قضايا نسوية
جميل مطر
آخر تحديث:
الأربعاء 28 أغسطس 2013 - 8:50 ص
بتوقيت القاهرة
شركة «ياهوو» تديرها امرأة حققت خلال عامين نجاحا مبهرا. شركات أخرى عديدة تتقدم وتحقق أرباحا طائلة تحت قيادة نساء. الواشنطن بوست أدارتها امرأة لسنوات طويلة والنيويورك تايمز تدير تحريرها جيل ابرامسون، وحولها وتحت قيادتها قامات فارهة من كبار الصحفيين والصحفيات.
●●●
كان الظن، أو الأمل، انه حين ترتفع نسبة مشاركة النساء فى احتلال مناصب احتكرها الرجال، أن يهدأ الجدل حول تمكين المرأة والمشكلات التى تواجهها أثناء ممارسة عملها فى صالة الأخبار أو فى قاعة المحاضرات أو فى وسائل المواصلات أو فى الشارع. الغريب أن الأسئلة نفسها مازالت تتردد وظهرت أسئلة جديدة تبحث عن اجابات لدى رجال متحيزين أصلا ولدى نساء يدفعن ثمن تمكينهن مضاعفا. من هذه الأسئلة الجديدة السؤال ذائع الصيت على لسان كل امرأة هل خدعنى الرجل مرة أخرى حين روج لفكرة تمكين المرأة ثم حين زين لى فرصة مشاركته تولى المناصب الكبيرة؟
●●●
يؤكد الباحثون الاجتماعيون أن خروج المرأة للعمل فى مواقع الرجال أحدث تغيرات نوعية فى سلوكيات كثيرة. تغيرت لغة التخاطب ونبرة الصوت فى مواقع العمل وتبدلت أشكال الانفعالات وأسبابها. أصبح العاملون يترددون فى استخدام ألفاظ وكلمات بذيئة أو خارجة عن الذوق واللياقة وخفت الصخب المعتاد وهدأت الأصوات. وقد اكتشفت إحدى الباحثات أن انتاجية العامل ارتفعت، ووجدت أن الدافع وراء الارتفاع هو رغبة الرجل فى اللحاق بمستوى زميلته فى العمل والخوف من أن «يسقط فى عينها».
●●●
بمرور الوقت تعددت القضايا وتشابكت. التحرش الجنسى لم يكن قبل خمسين أو ستين عاما قضية مهمة بينما هو الآن العنصر الأشد اثارة للخلافات والتوتر فى قاعات ومكاتب العمل. قرأنا مؤخرا كيف اضطرت ماريسا ماير رئيسة شركة ياهوو إلى التوقف عن تقديم تقريرها إلى مجلس المساهمين فى الشركة عندما اراد أحد أعضاء المجلس الإشادة بها قائلا انها امرأة جذابة إلى جانب انها مديرة عظيمة الكفاءة. الحادث فى حد ذاته دليل على صعوبة تحديد الخط الفاصل بين المديح والتحرش.
نعرف عن خبرة، تراكمت على امتداد سنوات من العمل فى مكاتب حكومية أو خاصة، أن الرجال قد يمتدحون بعضهم بعضا، فيثنون على الملبس حينا والشكل حينا آخر والانضباط والأخلاق الحميدة أحيانا أخرى، وكنا كثيرا ما نختلف حول تعريف هذا المديح، أهو نفاق معتاد أم مجاملة عابرة أم ثناء وإشادة. تعقد الأمر مع الزيادة فى نسبة النساء المشاركات فى مواقع العمل. إذ أنه حين يتوجه موظف بمديح إلى السيدة الرئيسة أو المديرة فإنه يخاطر بتعريض نفسه للإتهام بالتحرش، حتى وإن كان غرضه الواضح هو النفاق أو فى أحسن الفروض المجاملة. ومع ذلك وفى حالات مشهودة اعتبرت مديرات ورئيسات تجاهل المرءوسين لأناقتهن وجمالهن وحسن قوامهن «جليطة» وتخلفا وسوء تربية.
●●●
ينسى المشاغبون الأمريكيون فى قضايا حقوق المرأة حقيقة أن المرأة من حقها أن تجامل زميلا أو تشيد بذوقه الرفيع فى اختيار ربطة العنق، من دون أن يدور التهامس حول ممارستها التحرش. يستند هؤلاء المشاغبون إلى أن القانون الأمريكى يشترط لاكتمال شبهة التحرش أن يصدر من أعلى فى اتجاه الأدنى، أى من رئيس فى اتجاه مرءوس، وليس العكس. ولاشك أن البعض منا لايزال يذكر الفنانة المتميزة «ديمى مور» حين مثلت دور المديرة التى تتحرش بمرءوس لها فى الفيلم السينمائى الذى أثارت فكرته ضجة حين عرض لأول مرة.
●●●
تجرى مقارنات شديدة السخرية بين أسلوب تعامل الرجل تجاه زميلته فى العمل وسلوكه تجاه زوجته فى البيت. لوحظت فروق شاسعة. فالرجل فى المكتب «خدوم»، يأتى لزميلته بالقهوة، ويشترى لنفسه ولها غذاءهما، ويحاول على امتداد ساعات العمل الترفيه عنها وتسليتها وهو مستعد أحيانا لأن يقوم ببعض عملها، ويحمل عنها الملفات والأوراق، ويهتم بالسؤال عن حال اطفالها ويتألم لأوجاعها. إنه نوع من السلوك لا يمارسه الرجل عادة مع زوجته فى البيت إلا نادرا أو مجبرا أو متأففا أو فى أحسن الأحوال متفضلا. هذا ما توصل إليه باحثون اجتماعيون فى الولايات المتحدة.
●●●
كتبت آن مارى سلوتر الكاتبة المرموقة والدبلوماسية القديرة فى مقال أثار ضجة هائلة فى الولايات المتحدة، تقول إن قوانين أمريكا تجاه المرأة متعسفة. هذه القوانين لا تسمح للمرأة باجازة حضانة ولا تحصل على اجازة مدفوعة الأجر، ولا تجد وقتا للتظاهر والاعتصام. تقول أيضا إن كثيرات من العاملات فى الخارجية الأمريكية يعترفن بانهن يرفضن القيام باجازات اعتيادية لسنوات عديدة ليتمكن من الحصول على اجازة وضع وحضانة لطفل سيأتى يوما ما. تقول إحداهن «لقد ادخرت من أيام الأجازة ما يكفى من أجل طفل، ولا اعرف كيف أواجه احتمال أن يأتى طفل آخر».
تقول سلوتر إن الرجال تعودوا أن يحطوا من قدر النساء، وبناء عليه يرفضون القيام بأى عمل تعودت النساء القيام به، مثل تربية الأطفال. الرجل قد يحب الأطفال، وقد يحب أن يلعب معهم، ولكنه غير مستعد أن يقضى وقتا لتربيتهم والعناية بهم.
تقول آن مارى إن الرجال فى مواقع العمل المختلفة مازالوا غير مرحبين بأن تأتيهم التوجيهات من امرأة. لا تدرك معظم الرئيسات والمديرات أن الرجال الذين سئموا الاستماع إلى النصائح والتوجيهات التى تأتيهم من زوجاتهم حول ما يجب أن يقوموا بعمله فى المنزل أثناء أدائهم واجبات الطبخ ونظافة البيت وإخراج أكياس النفاية والعناية بالأطفال والتعامل مع القنوات التليفزيونية، غير مستعدين لتلقى نصائح وتوجيهات أخرى من مديرة أو رئيسة فى العمل.
●●●
مازالت الطريق طويلة أمام المرأة لتحصل على ما تريد، فالرجل مازال متربصا وراء متاريس ثقافية وسياسية واقتصادية ليحول بينها وبين ما تريد. وقد بالغ مؤخرا رجل أمريكى فى تجاوزه حقوق امرأة تعمل منذ سنوات مديرة لمكتبه حين قرر فصلها من وظيفتها لا لسبب سوى أنها كانت على قدر هائل من الجمال والجاذبية. الغريب أن القاضى وقطاعا كبيرا من الرأى العام وإعلاميين عديدين أيدوا حق الرجل فى فصل مساعدته الجميلة «حرصا على سلامة العمل».