90 مليون رئيس فى مصر
وائل قنديل
آخر تحديث:
الجمعة 28 سبتمبر 2012 - 9:15 م
بتوقيت القاهرة
مصر كلها تشارك الدكتور محمد مرسى منصب الرئاسة هذه الأيام، فلدينا ٩٠ مليون ناقد يعدون على الرجل أنفاسه، ويحاسبونه على كلماته، وتحركاته وسفرياته، ووصل الأمر بالبعض للتدخل فى طريقته فى اللبس والتعبير، حتى صار هناك من يطالب بضرورة أن يتعلم الرئيس البروتوكول والاتيكيت على طريقته وذوقه.
إن أحدا لا يصادر حق الجميع فى انتقاد سياسات الرئيس والاختلاف معها والاعتراض عليها، بل كل هذا قد يكون مفهوما فى مجتمع خرج من كهف الحاكم الفرد المستبد إلى براح الثورة بكل ما يحمله من نزعات اندفاع وانفلات وهتاف وصخب سياسى غير مسبوق، لكن غير المفهوم أن يكون موضوع الخلاف مع الرئيس المنتخب أنه هو الرئيس.. وأن ينتقل الاعتراض من مساحة قرارات وسياسات الرئيس إلى الرفض المطلق لوجوده شخصيا فى الحياة.. وأن يصبح البعض تواقا ومتطلعا لأن يخطئ الرئيس أو يتعرض للحرج، أو يوضع فى موقف مهين له ولمصر.. وكنموذج لهذه الحالة ذلك الاحتفال الصبيانى الكبير بنبأ لا أحد يملك تأكيده أو نفيه يقول إن الدكتور مرسى طلب مقابلة باراك آوباما لكن الأخير رفض.
وخبر من هذا النوع وبذلك الحجم لو صح فإنه يدعو للغضب والشعور بالمهانة القومية، إذا سلمنا بأن الدكتور محمد مرسى صار رئيسا لجمهورية مصر العربية بأصوات غالبية المصريين، ومن ثم هو يمثلهم حسب قواعد اللعبة الديمقراطية.
واللافت أن الخلاف والاعتراض يستعران ضد مرسى فى أمور تبدو أقل أهمية، مثل طريقة كلامه وايتيكيته، بينما هناك أمور شديدة الأهمية تستحق الالتفات لها، لكن أحدا لا يتوقف عندها كثيرا.. ومن هذه الأمور حديث مرسى للجالية المصرية فى أمريكا بشأن عدم تدخله فى عمل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور.
وهذا الكلام من الناحية النظرية له وجاهته، ذلك آن الدستور هو الذى يحكم ويتحكم فى الرئيس، وليس الآخير هو الذى يتحكم أو يتدخل فى الدستور، غير آنه من الناحية العملية هناك وعد معلن متكرر من مرسى بالسعى لتحقيق التوازن المطلوب فى الجمعية التأسيسية بحيث تعبر عن مختلف مكونات المجتمع المصرى، وهذا الوعد أو التعهد كان محددا وواضحا فى مناسبات عدة، فضلا عن آن أحدا لم يطلب من الرئيس التدخل فى مواد الدستور وصياغتها، بل كل المطلوب أن يبذل جهدا باعتباره قائما بمهام السلطتين التنفيذية والتشريعية فى وقت واحد، بموجب قراره بانتقال سلطة التشريع إليه على ضوء تعطيل البرلمان وحله وإعلان وفاته إكلينيكيا.. أن يبذل جهدا فى إحداث حالة من التوافق المجتمعى بين فرقاء السياسة المصرية، سعيا لتحقيق ذلك التوازن الموعود فى تكوين الجمعية التأسيسية التى تتخطفها طيور المشاحنات والإقصاءات والتطاحن.
إن من مستشارى الرئيس من يحضرون ويشاركون فى جلسات الجمعية التأسيسية، وبالطبع هؤلاء أدرى بما يتهددها من فيروسات الفرقة والانقسام، وبالضرورة ينقلون الصورة كاملة إلى القصر الرئاسى، ومن ثم لابد أن الدكتور يدرك مواضع الخلل وعناصر الفشل الذى يتهدد أعمال وضع الدستور، ولن يكون خرقا آو تجاوزا للسلطات أن يدعو الرئيس الجمعية التأسيسية بكامل هيئتها، بأعضائها الأساسيين ــ المواصلين منهم والمنسحبين والمجمدين- والاحتياطيين والخبراء الفنيين وممثلى القوى السياسية المعترضين على طريقة أداء الجمعية، للقاء عاجل يتحدث فيه الكل بصراحة وشفافية ووضوح تام كمحاولة للخروج من هذا المأزق المخيف.