منازل الأمراء فى العصر المملوكى
عماد أبو غازي
آخر تحديث:
الجمعة 28 سبتمبر 2012 - 9:25 م
بتوقيت القاهرة
يعتبر عصر المماليك عصر بناء وتشييد، فأهم وأضخم المنشآت المعمارية التى تبقت من تلك التى تعود إلى الحقبة الإسلامية فى مصر ترجع إلى ذلك العصر، وإذا كانت مدينة القاهرة وضواحيها تحفل بالعمائر والمنشآت المملوكية، فإن معظمها منشآت دينية، كالمساجد والمدارس والخانقاوات، أو منشآت حربية كالقلاع والحصون والأسوار، والقليل منها منشآت اقتصادية كالوكالات والحمامات، أما ما وصلنا من قصور ومنازل فقليل للغاية، ولا يختلف عصر المماليك فى ذلك عن عصور الحضارة المصرية المتوالية السابقة عليه والتالية له، فأغلب ما خلفته تلك العصور منشآت دينية؛ كالمعابد والأديرة والكنائس والمساجد، فضلا عن المقابر والأضرحة، أو منشآت حربية، أما المنشآت المدنية التى تبقت فقليلة نادرة.
ومن الأمثلة القليلة للمنازل التى تبقت من العصر الإسلامى المبكر فى مصر بقايا منازل الفسطاط وأطلالها، التى اكتشفت على مرحلتين، أولاهما من خلال الحفائر التى قام بها على بهجت وألبير جبرييل بين سنتى 1912 و 1920، وتوصلا فيها إلى كشف أساسات وبقايا جدران مجموعة منازل، إلا أنهما لم يستطيعا التوصل إلى تفاصيل دقيقة لمعمار تلك المنازل والدور، أما المرحلة الثانية فتم الكشف عنها خلال الحفائر التى قام بها عالم الآثار جمال محرز فى ستينيات القرن الماضى، وتوصلت إلى كشف منزل شبه متكامل من أكثر من طابق، كان الأول من نوعه الذى رجع إلى ذلك العصر، وأدى إلى تأكيد روايات المؤرخين والرحالة عن مدينة الفسطاط قبل احتراقها أواخر العصر الفاطمى، ومن يومها تتوالى عمليات التنقيب فى منطقة الفسطاط.
أما عصر المماليك فقد تخلفت عنه أطلال عدد قليل من الدور والقصور التى كان يسكنها أمراء المماليك، والتى أدخلت عليها تحويرات معمارية فى عصور تالية، ولعل من أبرزها قصر بشتاك وقصر قصون ثم قصر الأمير طاز الذى تم إنقاذ بقاياه من الانهيار وأعيد ترميمه فى السنوات القليلة الماضية فى إطار مشروع القاهرة التاريخية ليصبح من أهم النماذج الحية التى تشهد على عمارة القصور فى عصر المماليك.
ورغم ندرة القصور المملوكية فإننا نستطيع أن نقدم صورة قريبة لما كانت عليه تلك المنازل والقصور، من خلال ما تبقى لنا من أطلالها التى وصلتنا فى القاهرة القديمة وظواهرها، ومن خلال ما ورد من وصف مفصل لعشرات من تلك المنازل فى حجج الوقف ووثائق البيع والاستبدال التى ترجع إلى عصر المماليك؛ ذلك الوصف الذى يجسد صورة حية لكثير من تلك المنشآت، ويساهم فى رسم صورة لتخطيط أحياء المدن فى العصور الوسيطة تكمل ما ورد فى كتب الخطط.
لقد شُيدت قصور الأمراء ومنازلهم فى عصر المماليك وفقا لمعايير اجتماعية وثقافية وبيئية انعكست على تخطيط القصر وعمارته وأساليب البناء والمواد المستخدمة فيه، وجاءت عمارة قصر الأمير المملوكى ملبية احتياجات ثلاثة فى ذلك العصر.
أولها: تحقيق المتطلبات المرتبطة بالوظائف العسكرية للأمراء، حيث يضم قصر الأمير طباقا لسكنى مماليكه وإسطبلات لخيله ومخازن لسلاحه.
وثانيها: التوافق مع القيم الثقافية للطبقات العليا فى المجتمع المملوكى، التى فرضت ضرورة فصل الرجال عن النساء، ومراعاة الحفاظ على حرمة المنزل، وحجب من بداخله عن أعين المارة فى الشارع.
وثالثها: مراعاة ظروف البيئة والمناخ، فقد اعتمد المعمارى فى ذلك العصر على مواد البناء المتوافرة فى البيئة المحيطة به، كما وضع فى اعتباره أحوال المناخ المتمثلة فى قلة سقوط الأمطار فى الشتاء وارتفاع درجات الحرارة فى الصيف.
هذا وقد استخدم المعمارى المصرى فى ذلك العصر أساليب فنية متعددة ومتنوعة فى التزيين فى عمارة القصر الداخلية والخارجية تتوافق مع الذوق الجمالى السائد فى ذلك العصر، الأمر الذى تستفيض الوثائق فى وصفه تفصيلا.
كانت بيوت الأمراء صورة مصغرة من قصر السلطان، هذا ما يؤكده المعاصرون لزمن المماليك، حيث تصف المصادر التاريخية وكتب الرحالة الذين زاروا مصر فى العصر المملوكى مدى ثراء قصور أمراء المماليك كما تؤكد أن قصورهم كانت نماذج مصغرة من قصر السلطان بما يحويه من إسطبلات ومخازن وبيوت، وكانت تلك البيوت تسمى فى قصور الأمراء البيوت الكريمة بينما كان يطلق عليها فى قصر السلطان اسم البيوت الشريفة، حتى صار كل أمير من أمراء المماليك «سلطانا مختصرا» على حد قول أهل ذلك العصر.
ومن خلال وصف هذه البيوت كما ورد فى الوثائق يتبين لنا بجلاء مقدار ما كانت عليه من ثراء وفخامة، وما كان بها من منشآت وأقسام تماثل ما كان موجودا فى قصر السلطان.
حيث نجد فيها الإسطبلات اللازمة لخيول الأمير ومماليكه، وعادة ما تكون هذه الإسطبلات قريبة من مدخل الدار، ويجاور هذه الإسطبلات متابن لغذاء الخيل. كذلك تضم قصور الأمراء طباقا لسكنى المماليك، وقد بلغت هذه الطباق فى قصر أحد كبار الأمراء تسع طباق.
ومن ملحقات القصور التى ورد ذكرها فى الوثائق من البيوت الكريمة المماثلة لما فى قصر السلطان من بيوت شريفة: الطبلخانات، التى تحفظ فيها الطبول والأبواق التى تضرب للأمير فى الأوقات المحددة لذلك، وتقع بأعلى مدخل القصر، وتوجد الطبلخاناه فى بيوت الأمراء الكبار الذين حازوا رتبة أمير طبلخاناه فما فوقها فهم فقط الذين كان من حقهم دق الطبول عند خروجهم ودخولهم وفى مواعيد محددة من اليوم، وقد ظهر تقليد دق الطبول على بوابات قصور القادة العسكريين منذ العصر البويهى، وشاع فى أنحاء مختلفة من العالم الإسلامى، خاصة فى مصر المملوكية، حتى أصبح مسمى الأمير الذى يصل إلى رتبة أمير أربعين فى جيش المماليك أمير طبلخاناه، إشارة إلى ذلك التقليد، كذلك نجد فيها الركاب خاناه، وبه تحفظ السروج واللجم ومستلزمات الخيل، وعادة يراعى فى تصميم القصر المملوكى أن تكون الركاب خاناه قريبة من الإسطبل.
وهناك الطشتخاناه حيث تحفظ أدوات الغسيل المختلفة من طشوت وأباريق وطاسات، وكل ما يتعلق بالحمامات من سخانات ووقود ومباخر وبخور ومناشف، كما كانت تحفظ بها الثياب التى تحتاج إلى الغسيل.
ومن هذه البيوت الكريمة الفراش خاناه، وهى قريبة من الأماكن التى تستخدم للجلوس واستقبال الزائرين، حيث تحفظ فيها البسط والقناديل والأدوات التى تستخدم فى قاعات الجلوس وتلك التى تستخدم عند مد الأسمطة.
ثم هناك الشراب خانه، وهى مكان حفظ أدوات الشراب النفيسة والأشربة والحلوى والسكر والفواكه والأدوية والعقاقير الطبية ويراعى فى تصميمها تحقيق الغرض منها فقد ألحقت بها بيت للأزيار وبالوعة ورفوف ومخازن مغلقة.
هذا وقد كانت محتويات القصر المملوكى تلبى احتياجات فعليه لصاحبه، فقد كان الأمير الكبير مسئولا عن إعاشة عدد من المماليك وتربيتهم، كما كانت وظيفته تفرض عليه مهام وواجبات مدنية وعسكرية، الأمر الذى استلزم أن تتبع قصره أو منزله مثل هذه الملحقات. لقد عكس القصر المملوكى من هذه الزاوية الطبيعة السياسية والاجتماعية للدور الذى يقوم به كبار الأمراء فى النظام المملوكى.
وقد لعبت ثقافة المجتمع دورا واضحا فى تخطيط المنزل وعمارته فى العصر الوسيط؛ فقد فرضت ثقافة الطبقات العليا فى المجتمع ضرورة عزل الرجال عن النساء، وضرورة مراعاة الحفاظ على حرمة المنزل وحجب من بداخله عن أعين المارة فى الشارع، وهى أمور ظهرت عند بناء المنزل وتصميم أقسامه المختلفة.
وتؤكد الوثائق عند وصفها للمنازل والقصور على هذه السمات المعمارية، فتصف أقساما مخصصة للحريم فى هذه المنازل، وهى عادة مقاعد مغلقة ومزودة بشبابيك عليها مشربيات، أو مقاعد ذات سقوف خشبية خارجية مائلة محمولة على كوابيل خشبية مثبتة فى الحوائط فوق المقاعد تعرف بالمظلات أو الرفارف تحجب الرؤية عمن يكون فى مكان أعلى من المنزل. كذلك فإن الشبابيك المطلة على الشارع الخارجى أو على الأحواش الداخلية، والتى يمكن أن يجلس فيها ضيوف المنزل كانت تغطى عادة بالمشربيات التى تسمح لمن بداخل المنزل أن يرى الخارج دون أن يراه من فى الخارج. وعادة ما يكون لقاعة الحريم أبواب خاصة صغيرة غير ظاهرة من نوع باب السر، كذلك فإن الأجزاء المخصصة للحريم فى المنزل يسبقها عادة دهليز أو ممر طويل.
كما أن مدخل البيت يحجب عن المارة بالشارع من خلال أسلوب معمارى يعتمد على إتباع الباب الخارجى للمنزل بدهليز أو سلم أو انحناءة تكسر الرؤية، وقد سار المعماريون فى ذلك العصر دوما على هذه القواعد لحجب داخل المنزل عن الشارع.
وعادة ما نجد فى معظم هذه المنازل مكانا مخصصا لجلوس الحارس أو البواب خلف المدخل مباشرة، ربما كان مصطبة فى بعض الأحيان، أو حجرة أو خزانة بوابية فى أحيان أخرى.
وعلاقة العمارة بالبيئة والمناخ واضحة جلية من خلال وصف الوثائق للقصور المملوكية، فقد انعكست ظروف المناخ المتمثلة فى قلة سقوط الأمطار فى الشتاء وارتفاع الحرارة فى الصيف على المنزل المملوكى؛ فسمحت قلة سقوط الأمطار بأجزاء مكشوفة فى المنازل والقصور، وتعدد الوثائق مثل هذه الأجزاء: كالأحواش السماوية المفتوحة من أعلى غير المسقفة، أو الرحبات الكشف، كما نجد كذلك الدهاليز المستطيلة التى تصفها الوثائق بأن بعضها معقود بالحجر وبعضها سماوى.
أما حرارة الجو فقد تغلب عليها المعماريون بنفس الأسلوب الذى استخدمه المعمارى المصرى منذ عصر الحضارة المصرية القديمة فى بناء المنازل، بالإكثار من المقاعد والملاقف المواجهة للجهة البحرية عند تصميم المنزل، وقد وصف الرحالة الذين زاروا مصر فى العصور الوسيطة بإعجاب هذا الأسلوب فى تصميم المنزل القاهرى الذى أتاح التغلب على حرارة الصيف.
والمقاعد البحرية قاعات ذات واجهات بحرية مفتوحة لاستقبال الهواء الملطف، أما الملقف فهو وسيلة لتبريد هواء الغرف الداخلية ببناء فتحات علوية للتهوية مواجهة للشمال لتستقبل نسيم الهواء العليل. كذلك لجأ المعماريون إلى زيادة سمك الحوائط الخارجية للمساعدة فى عدم تسرب درجة حرارة الجو الخارجى إلى داخل المنزل. ومن الوسائل التى استخدمت كذلك لتلطيف الجو داخل المنزل فى العصر المملوكى الحدائق الداخلية الصغيرة والفساقى الموجودة داخل القاعات، وقد كانت هاتان الوسيلتان فى نفس الوقت من أساليب تجميل المنازل.
كذلك تصف الوثائق المرافق المختلفة التى تتبع الدور والقصور مثل الحمامات والمطابخ والمستوقدات والمراحيض وبيوت الأزيار والمزامل. ومن المرافق التى تذكرها الوثائق كذلك الآبار والسواقى فقد كان سكان حى بركة الفيل يستخدمون السواقى والشواديف فى رفع الماء من البركة إلى منازلهم، ويتكرر ذكر آبار المياه فى الوثائق فقد كانت هذه الآبار أحد مصادر إمداد البيت باحتياجاته من المياه، خاصة عندما تشتعل الاضطرابات فى القاهرة ويتعذر وصول السقاءين بمياه النيل إلى المنازل.
لكن أين كان يعيش المماليك فى المدينة؟
لقد انتقلت عاصمة مصر فى العصر الإسلامى من مكان إلى آخر فيما يعرف اليوم بمدينة القاهرة بحدودها الحالية، وكانت العواصم المتوالية لمصر تتجه شمالا وشرقا إلى أن أخذت تلتحم ببعضها فى عصر المماليك، وتدلنا الوثائق على أن قصور الأمراء تركزت فى مناطق محددة من المدينة، معظمها كانت قريبة من القلعة، مركز الحكم ومقر دار السلطنة فى مصر منذ شيدها صلاح الدين الأيوبى إلى الجنوب الشرقى من مدينة القاهرة، وشيد أسوارا جديدة ضمت داخلها عواصم مصر المختلفة منذ بداية العصر الإسلامى: الفسطاط والعسكر والقطائع والقاهرة، الأمر الذى شجع الناس على تعمير مناطق المزارع والمتنزهات الممتدة بين العواصم الأربع.
وكانت أحياء سكنى الأرستقراطية المملوكية وكبار المشايخ والتجار تنتشر فى المنطقة الممتدة ما بين الأسوار الجنوبية للقاهرة الفاطمية وقلعة الجبل، وهى المناطق المعروفة اليوم بسوق السلاح والدرب الأحمر والحلمية، كما أخذت شواطئ بركة الفيل القريبة من مدينة القطائع الطولونية تتحول تدريجيا إلى منطقة من المناطق المفضلة لدى الأمراء.
وفى القرن الخامس عشر عمر الأمير أزبك من ططخ حى الأزبكية، إلى الغرب من القاهرة الفاطمية، حول بركة ماء من تلك البرك التى كانت تتخلف عقب فيضان النيل، فأنشأ لنفسه قصرا كبيرا، وشيد مسجدا، وحول المنطقة إلى منطقة متنزهات وحدائق.
وفى القرون التالية خلال العصر العثمانى تحولت منطقة الأزبكية إلى مركز تجمع للأرستقراطية المملوكية التى عاونت العثمانيين فى إدارة ولاية مصر، وعندما جاءت حملة بونابرت إلى مصر، استخدم الجنرال أحد قصور المنطقة مقرا له.
وفى النصف الثانى من القرن التاسع عشر الميلادى، وبعد أن اختفى المماليك من خارطة المجتمع المصرى، أصبحت الأزبكية جزءا من المدينة الجديدة التى تم تخطيطها على الطراز الأوروبى فى عصرى إسماعيل وتوفيق، وأصبحت مركزا للنشاط الفنى خاصة بعد أن شيدت فيها دار الأوبرا المصرية مع احتفالات افتتاح قناة السويس.
الأبواب الخلفيـة
لماذا أقود سيارتى فى الصباح لأمارس رياضة المشى فى النادى؟ قررت اليوم من السابعة صباحا أن أمارس رياضتى المفضلة فى الحى شبه الراقى الذى أقطنه منذ 32 سنة وقد مر بتحولات كثيرة منذ ذلك الوقت.
لم يكن من الصعوبة ــ كما هو معتاد ــ أن أعبر الطريق الرئيسى حيث اليوم هو أول أيام الدراسة والازدحام شديد وبالتالى السيارات غير مسرعة ورغم ذلك أضطررت أن أشير كالخرس للسائقين والسائقات أن هذا هو المكان المخصص لعبور المشاه ومن حقى وحق التلامذة والتلميذات أن نعبر بسلام واحترام.
غريب هى أخلاقنا، لا نضع أنفسنا أبدا فى موقف «الآخر» فكثيرا ما تعرضت لمضايقات فى العبور ــ ليس اليوم آخرها ــ من سائقين وسائقات ربما لهم أقرباء وأحباء من هم فى مثل حالتى وربما هم أنفسهم يرغبون أو يضطرون لعبور نفس الطريق أحيانا، والأغرب أن معظمهم يقود السيارة كأجير مثل سائق التاكسى والأتوبيس بينما ينسى تماما أنه وبقية أسرته ــ فى الغالب ــ يعبرون الطرق يوميا وبالتأكيد يستحقون السلامة والاحترام.
القصد، قررت أن أدخل حديقة الأورمان فالبوابة الرائعة من الحديد المشغول مفتوحة، جلس حارسان عجوزان فى ملابس رثة منعانى من الدخول وقالا إن الموظفين يأتون لفتح الحديقة الساعة الثامنة والنصف، وعلى العودة لقطع التذكرة الزهيدة فى هذا التوقيت، سألت عن شخصية مهمة أعرفها تعمل بها فأبلغانى أنها تأتى فى التاسعة أو العاشرة، لكن سؤالى لم يغير من موقفهما شيئا. استمررت فى المشى حول سور الحديقة لأجد شابا بسيجارة يعبر إلى الطريق من خلال جزء مفقود فى السور. وكان ذلك فى مواجهة مديرية الأمن تماما!!
ماذا كان يفعل هذا الشاب فى الداخل فى مثل هذه الساعة المبكرة؟؟ هل كان يبيت ليلته أم يقضى حاجته أيا كانت؟؟ أكملت سيرى متابعة منظر الحديقة وحالتها من خلال السور. ما هذا الإهمال الذى طال حديقة تراثية تحوى النادر والنفيس والجميل من النباتات من جميع أنحاء العالم. كنا نزورها أيام الدراسة فى جامعة القاهرة فى السبعينيات بل كنا نأخذ فيها بعض دروسنا الجامعية. وأعلم من خلال صديقتى هذه التى سألت عنها أن بها من الخبرات البشرية والمهنية فى الزراعة والبستنة من يعد فى مصاف العلماء الباحثين. لماذأ إذن هذا الحال من التداعى والإهمال والأبواب الخلفية؟ هل هى الإمكانات المادية فقط؟ أم المعوقات الإدارية أيضا؟ هل يصدق أن يكون عندنا مثل هذا الكنز النباتى والبيئى وأن يختصر دوره فى إقامة معرض لزهور الربيع حيث تقوم الإدارة بتأجير مساحات للعرض، أو الأعياد التى يأتى إليها متوسطو الحال لتنسم القليل من الهواء العليل؟
إنى أحلم أن تلعب هذه الحديقة دورا مهما فى التعليم والتثقيف والتربية والتريض وإمتاع الحواس والنفوس وتهذيبها بالطبيعة والجمال.
لماذا لا تتكون رابطة أو جمعية أو مؤسسة أو حتى حركة (ثورية) من المتعلمين والمثقفين قاطنى الأحياء شبه الراقية المحيطة بالحديقة وتتبنى مشروع تنموى يتناول مشكلات الحديقة وإمكاناتها والعوائق المادية والإدارية التى أدت بكفاءة إلى إهمالها وتدهورها.
أرى نفسى وغيرى من جيران الحديقة يوفرون متوسط 5 جنيهات يوميا من ثمن التاكسى (رحلة واحدة) أو البنزين ليمارسوا التريض من 6 ــ 9 صباحا فى حديقة الأورمان لتنشأ مجموعة من المتعلمين والمثقفين من أصدقاء جمعية الأورمان يعملون على مساندة ودعم العاملين فى الحديقة للنهوض بها والمحافظة عليها ولتصبح أيضا مصدرا لحل المشكلات وتلبية احتياجات من حولها من الفقراء.
أرى مراحيض عامة تفتح مكان الأبواب الخلفية.
أرى مشروعا رائدا لتدوير المخلفات العضوية للحى وتحويله إلى سماد عضوى يفيد النباتات. أشارك فى برنامج للتعرف على عالم النبات بين الأطفال والكبار.
أرى فنانين يرسمون فى الحديقة وينشرون الفن والرقى. من الكشك المطل على البحيرة الصغيرة أستمتع بفنجان قهوة بسيط ونظيف.
أتابع من بعيد بعض الكتاب والصحفيين يرتادونها للكتابة. أشترى من محل صغير قصصا وكتبا أخرى ومحل آخر لبيع الورد ونباتات الزينة.
أحلم بحديقة الأورمان مصدرا لإتاحة الجمال والهدوء والرقى والفن والعلم والمتعة الراقية.
نداء إلى محافظ الجيزة متى نستطيع أن نبدأ معا؟؟؟
دليله الكردانى
17/09/2012