتب والسلطان إلى أن الوعى بهذا السياق التاريخى يفسر ادوار رفاعة الطهطاوى وطه حسين وجابر عصفور ومعهم المثقفون الذين ادمجهم النظام الناصرى داخل التنظيم الطليعى وبعضهم كان معارضا شرسا وبالمثل زكى الباحث اللامع نبيل عبدالفتاح الفكرة ذاتها وركز على أوجه التشابه بين ما قدمه عصفور وما قدمه مثقف آخر هو لطفى الخولى وقال إنهما لعبا أدوارا مهمة فى بناء الجسور لصالح خدمة مشروع الدولة الوطنية.
وجاءت مساهمة الدكتور عماد ابو غازى وزير الثقافة السابق وأحد أبرز معاونى د. عصفور لتكشف من الداخل مطبخ العمل داخل الوزارة ونوه إلى أن نجاح عصفور بدأ من داخل جامعة القاهرة قبل التحاقه بوزارة الثقافة حين تولى التحضير لمؤتمر تكريمى حول طه حسين وأعقبه بمؤتمر اخر حول نجيب محفوظ بعد فوزه بنوبل وفى كلا المؤتمرين كان حريصا على مدى أواصر الارتباط بالمثقفين العرب وأشار ابو غازى كذلك إلى الطبيعة التفاوضية للراحل التى مكنته من تخطى العقبات فى حين توقف الناشر العراقى فخرى كريم أمام طبيعة وزارة الثقافة فى عهد فاروق حسنى وكيف كانت تمتلك أولويات واضحة حول استعادة الدور الثقافى الرائد لمصر على صعيد عربى وإلى جانب ذلك وجود كوادر ثقافية سياسية على رأس أجهزة الوزارة ما سهل لها إنجاز ادوار مهمة فى مواجهة الظاهرة الأصولية وتعبئة المجتمع ضد التيارات الجهادية.
وعلى أهمية ما قيل حول السياسات الثقافية التى تبناها عصفور وعلى رأسها تأسيس المشروع القومى للترجمة إلا أن الجانب الوظيفى أغرى غالبية المشاركين وجار على تناول الجانب غير الخلافى فى مسيرة عصفور وهو وجه الناقد اللامع الذى صك مصطلحات مثل زمن الرواية أو بلاغة المقموعين تسربت إلى الخطاب النقدى وتحولت إلى مقولات رائجة ولاشك أن هذا الأمر كاشف عن تأثيره العميق فى المجال العام وباستثناء اوراق قليلة لطارق النعمان ومحمد بدوى وخيرى دومة لم يتم التركيز على العناصر التكوينية فى كتابات عصفور الاولى وتحولات خطابه النقدى الذى يبدو أشبه ببناء متعدد الطوابق فقد تأسست على قواعد النقد الجديد تأثرا باستاذته سهير القلماوى التى اورثته أيضا الشغف بالعمل العام تأثرا باستاذها طه حسين الذى عده الراحل مثلا أعلى سعى لبلوغه.
وطوال مسيرته النقدية انتقل عصفور إلى النقد الاجتماعى بتأثير إعجابه بجورج لوكاتش عالميا وعربيا بمحمد مندور ثم محمود امين العالم ولويس عوض قبل أن يلمس تأثير البنيوية والتفكيكية التى قادته إلى الفلسفة وراح منها إلى كتابات مدرسة فرانكفورت ثم إلى النقد الثقافى ودراسات ما بعد الاستعمار والمؤكد أن دراسة مثل هذه الأمور ستكون على رأس أولويات المركز الثقافى الذى أعلنت أسرة الراحل عن تأسيسه ووعدت بإتاحة مكتبته المهولة كاملة للباحثين الشباب بعد فهرسة محتوياتها ليبقى اسمه راسخا إلى الأبد ويا لها من فكرة نبيلة تستحق أن نصفق لها طويلا.