عام من الحرب.. المكاسب والخسائر الإسرائيلية

أحمد عبدربه
أحمد عبدربه

آخر تحديث: السبت 28 سبتمبر 2024 - 7:35 م بتوقيت القاهرة

ونحن على مقربة من إتمام عام كامل من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والضفة الغربية التى أعقبت الهجمات المباغتة التى قامت بها حركة حماس على جنوب إسرائيل فى السابع من أكتوبر الماضى، يكون من المهم مراجعة حسابات المكاسب والخسائر لأطراف الصراع الدامى فى المنطقة وذلك لإعادة النظر فى جدوى المعارك التى اتسع نطاقها كما كان متوقعا، نحو استشراف ما قد يحمله المستقبل لنا ولمنطقتنا!.
كانت هجمات حماس قاسية على الدولة العبرية فقد خلفت ما لا يقل عن ١٢٠٠ قتيلة وقتيل إسرائيلى من المدنيين بالإضافة إلى ٧١٥ من جنود الجيش و٦٦ شرطيا وشرطية خلال الشهور التى تلت الهجمات وحتى اللحظة بحسب إحصاءات صحيفة The Times of Israel المنشورة يوم ١٩ سبتمبر الماضى.
أبدأ فى هذا المقال بالطرف الإسرائيلى، صحيح أنه فى هذه الحرب يبدو وكأنه فى حالة «رد فعل» وليس المسئول عن بدء الحرب، إلا أن المزيد من التدقيق فى حقائق الصراع منذ فشل اتفاقية أوسلو للسلام فى تسعينيات القرن الماضى وصعود تيار اليمين الإسرائيلى بقيادة بنيامين نتنياهو لمقاعد السلطة يفضى إلى نتيجة واحدة واضحة، وهى أن المتسبب الأول والأخير فى تفجير هذه الأوضاع هو هذا التيار الذى صمم سياسة من شأنها جعل إقامة دولة فلسطينية أمرا مستحيلا، ليس فقط بسبب التعنت فى المفاوضات الهشة للسلام، وفرض سياسات الأمر الواقع، ولكن أيضا بسبب الاستمرار فى بناء المستوطنات فى الضفة الغربية بشكل لا يمكن أمامه الثقة فى النية الإسرائيلية فيما يتعلق بالسلام المزعوم الذى ادعى أن هذا التيار اليمينى وحلفاءه من السياسيين المتطرفين دينيا لم يكونوا فى أى لحظة خلال الثلاثين عاما الماضية صادقين بخصوصه، بل قام هذا التيار وجماهيره بهندسة سياسية واقتصادية وأخرى متعلقة بالبنية التحتية من أجل إنهاء أمر الدولة الفلسطينية إلى الأبد وترحيل مشاكل الشعب الفلسطينى إلى دول أخرى آملين فى التخلص منهم بشكل نهائى!.
وقد وصل الأمر ذروته بوضوح حينما قام السفير الإسرائيلى لدى الأمم المتحدة، جلعاد أردان، بتمزيق ميثاق المنظمة الأممية فى قاعة الجمعية العامة على مرأى ومسمع من الجميع فى إشارة صريحة لحقيقة هذا التيار السياسى الذى يمثل السلطة فى إسرائيل، والذى لا يعير أى أهمية بل ويحتقر بوضوح التنظيمات الدولية والقانون الدولى.
• • •
خلال هذا العام ربما كان مكسب إسرائيل الوحيد هو تمكنها من التخلص من عدد من القيادات الفلسطينية وفى مقدمتها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، بالإضافة إلى تصفية معظم قيادات حزب الله من العسكريين، ناهينا عن تدمير جزء كبير من المقدرات العسكرية لحماس، وقتل العديد من مقاتليها وبعض قيادتها العسكرية.
أدعى أن هذا هو المكسب الوحيد لإسرائيل، ولكن فى الوقت نفسه علينا أن ننتبه إلى أن هذا المكسب ليس هينا بأى حال من الأحوال، لأن بقاء إسرائيل بلا أى مسار نحو دولة فلسطينية بالإضافة إلى بقاء شرعيتها أمام شعبها مرتبط بتدمير أى سلطة سياسية أو عسكرية فلسطينية وهو الأمر الذى تحقق بالنسبة لإسرائيل بشكل كبير بعد تدمير فتح وشرعيتها ثم تدمير حماس وقوتها! كذلك فقد حققت إسرائيل حتى اللحظة نصرا سياسيا وعسكريا ودعائيا أمام حزب الله ومن خلفه إيران، فعلى الأقل حتى اللحظة استطاعت الآلة العسكرية الإسرائيلية ومعها أجهزة مخابراتها إثبات أنها تستطيع أن تصمد فى القتال على أكثر من جبهة بل وتحقيق بعض الانتصارات المؤلمة لأعدائها، فضلا عن أنها استطاعت على الأقل حتى اللحظة أيضا إثبات أنها قادرة على أن تخترق بل وتحرج إيران وحزب الله، وما اغتيال إسماعيل هنية فى طهران وفى قلب قصورها ومقراتها الرئاسية بالإضافة إلى تفجير أجهزة «البيجر» و«الووكى تووكى» إلا دليلا على فشل مخابراتى وعسكرى إيرانى فادح.
• • •
فى مقابل هذا المكسب، فقد تكبدت إسرائيل العديد من الخسائر الفادحة، والتى كان من أهمها:
أولا: الضربة الأبرز لإسرائيل هى خسائرها البشرية سواء بين السكان المدنيين أو العسكريين، فالأرقام المذكورة فى أول فقرة فى هذا المقال ليست هينة على دولة تعودت دائما على حماية مواطنيها ومواطناتها ولطالما تباهت بقوة جيشها. وبشكل حسابى بحت فهذه هى أكبر خسارة بشرية لإسرائيل منذ حرب أكتوبر ١٩٧٣، أى فى نصف قرن كامل فى دولة لا يتعدى عمرها الرسمى ثمانية عقود! هذه الخسائر البشرية لها ثمن معنوى كبير، فكل من زار إسرائيل مؤخرا عبر عن الصدمة والقلق والإحباط والاكتئاب الذى يعيش فيه المواطنات والمواطنون الإسرائيليون وهو ما دفع عددا كبيرا منهم لبدء إجراءات هجرة دائمة أو مؤقتة من الدولة العبرية التى لطالما ادعت دوما أنها تمثل وطنا آمنا لكل يهود العالم!.
أما الخسارة الثانية فقد تمثلت فى تلك الصفعة المخابراتية القوية التى تلقتها إسرائيل فى يوم السابع من أكتوبر وهى الصفعة التى لا تزال آثارها قائمة حتى اليوم. هذا الفشل المخابراتى والأمنى والعسكرى ما زالت أصداؤه تُسمع وتُرى فى العلاقة المشروخة بين قيادات الجيش والحكومة وكذلك بين هذه القيادات والشعب المستاء من هذا الفشل المريع الذى ما زال بلا حساب سياسى بسبب تعمد نتنياهو إطالة أمد الحرب للتغطية على هذا الفشل وترحيل وقت الحساب السياسى للرجل الذى كان دائما ما يوصف بأنه الأقوى فى إسرائيل خلال العقود الثلاث الأخيرة! بل ويمكننا أن نرى أيضا شرخا فى العلاقات الأمنية ــ العسكرية وسط تبادل الاتهامات بين هذه القيادات بشأن مسئولياتها حول أحداث ٧ أكتوبر!.
فيما تمثلت الخسارة الثالثة فى علاقات إسرائيل الخارجية؛ حيث انكشف أى غطاء أخلاقى أو سياسى كانت تحاول الدولة العبرية أن تلتحف به أمام المجتمع الدولى والرأى العام العالمى، لدرجة أن الأمر وصل إلى تراشقات سياسية ودبلوماسية بين إسرائيل والكثير من دول أوروبا ولا سيما آيرلندا والمملكة المتحدة وإسبانيا! كذلك فقد تحول التعاطف المبدئى فى الرأى العام العالمى ولا سيما الغربى بعد هجمات ٧ أكتوبر بحجة أن إسرائيل فى حالة دفاع مشروع عن النفس إلى هجوم شرس بعد أن تهاوت حجة الدفاع عن النفس أمام المذابح المريعة التى ارتكبتها ــ وما زالت ــ الدولة العبرية بحق المدنيين والمدنيات فى غزة، ويكفى القول بأن شباب الجامعات فى دولة حليفة لإسرائيل مثل الولايات المتحدة أصبحوا يعلنون صراحة ليس فقط انتقادهم للسياسات الإسرائيلية بل وصل الأمر إلى تحدى شرعيتها من الأساس وهو أمر ستظل إسرائيل تدفع ثمنه لسنوات وربما عقود قادمة أمام هذه الأجيال الصغيرة التى تشكل وعيها على العالم الخارجى بواسطة صواريخ وجرافات ودبابات وقنابل وأسلحة محرمة يتم استخدامها ضد العزل فى غزة!.
أما الخسارة الرابعة، فهى تلك المتعلقة بانقسام اليهود فى العالم وتحول جزء معتبر منهم ضد الدولة العبرية وشرعيتها! فبعد جرائمها بحق الشعب الفلسطينى خلال الشهور الماضية، قام العديد من يهود العالم سواء بشكل فردى أو بشكل منظم من خلال العشرات من المنظمات اليهودية المناهضة للدولة العبرية بالتعبير عن غضبهم ورفضهم ليس فقط لسياسات إسرائيل، بل وحتى التعبير عن رفضهم لشرعية وجودها من الأساس، وهو ما فضح بقوة ما حاولت الدبلوماسية والدعاية الإسرائيلية الدولية دائما الترويج له منذ بداية القرن العشرين بأن هذه هى دولة اليهود فى العالم كله! فهذا العالم أصبح يرى بوضوح أن الكثير من ادعاءات معاداة السامية التى كانت تستخدم دائما لإسكات من ينتقد إسرائيل، ليس لها محل من الإعراب فى هذه الحالة التى يعبر فيها الكثير من اليهود لرفضهم أن تكون الدولة الصهيونية معبرة عنهم سواء بشكل قومى أو بشكل دينى!.
أما الخسارة الخامسة والأخيرة فى حدود ما تسمح به مساحة هذا المقال فهى متعلقة تحديدا بنتنياهو وحزبه وتحالفاته اليمينية المتطرفة؛ حيث بذلت هذه التحالفات الكثير من الجهود والموارد لقتل أى مقترح أو أمل للشعب الفلسطينى فى دولة مستقلة، ولكن خلال هذا العام، فقد أصبح العالم وشخصياته الدبلوماسية وساسته ورأيه العام على وعى وقناعة بحقيقة واضحة، وهى أن الشعب الفلسطينى لن يتنازل أبدا عن حلمه المشروع بإقامة دولة مستقلة وفقا لقرارات الأمم المتحدة ومبدأ حق تقرير المصير، وهذه الخسارة وحدها كفيلة بتدمير مستقبل هذا التحالف السياسى الإجرامى!

أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved