مونديال للسياسة
معتمر أمين
آخر تحديث:
الإثنين 28 نوفمبر 2022 - 7:25 م
بتوقيت القاهرة
حضرت السياسة وغابت الكرة فى مونديال قطر 2022. فطغت الأبعاد السياسية على افتتاح البطولة والمباريات الأولى. ومن كان يتوقع مصافحة بين الرئيس المصرى والرئيس التركى برعاية الأمير القطرى فى الدوحة. ثم الإشارة السياسية التالية هى ارتداء ولى العهد السعودى وشاحا عليه علم قطر عند حضوره حفل الافتتاح. بينما غاب عن الحفل رئيس دولة الإمارات العربية، الذى حضر نهائى سباق فورملاــ1 للسيارات فى أبو ظبى، وحضر نيابة عنه رئيس الوزراء الإماراتى فى افتتاح المونديال. كما غاب المسئولون الأوروبيون عن الافتتاح. تفيد بعض الأنباء لامتناعهم عن الحضور بسبب ملف حقوق الإنسان القطرى. وبدورها اتخذت قطر قرارا بمنع بيع المشروبات الكحولية فى الملاعب وكان ذلك بحسب الميديا الغربية بمثابة الصدمة للمشجعين والمشجعات من بعض البلدان. ونقلت السى ــ إن ــ إن عن جمعية تدعى «مشجعى كرة القدم» انتقادهم لقرار اللحظة الأخيرة الذى غاب عنه التنسيق. ومن ثم طغت السياسة والتناول الإعلامى على البطولة منذ اللحظات الأولى.
كان الأمل فى وجبة كروية دسمة تنسى المتابعين والمتابعات الخلفيات السياسية لينطلقوا مع المونديال، وأحلام الفرق، وكفاح اللاعبين، وروعة الأداء فى المباريات. لكن مباراة الافتتاح قلبت الموازين حيث خسرت الدولة المضيفة مباراة الافتتاح لتصنع سابقة تاريخية فى افتتاح كأس العالم. ولم تفوت قوات السوشيال ميديا الحدث، بل نالت من قطر والفريق والمدرب والأداء الضعيف. لذلك ذكرت قطر بأن المال لا يشترى كل شىء فى إشارة لمسألة تجنيس اللاعبين. ثم تحول الموضوع إلى تريند ضد الدولة التى تحضر لأول مرة فى تاريخها بطولة كأس العالم، والتى أنفقت طبقا لبعض التقديرات 220 مليار دولار للإعداد للمونديال، بينما تتوقع عائدا لا يزيد على 6,5 مليار دولار. وجرت مقارنة بالمونديالات السابقة حيث تكلفت روسيا 11 مليار دولار فى مونديال 2018، والبرازيل نحو 15 مليارا فقط فى 2014. ثم استحوذ هدف الإكوادور الملغى فى مرمى قطر على الترند، والذى تم إلغاؤه بسبب تقنية كشف التسلل. واتهم بعضهم التقنية بعدم الدقة. وهى إشارة تطعن فى مصداقية التقنية التى يبدو أنها لا تعمل بدقة. ثم استغلت قوات السوشيال ميديا مغادرة بعض الجماهير القطرية المدرجات بسبب ضعف أداء فريقها، لتؤكد على أن قطر «لا تستحق» تواجدها فى كأس العالم لولا المال. ولم ينسَ البعض مقارنة أداء منتخب مصر أمام بلجيكا قبل يومين من بداية البطولة بأداء قطر أمام الإكوادور ليتحسر على عدم مشاركة مصر فى المونديال.
ثم جاءت مباراة إنجلترا وإيران لتؤكد حضور السياسة وغياب الكرة. فلقد رفض لاعبو المنتخب الإيرانى ترديد النشيد الوطنى قبل بداية المباراة، تضامنا مع الاحتجاجات الشعبية الإيرانية المستمرة منذ شهرين، التى اندلعت فى نهاية سبتمبر بعد وفاة فتاة احتجزتها الشرطة. لكن تطور الموقف إلى احتجاجات من المعارضة ضد النظام، ثم مظاهرات من مؤيدى النظام لردع المعارضة. وتفاقمت المسألة ووصلت إلى المنتخب الوطنى الذى تضامن مع الجماهير، وقال إحسان حاج صافى، كابتن المنتخب، علينا أن نعترف أن الأوضاع فى بلادنا ليست جيدة وشعبنا ليس سعيدا. ثم لعب المنتخب الإيرانى أمام إنجلترا وخسر بجدارة 6ــ2، وهى نتيجة ثقيلة بكل المعايير. لكن لم يبدُ على اللاعبين التأثر بالهزيمة. والمثير للدهشة هو تصريح المدرب كيروش، مدرب منتخب مصر الأسبق الذى أخفق فى قيادة المنتخب ليحرز بطولة أفريقيا ثم فشل فى تخطى عقبة السنغال لتضيع أحلام مصر بالمشاركة فى المونديال، قال إنها مباراة تدريبية وسنتحسن فى المباريات القادمة. لكن كيف والمنتخب يفتقر إلى الروح المعنوية. وكان من اللافت وجود العديد من الفتيات الإيرانيات بالمدرجات بدون حجاب، وهن يشجعن منتخب بلادهن بكل حماسة. وهى إشارة رمزية ضد القيود المجتمعية التى تفرضها سلطة الملالى. وما إن انتهت المباراة حتى خرجت مشجعة بريطانية وخلعت قميصها أمام الكاميرا لتقف نصف عارية احتفالا بفوز فريق بلادها، ثم نشرت الفيديو عبر السوشيال ميديا. الأمر الذى دفع السلطات للقبض عليها وترحيلها لمخالفتها القواعد. لكن هل فعلتها مجرد حماس لبلادها أم هى رسالة إلى إيران فى الداخل؟
• • •
من ناحية أخرى، الميديا الدولية أو الغربية بالأحرى لا تترك الفرصة للاستمتاع. فلقد تابعت المونديال من زاوية حقوق الإنسان. وأبرزت الانتقادات الموجهة إلى مورجان فريمان نجم هوليوود الذى شارك بفعالية فى حفل الافتتاح، ثم هاجمت ديفيد بيكهام على تواجده فى استوديو تحليل المباريات بالدوحة. فضلا عن مهاجمة رئيس الفيفا بسبب تصريحاته التى قال فيها «إن قطر تطورت كثيرا فى مجال حماية حقوق العمال وأصبحت نموذجا فى التسامح والعمل الجماعى»، ثم انتقد أوروبا قائلا «لو كانت تهتم فعلا بهؤلاء الأشخاص لكان بإمكانها القيام بما قامت به دولة قطر بتنظيم الهجرة والسماح لهم بالسفر إلى أوروبا، وإعطائهم على الأقل فرصة لمستقبل أفضل».
وتابع: «ينبغى على الأوروبيين أن يعتذروا للشعوب قبل إعطاء الدروس... العديد من المؤسسات الأوروبية تعمل فى قطر وتجنى أرباحا مالية». ولم تكن الميديا الغربية بحاجة إلى أكثر من ذلك حتى تهمل المونديال وتحول الموضوع برمته إلى هجوم سياسى. والمثير للغثيان هو تسليطها الضوء على المثليين والمثليات وكأنهم جزء من المجتمع وليسوا فسقة ضد قيم المجتمع. فالميديا تبرز أى شىء يمسهم فى المونديال. فمثلا رفضت السلطات السماح لصحفى أمريكى حضور مباراة بلاده ضد منتخب ويلز وهو يرتدى تى ــ شيرت عليها علم المثلية، وطلبت منه تغييره. وبالطبع نقلت الميديا الخبر وركزت عليه. لذلك قد يكون من الأنسب نقل مباريات المجموعة الثانية التى تضم إيران وإنجلترا وأمريكا وويلز عن طريق قنوات سى ــ إن ــ إن والبى ــ بى ــ سى بدلا من بين ــ سبورت.
• • •
لكن حتى على المستوى المحلى حضرت السياسة فى المشهد. فلقد صرح رئيس الوزراء المصرى أن المشاركة فى تصنيع الكرة الرسمية لمونديال 2022 من الممكن أن يمثل نواة صالحة لإقامة مدينة صناعية متكاملة على أرض مصر للمنتخبات الرياضية العالمية، ليتفاعل كابتن ميدو مع التصريح قائلا: «طالما صُنعت كرات كأس العالم فى مصر.. لماذا نستوردها للدورى المصرى؟» ثم تدخلت قوات السوشيال ميديا وتأخذ الموضوع كله على محمل التهكم. فهل يستطيع منتخب السيليساو (المنتخب البرازيلى)، والماكينات الألمانية، والديوك الفرنسية، الاستحواذ على المشهد وخطف انتباه الجماهير بعيدا عن معارك السياسة والتحول بهم إلى متعة كرة القدم؟ نأمل ذلك، لكن يبدو أن الواقع السياسى معبأ لدرجة كبيرة، وقد لا تنجح كرة القدم فى تبديد المشاعر السلبية. وإذا أضفنا إلى ذلك الألاعيب السياسية لبعض الدول التى تستغل المونديال لترسل رسائل مشفرة فإن أغلب الظن أن المونديال قد يكشف عن مفاجأة أو أكثر.