طفلي ليس جميلا


رضوى أسامة

آخر تحديث: الأربعاء 28 أكتوبر 2009 - 10:12 ص بتوقيت القاهرة

 من أكثر الأشياء التى أتذكرها فى طفولتى أننى لم أكن أحسن شكلا من أختى الصغيرة التى كانت تتسم وقتها بجمال فائق، يجعل المدرسين فى المدرسة يقفون أمامها ويمتدحونها بشدة متعجبين من كوننا أشقاء.

كم أثر ذلك فى طفولتى، كم جعلنى أبكى فى المساء وفى أعياد ميلادنا المشتركة لأن شعرها ناعم وجميل ويمكنها أن تتركه يسترسل على ظهرها ليمنحها جمالا مضاعفا، فى حين تلم أمى شعرى فى ضفيرتين كانتا سخيفتين بالنسبة لى وقتها.

لن أستطرد طويلا فى تلك القصة، لكننى أردت أن أقول كم أثر ذلك على ثقتى بنفسى ونظرتى لذاتى التى اتسمت طوال سنوات بأننى أقل من الآخرين. إذا سألت أى سيدة على وشك الإنجاب عن الصفات التى تتمناها فى طفلها فسيجيب معظمهن بأنهن يردن طفلا جميلا، وسيكتفى القليل بذكر الصحة الجيدة فقط.

تذكروا انطباعاتكم حينما ترون طفلا جميلا فى الشارع، سيستوقفكم قليلا لتداعبوه وتبتسموا فى وجهه، وربما نذهب لنداعبه إذا كان طفلا لطيفا يتسم بخفة الدم. ربما لم نلحظ من قبل بأننا نفعل ذلك فقط تجاه الأطفال الأكثر جمالا، وأننا لا نفعل ذلك مع الأطفال العاديين لأنهم لا يلفتون انتباهنا.

الطفل يكتسب قيمته ونظرته لنفسه من ردود أفعال المحيطين به، فكما أدركت فى طفولتى أننى لست وسيمة ولا أثير انتباه الآخرين مثل أختى الصغيرة، فسيدرك أى طفل آخر ذلك بمنتهى السهولة.

نعتقد أن الأطفال الأكثر وسامة هم الأكثر ذكاء، ففى دراسة أجريت بجامعة «يوتا» بالولايات المتحدة أظهرت نتائجها أن الأطفال والكبار على حد سواء ينظرون إلى الأطفال الذين يتمتعون بجاذبية جسدية على أن لديهم مميزات إيجابية أكثر من أولئك الذين لا يتمتعون بالجاذبية. فيعاملون على أنهم أذكياء وناجحون وقادرون على التكيف مع الظروف ومؤهلون اجتماعيا ومن المتوقع أن يبلوا بلاء حسنا، فى حين يميل الناس إلى النظر إلى الأطفال الأقل جمالا على أنهم لا يبعثون على السعادة ويحبون العزلة ولديهم نظرة دونية لذواتهم، وكنتيجة لهذه الأفكار التقليدية فإن الأطفال الذين يتمتعون بقدر من الجاذبية والجمال ينالون قدرا وافرا من الفرص الاجتماعية الطيبة كما أنهم يتلقون قدرا أكبر من المساعدة والتشجيع والحب والابتسامات. عندما أقرأ ذلك أتأكد من كيفية تشكيلنا حياة أطفالنا، بسهولة شديدة يمكننا جعلهم أشقياء ومضطربين أو سعداء وذوى صحة نفسية جيدة.

فى ذات الوقت الذى أدركت فيه حقيقة كونى لست أجمل من أختى، كان أبى يبث فى داخلى حقيقة أننى مبدعة وأننى مختلفة عن الآخرين، ربما ذلك أثر فى حياتى بشكل كبير، فلو تركت لحقيقة أننى فقط تلك الطفلة التى لا تثير انتباه الآخرين والتى تعانى صعوبات فى دراستها لتغير شكل حياتى.

يحتاج كل طفل لأن يشعر بأن الآخر يراه وأنه يثير انتباهه، أتذكر أننى رأيت طفلين صغيرين أحدهما جميل جدا والآخر متواضع الجمال، كان الطفل الأجمل كما يبدو واثقا من نفسه لا يبالى بنظرات الآخرين، وعندما بدأت أداعب أخاه المتواضع الجمال شعرت بلمعة فى عينيه وبدا يشعر كم هو مثير للاهتمام لأننى اخترته هو وتركت أخاه.

منذ أيام كانت تشكو صديقة من ابنتها الصغرى التى تتسم بجمال فائق وتعيش كالنجمة فى عائلتها ومدرستها ويولد هذا الشعور لديها دافعا قويا للتميز، وعندما انتقلت إلى مدرسة أخرى وشعرت بأن الفصل كله يعرف بعضه وهى الوحيدة التى لا يعرفها أحد، كما أنهم يغنون أغانى مشتركة لا تحفظها ولم تأخذها فى مدرستها القديمة، شعرت بكراهية شديدة للمدرسة وبكاء مستمر فى الحصص ورغبة فى ترك المدرسة.

هذه الطفلة التى اعتاد الآخرون أن يمتدحوها ودوما هى لافتة للنظر، لم تحتمل شعورها بأنها ليست النجمة وشعرت بأن ذلك يمثل تهديدا كبيرا لا تحتمله. الأفضل أن ننمى فى أطفالنا الشعور بالقيمة لأنهم بشر، لنا قيمة بدون أى شىء ولن نفقد قيمتنا أبدا، يجب أن نعلم طفلنا منذ صغره ونضع يديه على مواطن قوته، أتعجب من الأهالى الذين لا يعرفون مواطن قوة أطفالها وتميزهم وهم يعيشون معهم سنوات، بينما أستطيع أن أعرفها بعد جلسة واحدة مع الطفل.

الأطفال لديهم تعطش لأحد يقول لهم أنتم متميزون فى شىء، عندما أتحدث مع طفل فى نقاط تميزه، أرى مزيجا من عدم التصديق والرغبة فى التصديق. فلنمنح أطفالنا الأقل جمالا فرصة للتميز والشعور بقيمتهم ونشجعهم ونشعرهم بأنهم محبوبون، فهذا الطفل متعطش لأن يؤكد له أحد أنه مرغوب ومتميز.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved