لماذا تغــــولت إســــــرائيل؟

أيمن النحراوى
أيمن النحراوى

آخر تحديث: الأربعاء 28 أغسطس 2024 - 7:10 م بتوقيت القاهرة

أثناء حرب أكتوبر 1973 وبعد تمكن الجيش المصرى البطل من عبور قناة السويس واجتياح خط بارليف وهزيمة القوات الإسرائيلية، إذا بالولايات المتحدة فى اليوم التالى تقيم أكبر جسر جوى لتزويد إسرائيل بأحدث الأسلحة والصواريخ والدبابات والطائرات من الولايات المتحدة ومن قواعد حلف الناتو فى أوروبا.

لم ينته الأمر على ذلك، إذ إنه بعد أيام وتحديدا فى الساعة الواحدة من بعد ظهر 13 أكتوبر 1973، اخترقت طائرة استطلاع عسكرية أمريكية من نوع بلاك بيرد «SR ــ 71» المجال الجوى المصرى على ارتفاع شاهق يتجاوز 25 كيلومترًا وبسرعة تعادل ثلاثة أضعاف سرعة الصوت، وقامت باستطلاع خطوط القتال وموقف القوات وتصويرها، وخلال ساعات كانت صور الاستطلاع الجوى قد أرسلت إلى إسرائيل، ولم تلبث القوات الإسرائيلية بناء على محتواها وتحليل موقف القوات المصرية أن قامت بعملية الثغــــرة. بعدها وفى خضم وقائع الحرب وقف الرئيس السادات وقال قولته الشهيرة: عند تلك المرحلة أدركت أننى لا أحارب إسرائيل وحدها، بل إننى أحارب أمريكا.

تلك الوقائع التاريخية ستسهم فى الإجابة على ذلك السؤال لماذا تغولت إسرائيل؟!

•  •  •

الحرب الإسرائيلية الوحشية الإجرامية على قطاع غـــزة، وهى أول حرب تُرتكب فيها جرائم حرب وإبادة جماعية مصورة ومسجلة ومذاعة صوتا وصورة لجميع أنحاء العالم، منذ أكثر من 330 يوما متواصلا؛ حيث الكيان الصهيونى يجهز على ضحاياه فى مجازر يومية استشهد فيها أكثر من 40 ألف شهيدة وشهيد فلسطينى، وإصابة وإعاقة أكثر من 150 ألفا وتدمير 90% من مبانى قطاع غــزة وتسويتها بالأرض.

تفعل إسرائيل ذلك والجميع يرجوها أن تتوقف حتى لأسباب إنسانية، لكنها تواصل جرائمها كل يوم دون اهتمام أو اكتراث، لدرجة أن وزير الخارجية الأمريكى زار إسرائيل 12 مرة ملتمسًا ومترجيًا رئيس الوزراء الإسرائيلى إيقاف الحرب والتوصل لاتفاق، على الأقل مراعاة للمصالح الأمريكية فى المنطقة ولكن دون جدوى.

جزء من الإجابة يعبر عنه مشهد احتشاد معظم أعضاء مجلسى الكونجرس الأمريكى لاستقبال رئيس الوزراء الإسرائيلى، والتصفيق الحاد المتواصل له 81 مرة منذ دخوله القاعة وحتى مغادرتها، رغم أنه مدان من العالم أجمع بجرائم حرب ويداه مخضبتان بدماء عشرات الآلاف من الضحايا الفلسطينيين.

ذلك الاستقبال الحافل هو انعكاس صارخ لسياسة الدعم والتأييد المطلق لإسرائيل، فالكونجرس نفسه قد أقر لإسرائيل منذ شهرين منحة عاجلة قيمتها 26 مليار دولار ما بين مساعدات اقتصادية وعسكرية عاجلة تضاف لما قيمته 4 مليارات دولار مساعدات سنوية تحصل عليها إسرائيل من الولايات المتحدة، ولم لا يحدث ذلك واللوبى الصهيونى يتحكم فى تمويل وتصعيد وانتخاب أعضاء الكونجرس، بل والإطاحة بهم إذا لزم الأمر.

وبالتوازى مع ما سبق لا يمكن إغفال الهيمنة الصهيونية على مؤسسات الاقتصاد والتمويل والمصارف، وكذلك على المؤسسات والمنصات الإعلامية الكبرى والصحف وتوجيهها فى صالح إسرائيل على الدوام، ومهما اقترفت إسرائيل من جرائم أو أفعال.

على الصعيد العالمى تكفى مراجعة واحدة لمحاضر مجلس الأمن الدولى لتبيين أن الولايات المتحدة استخدمت حق الاعتراض/ الفيتو 46 مرة للحيلولة دون اتخاذ أى قرارات أو توصيات أو بيانات تمس إسرائيل، وبات إحدى المهام الرئيسية لمسئولى وزارة الخارجية الأمريكية وسفرائها ودبلوماسييها فى كل أنحاء العالم هى تقديم الغطاء الدبلوماسى والحماية لإسرائيل، بل وممارسة الضغوط على الدول المختلفة لصالحها.

وحتى فى حدث عالمى رمزى عندما قررت مدينة ناجازاكى عدم دعوة إسرائيل لحضور الاحتفال بذكرى ضحايا القنبلة الذرية التى ألقتها الولايات المتحدة على ناجازاكى عام 1945، سارعت الولايات المتحدة وأعلنت مقاطعتها للاحتفال تضامنًا مع إسرائيل، وبالطبع تبعتها بريطانيا، ولم تلبث مجموعة الدول السبعة الصناعية بأكملها أن أعلنت مقاطعتها للاحتفال.

•  •  •

فى مرحلة لاحقة وبعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية طلبات باعتقال رئيس الوزراء ووزير الحرب الإسرائيلى بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، قامت الدنيا ولم تقعد فى الولايات المتحدة، فسارع الرئيس الأمريكى بايدن ووزير خارجيته للتنديد بالقرار، وتعهد السيناتور عن الحزب الجمهورى ليندسى جراهام بأنه سيعمل بشكل محموم مع زملائه فى مجلسى الكونجرس لفرض عقوبات قاسية ضد المحكمة الجنائية الدولية ومدعيها وكبار موظفيها.

تواصل الأمر بتوقيع 12 سيناتورا من أعضاء الكونجرس على رسالة تهديد موجهة للمدعى العام لمحكمة الجنايات الدولية جاء فيها: نكتب لك بشأن التقارير الخاصة بأن محكمة الجنايات الدولية قد تنظر فى إصدار مذكرات اعتقال دولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلى ومسئولين إسرائيليين آخرين، ونحن نعتبر مثل هذه الخطوات غير شرعية ونرى أنها تفتقر للأسس القانونية، وإذا تم إقرارها سينتج عنها عقوبات قاسية بحقك وبحق مؤسستك.

لم يكن هذا النهج الرسمى الأمريكى تجاه المحكمة الجنائية الدولية بجديد، إذ إنه فى عهد الرئيس ترامب، هدد مستشار الأمن القومى الأمريكى جون بولتون بمنع قضاة المحكمة ومدعيها العامين من دخول الأراضى الأمريكية، وقال: سنعاقب أموالهم فى النظام المالى الأمريكى، وسنحاكمهم تحت النظام الجنائى الأمريكى.

•  •  •

إضافة لكل ما سبق فإن الأفعال الخطيرة التى أقدمت عليها إسرائيل من اغتيال القائد اللبنانى فى حزب الله فؤاد شكر فى بيروت، ثم اغتيال إسماعيل هنية فى طهران، جاءت لتصب الزيت على النار فى الشرق الأوسط منذرة باندلاع حرب شاملة، فسارعت الولايات المتحدة وحلفاؤها بالقيام بجهود دبلوماسية كبرى لتطلب من حزب الله وإيران التغاضى عن الجريمة وابتلاع الإهانة وتناسى الثأر، وبات المعتدى عليهما حزب الله وإيران هما الملامان مقدما فى أى رد فعل سيصدر عنهما.

ليس ذلك وحسب فالجهود الدبلوماسية الأمريكية لحماية والدفاع عن إسرائيل عززتها الولايات المتحدة بتحريك حاملات الطائرات وبوارج الأسطول الخامس والسادس الأمريكى المدججة بأحدث الطائرات والصواريخ إلى الشرق الأوسط، ودعمتها بالمزيد من سفن ومدمرات الأسطول السابع الأمريكى وطائرات الإنذار المبكر والاستطلاع والإعاقة الإلكترونية، فضلاً عن دعمها بالغواصة النووية يو. إس. إس. جورجيا.

•  •  •

هكذا تحشد الولايات المتحدة قواتها وإمكاناتها الحربية والدبلوماسية والإعلامية فى خدمة إسرائيل بصفة مطلقة ودون ضوابط أو معايير، وبصرف النظر عما فعلته وتفعله إسرائيل، وعن تداعيات ما تفعله إسرائيل على حاضر المنطقة ومستقبلها.

وما سبق كله ليس إلا جزءا من الإجابة على هذا السؤال: لماذا تغولت إسرائيل؟!

 

أستاذ ومستشار الاقتصاد الدولى واللوجيستيات

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved