هل مرور الوقت يصُب فى مصلحة إسرائيل؟

إيهاب وهبة
إيهاب وهبة

آخر تحديث: الأربعاء 28 يوليه 2010 - 9:45 ص بتوقيت القاهرة

المعطيات كلها، بعد أن التقى أوباما مؤخرا مع نتنياهو، ليس فيها ما يدعو للتفاؤل. لنبدأ بالولايات المتحدة، فالرئيس الأمريكى لم يكن على استعداد للتضحية بمصالح حزبه فى انتخابات الكونجرس النصفية القريبة، ومن هنا كانت كل تلك الحفاوة المبالغ فيها، أو لعلها المصطنعة، برئيس وزراء إسرائيل.

الثمن الذى كان سيدفعه أوباما إذا ما عامله بمثل ما عامله به فى السابق، لم يكن ليتحمله. ليس أدل على ذلك من تلك اللجنة التى تشكلت مؤخرا فى الولايات المتحدة من غلاة المشايعين لإسرائيل من اليهود والمسيحيين اليمينيين على حد سواء، والتى حملت اسم «لجنة الطوارئ» لمساعدة إسرائيل، والتى تَجِدُ فى جمع التبرعات من أجل أن تصوب سهامها إلى هؤلاء الذين لديهم الجُرأة على انتقاد إسرائيل. كانت باكورة أعمال هذه اللجنة مهاجمة نائب ديمقراطى ــ أى من حزب الرئيس ــ هو جوسيستاك عن ولاية بنسلفانيا، ودعوة الناخبين لعدم إعادة انتخابه. أما جرائمه ــ وفقا لإعلان مدفوع نشرته اللجنة ــ فتشمل توقيعه على خطاب يتهم فيه إسرائيل بتوقيع عقوبات جماعية على أهل غزة، وكذلك دعوته إلى رفع الحصار الذى تفرضه على القطاع. لا شك أن أوباما كان مُتنبّها تماما لمخططات اللوبى الإسرائيلى هذه عندما قال ما قاله فى حَضْرة نتنياهو يوم 6 يوليو.

لننتقل الآن إلى إسرائيل. الأخيرة ممعنة فى غيها. تهويد القدس يجرى على قدم وساق، والنشاط الاستيطانى سيستأنف فى سبتمبر. وهى على غير استعداد لتقديم أية إجابات أو حتى تعليقات على ما تطرحه السلطة الفلسطينية بشأن الحدود والأمن.

أما حُجة إسرائيل فى ذلك فهى أنها تريد أن تعرف مقدما ما إذا كانت السلطة على استعداد للاعتراف بيهودية إسرائيل، وهل ستقبل بدولة فلسطينية منزوعة السلاح، مع وجود عسكرى إسرائيلى على الضفة الغربية لنهر الأردن؟ وفوق كل ذلك هل ستطالب السلطة بعودة بعض اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم وممتلكاتهم فى إسرائيل؟ باختصار توصد إسرائيل جميع الأبواب فى وجه السلطة الفلسطينية، وفى نفس الوقت تُصّر على أن تدخل معها فى مفاوضات مباشرة! ماذا تبقى على مائدة التفاوض للتباحث حوله سواء فى إطار مباشر أو غير مباشر؟

ولنتحرك غربا فى اتجاه الاتحاد الأوروبى. بعد بيان قوى ومنصف أصدره وزراء الخارجية منذ أشهر لم نعد نسمع إلا عن زيارات لمسئولين أوروبيين يتخللها سكب للدمع على حال أهل غزة التعس. أما احتياجاتهم من السلع الأساسية ومواد البناء فهى لا تزال ممنوعة ومحرّمة عليهم. الاتحاد الأوروبى يملك الكثير من أدوات التأثير على إسرائيل سياسيا واقتصاديا وعسكريا، لا أن يكتفى بمناشدتها رفع الحصار.

فإذا كان الحال كما أسلفنا، فهل هناك من سبيل إلى تغييره؟ وربما بتعبير أدق.. هل مرور الوقت وتقادم الزمن يصُب فى مصلحة إسرائيل أم العكس. غير أننى وقبل أن أجازف بالرد، أدعو القارئ الكريم إلى أن يستعرض معى مجموعة من التطورات أزعم أنها تركت أثرا عميقا على إسرائيل ولم يعد فى إمكانها أن تتجاهلها.

أولا: مما لاشك فيه أن العصبية الزائدة التى أضحت تسيطر على التصرفات الإسرائيلية لم تعد بخافية على أحد. انظر فقط إلى الواقعتين الأخيرتين. إسرائيل تبعث بأكثر من سبعة وعشرين عميلا إلى دبى لاغتيال أحد قادة حماس. هذا العدد الهائل من العملاء لم يَحُل بين إسرائيل وافتضاح أمرها. ثلاث دول صديقة لإسرائيل وتقوم بطرد دبلوماسيين إسرائيليين من أراضيها بعد أن ثبت تورطهم فى تزوير جوازات سفر استخدمت فى عملية الاغتيال، أو تدبير انتحال شخصيات ربما ليس لها فى الأمر ناقة ولا جمل. ثم انظر إلى الطريقة التى تعاملت بها إسرائيل مع سفينة تركية تجارية كانت تسعى إلى نقل مساعدات إنسانية إلى غزة.

تلجأ إسرائيل إلى عملية إنزال جوى عسكرى، وتريق دماء العشرات الذين سقطوا إما قتلى أو جرحى. ومرة أخرى يُشكل مجلس حقوق الإنسان الدولى لجنة للتحقيق فى الجرائم الإسرائيلية الجديدة. ولا أريد أن أتوقف عن التدليل على عصبية إسرائيل وأنصارها دون أن أشير إلى لجوء «لوبى الطوارئ» الإسرائيلى، الذى سبق أن تعرضت له، إلى التدخل السافر والفج فى العملية الانتخابية الأمريكية النصفية القادمة.

رأى البعض فى ذلك خروجا على المألوف من قبل اللوبى الإسرائيلى العتيد وهو الإيباك الذى كان يلجأ إلى أساليب أخرى مستترة لتنفيذ مآربه. بل وتقول بعض التقارير أن إلقاء إسرائيل بكامل ثقلها فى انتخابات الكونجرس المقبلة مبعثه الاعتقاد بأن أوباما إذا ما حافظ على أغلبية حزبه فى الكونجرس بعد الانتخابات، فإنه سينتقل إلى ما يسمى «بالخطة ب» وبمقتضاها يتم الاعتراف بدولة فلسطينية، سواء وافقت إسرائيل على ذلك أم أبت. أما إذا فقد أوباما الأغلبية فلكل حدث حديث.

أما التطور الثانى والذى تقلق منه إسرائيل أشد القلق فيتمثل فى تنامى عزلتها دوليا. ظهر هذا واضحا عندما أقر المجتمع الدولى تقرير جولدستون عن الانتهاكات التى ارتكبتها أثناء حملتها على غزة. وها هى ليفنى زعيمة المعارضة تتهم نتنياهو بأنه المسئول عن اضمحلال مكانة إسرائيل عالميا. فى الماضى القريب تأزمت علاقات إسرائيل بكل من السويد والنرويج لأسباب مختلفة، ثم دخلت فى مواجهة دبلوماسية مع خمس دول دفعة واحدة، هى بريطانيا وفرنسا وألمانيا وأيرلندا وأستراليا، بعد أن استباحت لنفسها العبث بوثائق سفر هذه الدول.

والأخطر من ذلك أن الكثيرين بدأوا ينظرون لإسرائيل ككيان مستنسخ من جنوب أفريقيا العنصرية. هناك حملة فى العديد من الدول تدعو إلى مقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية، وعدم الاستثمار فى الشركات التى تمارس نشاطا فى الأراضى المحتلة، وإتباع أساليب فرض الحصار التى كانت مطبقة على جنوب أفريقيا. ثم انظر إلى ذلك التخوف الإسرائيلى من ملاحقة مسئوليها قضائيا على خلفية ارتكابهم جرائم حرب.

أمر ثالث لا يقل أهمية عما سبقه، وهو حدوث انقسام داخل الجاليات اليهودية وظهور منظمات جديدة مثل Jــ-Street فى أمريكا وJــCall فى أوروبا ترفض مبدأ التأييد الأعمى لإسرائيل فى كل تصرفاتها. وتجد المنظمة الأمريكية هذه تطلب من وزارة الخزانة الأمريكية التحقيق فى واقعة انتهاك القانون الأمريكى بإرسال تبرعات معفاة من الضرائب إلى منظمة إسرائيلية إرهابية.
وطرح آخر لابد وأنه أصاب الإسرائيليين بصدمة كبيرة، وذلك عندما تحدث كبار السياسيين والعسكريين الأمريكيين دون مواربة عن ارتباط الأمن القومى الأمريكى بحل نزاع الشرق الأوسط، وتعريض أرواح الجنود الأمريكيين للخطر إذا ما استمر هذا النزاع. لذا تحاول إسرائيل تأكيد عدم مسئوليتها عن تعثر عملية السلام من ناحية، ومن ناحية أخرى الإدعاء بأنها خير من يرعى الأمن القومى الأمريكى ويحافظ على المصلحة الأمريكية فى المنطقة.

وأخيرا لم تتمكن الولايات المتحدة من أن تقف فى وجه الدول أعضاء مؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار النووى الأخير، الذين قرروا إعادة مطالبة إسرائيل بالانضمام إلى المعاهدة، وعقد مؤتمر عام 2012 بهدف إقامة منطقة خالية من السلاح النووى فى الشرق الأوسط.
خلاصة القول أن مُدخلات وعناصر جديدة قد فرضت نفسها على الساحة، ونُحسنُ صنعا إن نحن تمكنّا من توظيف واستغلال هذه العناصر، والبناء على التوجهات الجديدة، وحث أصحابها على تضييق الخناق بالمزيد على إسرائيل.

وإذا لم يكن فى إمكانى الزعم بأن الوقت فى صالحنا تماما فبالقطع أنه لم يَعُد فى صالح إسرائيل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved