الرموز الإسلامية فى أوروبا على المحك
نجوان الأشول
آخر تحديث:
الأربعاء 28 يوليه 2010 - 12:07 م
بتوقيت القاهرة
خلال الأسبوع الماضى، رفض البرلمان الإسبانى مبادرة حزب الشعب اليمينى لتعميم حظر النقاب فى إسبانيا بعد نجاح الأخير فى تفعيل الحظر فى ثلاث مدن إسبانية آخرها كانت برشلونة فى يونيو الماضى. والمتابع للمشهد الأوروبى يلاحظ سرعة تبنى مبادرات حظر الرموز الإسلامية فى بعض الدول الأوروبية وتحولها من مجرد مبادرات إلى قوانين سارية من خلال طرحها للاستفتاء الشعبى لتصبح بندا فى الدستور الفيدرالى للبلاد مثلما حدث مع مبادرة حظر المآذن فى سويسرا فى نوفمبر 2009، أو حصولها على أغلبية كبيرة فى البرلمان كما هو الحال فى مبادرة حظر النقاب فى بلجيكا فى أبريل 2010، وأخيرا تصويت الجمعية الوطنية الفرنسية لصالح حظر النقاب فى الأماكن العامة فى فرنسا فى مطلع هذا الشهر والذى من المتوقع دخوله حيز التنفيذ فى سبتمبر المقبل إذا ما حصل على تأييد من جانب مجلس الشيوخ.
وبالرغم من وجود استياء كبير من هذه المبادرات داخل هذه الدول ومن خارجها، إلا أن هذا الاستياء لم يمنع من تمرير هذه المبادرات إلى البرلمانات الأوروبية وحصولها على التصويت اللازم لدخولها حيز التنفيذ.
والملاحظ أن هذه المبادرات تأتى فى الغالب من جانب أحزاب اليمين والذى يعمل على طرح مثل هذه المبادرات فى المجال العام وتعبئة الشعور الوطنى للجماهير من خلال وضعها فى سياق ثلاثى الأبعاد:
أولها الحفاظ على الثقافة العلمانية الأوروبية وثانيها الرغبة فى الدفاع عن الحرية ورفض اشكال العبودية وثالثها تذليل العوائق الدينية والثقافية التى تحول دون اندماج الاقلية المسلمة فى المجتمع الأوروبى.
وفى الواقع، إن هذه الحجج تكشف عن اشكاليات حقيقية عند طرحها، حيث إن الشعوب الأوروبية فى كفاحها نحو الحرية وتبنيها للعلمانية فى ظل الدولة القومية الحديثة بعد الحرب العالمية الثانية والتى أنهت على مفهوم القومية العنصرية أو القومية المتطرفة تبنت مبادئ من أهمها الحيادية، والتى تعنى حياد الدولة فى تعاملها مع مواطنيها دون الالتفات لهويات عرقية أو دينية أو انتماءات سياسية، ثم الايمان بقيم «التنوير» الأوروبية والتى تشمل الحرية والعدالة وقبول التنوع والاختلاف، وبالتالى فإن الأطراف التى ترى فى الرموز الإسلامية مخالفة للروح الأوروبية تنقلب على مفاهيم التنوير الأوروبية وتقع فى إشكالية إنكار تلك المفاهيم التى تفرض احترام التعددية، والمعاملة العادلة للاقليات الدينية والعرقية.
كما أن الحديث عن حماية حقوق المرأة المسلمة من الاستعباد الذى يمثله البرقع أو النقاب أو حتى الحجاب يعد حجة واهية إذا ما تم ذلك بإرادتها الحرة، وبالتالى يكون التدخل فى الحيز الفردى للمرأة هو الإجبار ذاته حتى وإن غلف بغطاء الحفاظ على حرية المرأة، ومن جانب آخر فإن وجود الحالات التى تجبر فيها المرأة على ارتداء النقاب لا يبرر أبدا فرض قوانين عامة تؤدى إلى انتهاك الحرية الدينية لأولئك اللاتى يخترن ارتداء النقاب بإرادتهن، بل يقضى فقط وضع تدابير للحالات الفردية. وكذلك لمواجهة المخاوف الأمنية يمكن أن يطلب منهن الكشف عن وجوههن اذا كان هناك سبب موضوعى ومشروع يقضى بذلك.
كذلك لايؤدى حظر المآذن والنقاب فى الدول الاوروبية إلى تسريع عملية الاندماج وتحرير الفرد من عبء خصوصياته الدينية والثقافية من خلال قيام السياسيين والمثقفين الأوروبيين بعملية «فلترة» الثقافة الإسلامية مما يرونه غير منتم إلى هذه الثقافة من وجهة نظرهم ــ وهذه إحدى الحجج التى اسُتخدمت فى حملة حظر المآذن فى سويسرا ــ وبالتالى غير ملائم للبيئة الأوروبية، بل العكس، يعنى ذلك فرض وجهة نظر خارجية على الأقلية المسلمة مما يعيد إلى الأذهان «مسلمات» «واجبات الرجل الأبيض» ونظرية «المركز والهامش» والذى يعد غير مقبول عند الأقلية المسلمة التى تنظر إلى مثل هذا الفعل باعتباره تدخلا سافرا فى شئونها وبرهانا على كونهم مواطنين من الدرجة الثانية بالرغم من حصول بعضهم على جنسية الدولة. ومن ناحية ثانية يفتح التدخل فى شئون الأقلية المسلمة الباب على مصرعيه لخلق شعور معاد لمجتمعاتهم خاصة فئة الشباب الذين ينتمون إلى الجيلين الرابع والخامس من المهاجرين، أو حتى المواطنين المسلمين الأصليين، الأمر الذى يدفعهم إلى البحث عن الانتماء خارج الدولة الأوروبية إلى دول إسلامية ــ دولة الأصل فى حالة المنتمين إلى عائلات مهاجرة ــ أو جماعات إرهابية أو متشددة فقط فى أحسن الظروف، وبالتالى خلق حواجز عاطفية بينهم وبين مجتمعاتهم التى عاشوا فيها الأمر الذى يؤثر سلبيا وبشكل حتمى على عرى الولاء للدولة الأوروبية.
ومن ناحية أخرى، نخطئ نحن إذا ما قمنا بالنظر إلى هذه القضية من منظورنا ومفاهيمنا الخاصة واللجوء إلى أحادية العامل فى التحليل دون الانتباه إلى السياق الداخلى والإقليمى فى أوروبا، من حيث تركيزنا على منظور دول علمانية بمعنى ملحدة ضد الدين الإسلامى، فالعلمانية لا تعنى غير الدينى حيث إنه لاتزال المسيحية كديانة موجودة فى أوروبا، وكذلك لاتزال الكثير من الدول الأوروبية تدعم الكنائس الكاثوليكية من خلال ضرائبها، كذلك يوجد ما يسمى بالتيارات الدينية الجديدة هناك والتى ينتمى إليها الأوروبى أو يكونها هو بنفسه من خلال قيامه بخلط بعض الطقوس من المسيحية والبوذية مثلا ليشكل بذلك علاقة دينية بينه وبين من يراه إلها. كذلك من المهم أن يكون حاضرا فى الذهن مقتضيات اللعبة السياسية الداخلية وتراجع معدلات النمو الاقتصادى والتهديد الأمنى الذى يجعل دولة الرفاة الأوروبية فى أزمة حقيقية، تجعل من الإسلام أو الرموز الإسلامية محط اهتمام الأحزاب اليمينية فى طريقها للحصول على الأصوات والتأييد الشعبى، من خلال استغلال الخوف من الإسلام «الإسلاموفوبيا» الناتج عن السمعة السيئة للإسلام، والتى تروجها باقتدار وسائل الإعلام الأوروبى، باعتباره دينا للتشدد والعنف والإرهاب.
فى الحقيقة، إن تقنين حظر الرموز الاسلامية فى بعض الدول الأوروبية الديمقراطية يفتح شهية الحكومات العربية لانتهاك أكثر لحقوق مواطنيها من أقلية وأغلبية. كما أن هذا التقنين من ناحية أخرى يعكس حتميا ازديادا فى شعبية قوى اليمين الراديكالى والفكر المتشدد ضد الأقليات الدينية والعرقية بصفة عامة، وضد المسلمين بصفة خاصة فى أوروبا على حساب قوى الاعتدال هناك، ويعد ملهما للأحزاب اليمينية فى دول أوروبية أخرى ليس لديها نسبة حقيقية بل لديها نسبة إنسانية من المختلفين مع الأغلبية فى الدين والعرق، للاقتداء بتلك الأفعال وشحن المناخ العام بمعاداة كل ما هو مختلف، كل ماهو مسلم، الأمر الذى يضع كل اطراف اللعبة الحياتية: أقلية مسلمة وأغلبية أوروبية غير مسلمة على المحك وفى مأزق حقيقى!