المغرب ــ تونس انتهت الفرص وعيل الصبر
صحافة عربية
آخر تحديث:
السبت 28 نوفمبر 2020 - 7:35 م
بتوقيت القاهرة
نشرت جريدة المغرب التونسية مقالا للكاتبة آمال قرامى ترى فيه أن الثورة التونسية لم تؤدِ إلى تغيير جذرى فى النظام التونسى؛ حيث ما زالت النخبة السياسية تعمل لتحقيق مصالحها الشخصية، وهو ما أدى إلى إشاعة حالة من اليأس بين الشعب التونسى.. نعرض منه ما يلى.
بدا للفاعلين الجدد الذين صاغوا خطابات حول «الثورة التونسية» أن التحولات التى عاشها المجتمع التونسى (17 ديسمبر ــ 14 يناير)، ستؤدى حتما إلى الإطاحة بالنظام القديم، وتحقيق التغيير العميق فى مختلف البنى والأنساق فضلا عن إحداث قطيعة مع الممارسات التى ترسخت منذ عقود، ولكن اكتشف التونسيون/ات بعد عقد من الزمن، أنهم كانوا ضحايا مجموعة من الأوهام. فالذين اعتقدوا أن الثورة ستتحقق عبر تغيير راديكالى تفطنوا إلى أن هذا الفهم معبر، فى الواقع، عن تصور لنمط «الثورة» المنمذج تاريخيا من خلال ثورات سابقة فى فرنسا وروسيا والصين.. وهو تصور ما قبلى موصول إلى مرجعية مختلفة، ولم يصغ محليا وفق شروط الاجتماع التونسى. وانطلاقا من استقراء الواقع بات من العسير اليوم تجذير مفهوم الثورة فى الوعى الجمعى.
لقد بدا الواقع مخالفا للتوقعات والآمال التى حلم بها الشبان المهمشون والمنسيون. فـ«اللاعبون الجدد» هم فى الغالب، أرباب المال والسياسة والإعلام والقادرون على اقتناص الفرص لتحقيق الامتيازات واكتساب مواقع تسمح لهم بتحقيق أحلامهم الشخصية. أما مسار التحول الديمقراطى فلم يكن خطيا وسريعا وسهلا كما توهم أغلبهم بل هو معقد ووعر ويتطلب عقدين أو أكثر من الزمن.
ومما لا شك فيه أفضى الاصطدام بهذا الواقع المعقد والمغاير للظروف التى أدت إلى انبثاق الثورات فى أوروبا وأمريكا اللاتينية وغيرها من البلدان إلى الانتباه إلى أن ما يحدث هو وليد مناخ سياسى واجتماعى واقتصادى وثقافى مخصوص، وأن أداء الفاعلين معبر فى الحقيقة، عن التنشئة الاجتماعية والتربوية والتعليمية فى مؤسسات لها طابعها الخاص، وهو متصل بنمط التربية وبنية العلاقات وغيرها من العوامل التى تتجاوز التنظير. فلا عجب أن يحدث الصراع حول السلطة، والتنازع حول صناعة الزعامة وأن تتنافس النخب من أجل حكم البلاد وانتزاع الاعتراف فى سياق تحولات لم تفرز «قائدا للثورة».
من الواضح أن القوى الثورية أطاحت برأس النظام السابق ولكن سرعان ما أينعت رءوس أخرى لتعيد إنتاج الممارسات القديمة وطرق تجسد الفعل السياسى السابق ولتتسبب بعد ذلك فى فتح الأبواب على مصراعيها أمام من كانوا يلاحظون المسار عن بعد فإذا بالقديم يعود بلا أقنعة ليتجاور مع القوى الانتهازية فتكون النتيجة مصادرة إمكانيات تحقق أى مشروع جديد أو رؤية مغايرة. وكما هو منتظر أفضى وأد مشروع الإصلاح الجذرى وإعادة تنظيم العلاقة بين المركز والهامش إلى حدوث القطيعة بين الحكومة والتونسيين والتشكيك فى كل ما يصدر عن المسئولين بل صارت الحرقة والانتحار والارتماء فى حضن الجماعات الإرهابية ولوبيات الفساد والتهريب والجريمة المنظمة البدائل الوحيدة الممكنة للشبان الناقمين على جميع الفاعلين.
وبعد عجز النخب عن استنباط مشروع «إنقاذ» وسلسلة من المسارات الفاشلة التى عرت المستور وصدمت الرأى العام لم يعد بالإمكان اليوم تسويق خطاب الطمأنة ولا دعوة الجموع إلى التعقل والانضباط والتضحية والصبر ولا زرع الأمل فى نفوس التونسيين/ات والحال أن الأمل شرط لاستكمال مشروع بناء الديمقراطية. وعندما يفقد الأمل يحل الغضب والفوضى ويكون الاحتكام لشريعة الغاب فيسود العنف ويتفكك النسيج وتعسر إعادة الثقة فى الفاعلين والمؤسسات والمنظومة القيمية.. وتقام الجدران العازلة بين أبناء الوطن الواحد فإذا بالخطابات الشعبوية والعشائرية والاستقطابية والنعرات الجهوية والدعوات الانفصالية تلاقى أذانا صاغية ومن ثمة تخرج الاحتجاجات عن مسارها السلمى لتتحول إلى احتجاجات «ما تذر من شىء أتت عليه». فلِم يصدمنا سلوك هذه الجماعات الغاضبة التى تصر على التدمير والهدم وامتلاك ما تراه حقا من حقوقها بقوة الساعد؟
قد ظن اللاعبون القدامى والجدد أن سياسات التأجيل و«التنويم» والتسويف وذر الرماد على العيون واختلاق المشكلات والصراعات الجانبية تؤتى أكلها مع شعب مسالم بطبعه تعود على الصمت والصبر والرضا بالمكتوب وفاتهم أن «الهبة» الجديدة هى هبة الشبان والشابات الذين اختبروا أن الحقوق تؤخذ «غلابا» مثلما «تُؤخَذُ الدُنيا غِلابا».