الرايات الدينية
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 28 يوليه 2020 - 8:05 م
بتوقيت القاهرة
ترامب يرفع الإنجيل، وأردوغان يقرأ القرآن فى مسجد «آيا صوفيا»، وخطيب الجمعة هناك يتكئ على سيف، والذين أساءوا إلى المنطقة العربية شرقا وغربا يرفعون رايات الدين من القاعدة وداعش وجبهة النصرة، وغيرهم ممن يحملون أسماء مختلفة، لكنهم ينتمون إلى نفس المورد الفكرى، وهو استدعاء الدين لخدمة السياسة، ولن ينصلح حال هذه المنطقة، وربما العالم بأسره، إلا عندما ندرك أن الدين فضاء خاص للإنسان فى علاقته بخالقه، حتى وإن استلهام أحكامه وفرائضه ونواهيه فى الحياة العامة، لكنه بالتأكيد ليس أداة تعبئة وحشد، وغزو وقهر، غلبة وتمكن، وإلا لم يعد للدين قدسية، بعد أن صار أداة فى يد البشر أنفسهم.
هذا هو السؤال الذى أرق المنطقة العربية بأسرها على مدى القرن الأخير، دون أن تصل إلى حل. بدأ الأمر بمساجلات فكرية، وانتهى بممارسة فعلية للسلطة لم ينتج عنها سوى دمار وخراب. لك أن تتأمل ما حدث فى ظل حكم البشير فى السودان، وما آلت إليه الأمور فى الصومال، واهوال العنف فى العراق وسوريا حتى ندرك كيف أن توظيف الدين فى السياسة وبال على الاثنين، الدين الذى يفقد قدسيته فى عيون الناس، والسياسة التى تفقد بوصلتها، ولا تعرف لها غايات محددة. وحتى لا يقول أحد أن هناك أنظمة أخرى تسببت فى خراب المنطقة، وليست فقط من رفعت رايات الدين، فإن هذا صحيح ولنا فى تركة الأحزاب البعثية، والتوجهات القومية العبرة والدليل. ولكن هذه الأنظمة انحرفت سياسياــ إن صح التعبيرــ، ولكن الأنظمة التى ترتدى الأردية الدينية تنحرف سياسيا، وتضعف منسوب التدين فى المجتمع. ولا يوجد سبب واضح لإقدام جماعة سياسية على ادعاء اجندة دينية سوى رغبتها فى حشد الجماهير، واللعب على غرائزهم. هل امتلكت التيارات الإسلامية فى المنطقة برامج سياسية واقتصادية وثقافية مختلفة؟ لم يحدث، بل فى مناسبات كثيرة شكلت تراجعا عن خطوات التقدم المحدودة التى انتهجتها بعض الدول، وسارت على نهج نفس السياسات التى ظلت لعقود تنقد الأنظمة الحاكمة على تبنيها.
المسألة واضحة، إذا كان الاستبداد يلازم بعض أنظمة الحكم ذات التوجهات شبه المدنية، فإنه يلازم حتما الأنظمة التى تتبنى توجهات دينية، لأنها تظن فى نفسها أنها تحتكر الحقيقة فى حربها المقدسة ضد الآخرين فى العلن بينما تمارس فى السر أشد أنواع التفريط.