مؤتمر الصحفيين السادس.. ما الجدوى؟

يحيى قلاش
يحيى قلاش

آخر تحديث: الخميس 28 نوفمبر 2024 - 7:30 م بتوقيت القاهرة

٦٠ عامًا مرت على عقد المؤتمر العام الأول للصحفيين، والشهر المقبل تعتزم نقابة الصحفيين عقد مؤتمرها السادس، ليضاف إلى سجل طويل من كفاح الصحفيين دفاعًا عن حرية هى من صميم تكوين مهنتهم وانتعاشها، وصونًا لحقوق جماعية تكفل لهم الكرامة.
واللافت للنظر أن الجماعة الصحفية انتبهت مبكرًا إلى أهمية استمرار حوارها حول قضاياها، ومناقشة همومها، وكان هذا هو السبيل الذى استمر نحو ٥٠ عامًا حتى انتزعت حقها فى إنشاء تنظيمها النقابى عام ١٩٤١، وبعدها اختارت فلسفة أن تكون انتخاباتها على فترات متقاربة، بهدف تحقيق الحماية فى مهنة ونقابة لها طبيعة خاصة فى علاقتها بالسلطة، وأضافت الجماعة الصحفية فكرة تفعيل آلية المؤتمرات العامة كوسيلة لتحقيق المطالب المهنية والنقابية المتراكمة والملحة والمزمنة، والتعبير عن رؤيتهم فى كثير من القضايا.
ومن يتابع حصاد هذه المؤتمرات يرصد كم ساهمت على مستوى التشريعات الخاصة بالصحافة وبدور النقابة، وتجلى ذلك فى مواد الصحافة والإعلام فى دستور ٢٠١٤، حتى لو لم يتم تفعيلها.
وعادة ما يقترن النقاش حول أعمال أى مؤتمر بسؤال يتعلق بالجدوى، لكن كان الموقف الأكثر انسجامًا مع أدبيات النقابة وتراكم خبرات العقل الجمعى يرى فى هذه الصيغة فرصة للحوار ومراجعة أوضاع المهنة والصحفيين.
وإذا تتبعنا سيرة المؤتمر الأول فى ولاية النقيب حافظ محمود عام ١٩٦٤، نجد أن النقابة التى كانت فى حالة وفاق مع الثورة، التى أصدرت قانون النقابة رقم ١٨٥ لسنة ١٩٥٥ الذى أخرج أصحاب الصحف من عضوية النقابة ومجلسها الذى كان لهم نصف مقاعده، فصارت النقابة خالصة لأعضائها من المحررين الأجراء، وكذلك تجاوبها مع جهودهم لتعديل يضمن استمرار الحقوق والامتيازات المقررة لهم بموجب أحكام لائحة استخدام الصحفيين الموضوعة عام ١٩٤٣.. لم تغفل أسباب الشكوى والتوتر فى العلاقة بالدولة، ويظل أهم إنجازات لهذا المؤتمر وضع أول مسودة لمشروع قانون جديد للنقابة يضع مجموعة من الضمانات لممارسة المهنة ويحافظ على كثير من الحقوق التى كانت غائبة. وهذا هو الذى أفضى إلى صدور قانون النقابة الحالى رقم ٧٠ لعام ١٩٧٠.
وبعد ٢٧ عامًا، وقبيل انتهاء الولاية الأولى للنقيب مكرم محمد أحمد بشهرين، تم عقد المؤتمر العام الثانى فى الفترة من ١٤-١٦ يناير ١٩٩١، تنفيذًا لتوصية الجمعية العمومية عام ١٩٨٩ فى ظروف تبدلت خلالها ملامح المشهد السياسى والصحفى والنقابى، تحت شعار «الصحافة المصرية الواقع والآفاق».
وتمحورت توصيات هذا المؤتمر حول الحريات العامة، وقوانين الصحافة، وقضية الملكية والإدارة، والصحافة الإقليمية والحزبية والمتخصصة، والقضايا النقابية، وعلاقات العمل.
ودعا إلى إلغاء القوانين والأوضاع الاستثنائية، وإطلاق حرية إصدار الصحف، وحق تداول المعلومات، وإلغاء صور الرقابة المختلفة على المطبوعات، مرورًا بالدعوة إلى إلغاء العقوبات السالبة للحرية فى جرائم النشر، وصولًا إلى الدعوة إلى الحد من تضخم سلطة الإدارة وسطوة الإعلان على العمل الصحفى، والتوصية بإنشاء مركز تعليم وتدريب نقابى على الوسائل التكنولوجية المتقدمة.
وكذلك التوصية الخاصة بتأكيد ولاية النقابة وحدها على أعضائها، وإلغاء ما يتعارض مع ذلك فى قانون سلطة الصحافة، والأخرى الخاصة بإعمال شرط الضمير وتقنينه اللتين تم استيعابهما بإلغاء القانون ١٤٨ لسنة ١٩٨٠ وصدور القانون ٩٦ لسنة ١٩٩٦، كما حدث بعض التخفيف فى شروط الإصدار للأشخاص الاعتبارية الخاصة فى القانون ٩٦ (صحف الشركات) والتقنين الواضح لعدم جواز التحقيق مع الصحفيين فى قضايا الرأى والنشر إلا بمعرفة جهة قضائية.
كذلك التوصية بعدم إحالة أى صحفى إلى اللجنة الثلاثية قبل إخطار مجلس النقابة كتابة بالأسباب ومنحها فرصة التوفيق بين الصحفى ومؤسسته، والتى كرّست النقابة جهدها لتحقيق هذا المبدأ.

واللافت أن هذا المؤتمر شدّد على الحرص على عقد المؤتمر بشكل دورى كل أربع سنوات، وبالفعل بعد أربع سنوات تم عقد المؤتمر العام الثالث فى ولاية النقيب إبراهيم نافع فى الفترة من ٥-٧ سبتمبر ١٩٩٥ ليس بسبب الحرص على هذه التوصية، بل فرضته مواجهة أزمة القانون ٩٣ لسنة ٩٥.
فقد حفلت السنوات القليلة التى سبقت انعقاد هذا المؤتمر بتوتر علاقة الصحفيين بالسلطة، وضاقت الصدور من تناول بعض صحف المعارضة للسياسات العامة والأشخاص القائمين على مؤسساتها، وساءت أحوال الصحفيين فى الصحف المسماة «القومية» من وطأة أنظمة إدارية وتحريرية تعسفية تقضى على الأمل فى الإصلاح، وتعدى الأمر حدود المؤسسات الصحفية إلى محاولة تطويق دور النقابة عام ٩٣ من خلال مشروع جديد للنقابة وصفه الصحفيون بـ«القانون اللقيط»، وتمكنوا بوعيهم ووحدتهم من وأده.
فى ظل هذه الأجواء خرج القانون ٩٣ لإرهاب الصحافة وردع الصحفيين، وهبّ الصحفيون لرفض القانون، واجتمعت الجمعية العمومية غير العادية فى العاشر من يونيو ١٩٩٥، وكان من ضمن آليات المواجهة: الدعوة لعقد المؤتمر العام الثالث فى النصف الأخير من شهر أغسطس، تحت شعار «نحو تشريع جديد لحرية الصحافة فى مصر»، الذى اختتم أعماله بتأكيد موقف الصحفيين وإصرارهم على إسقاط القانون.
واستطاع هذا المؤتمر أن يحافظ على وحدة الصحفيين وتماسكهم فى مواجهة القانون المرفوض، وقدّم إلى الرأى العام - الذى كان يتابعهم باهتمام - مسوغات هذا الرفض، تأسيسًا على أن حرية الرأى والتعبير والصحافة ليست امتيازًا فئويًا للصحفيين، كما قدم قائمة بالمواقف المحددة والمبادئ التى تشكل حائط الصد فى مواجهة القانون ٩٣، ولعل الإنجاز الأهم للمؤتمر هو تشكيل لجنة مشتركة من القانونيين والصحفيين انتهت فى شهر ديسمبر ١٩٩٥ من صياغة مشروع قانون موحد للصحافة.
وعندما اجتمعت لجنة المجلس الأعلى للصحافة وجدت «مشروع النقابة» فى انتظارها فلم تجد مفرًا من التعامل معه كأساس للحوار.
ثم يأتى المؤتمر العام الرابع الذى عقد فى الفترة من ٢٣-٢٥ فبراير ٢٠٠٤، وبعد أقل من ثمانية شهور على نجاح جلال عارف بموقع نقيب الصحفيين، وبما حمله هذا الاختيار من دلالة بعد نحو ١٨ عامًا بعد إسقاط كامل زهيرى فى انتخابات ١٩٨١، ودوام الاختيار بعده من الدواليب الرسمية.
وتساهم نتائج هذا المؤتمر فى الإجابة بوضوح عن سؤال «ما الجدوى؟».. فكانت رسالة الصحفيين بهذا الاختيار واضحة، وكان التفافها حول النقيب والمجلس لنجاح رهانهم لافتة، وناقش هذا المؤتمر كل محاور قضايا المهنة وأوضاع الصحفيين، كما تقدم ١٣ زميلًا بشهادات مكتوبة فى كثير من القضايا.
وجاءت نتيجة الاستطلاع - الذى أشرف عليه الراحل دكتور محمد السيد سعيد - لتؤكد نتائجه الرغبة العارمة لدى الصحفيين فى إحداث تغيير جذرى فى أوضاعهم وأوضاع مهنتهم ومؤسساتهم، وقد استطاعت الرسالة اختراق كل الحواجز، وكانت المفاجأة فى اتصال رئيس الجمهورية وقتها بنقيب الصحفيين صباح يوم انعقاد الجلسة الافتتاحية لأعمال المؤتمر لإبلاغه إعلان موافقته على إلغاء عقوبة الحبس فى قضايا النشر، وهو ما كان له تداعيات كثيرة بعدها انتهت - بعد محاولات التفاف على هذا الوعد - إلى إصدار القانون ١٤٧ لسنة ٢٠٠٦ بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، الذى تضمن سبع مواد ألغت بعض العقوبات باعتبارها جرائم نشر، وألغت كذلك عقوبة الحبس فى عدد من جرائم السب والقذف، وجعلت حسن النية عند النشر موجبًا للبراءة، كما ألغت ودققت بعض العبارات المطاطة التى كانت تفسر للنيل من الصحفيين، وربما كانت هذه المعركة هى المقدمة الحقيقية لإلغاء عقوبة الحبس فى دستور ٢٠١٤.
وخاطب النقيب - باسم الأمانة العامة التى تشكلت لتنفيذ قرارات المؤتمر- رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الشورى لتغيير القيادات الصحفية بالمؤسسات التى استمرت فى مواقعها بالمخالفة للقانون، ما أدى إلى الجمود والفساد، وأصبح غض البصر عن استمرارها غير ممكن، وهو ما تمت الاستجابة له بعد عدة شهور.

لقد شجعت الحالة الإيجابية التى أشاعها هذا المؤتمر إلى دعوة مجلس النقابة إلى جمعية عمومية غير عادية عام ٢٠٠٦ لاستكمال مساندة النقيب والمجلس فى تنفيذ بعض توصيات هذا المؤتمر، خاصة فى المجال التشريعى والقانونى، والأجور، وتعظيم موارد النقابة، وإصلاح أوضاع المؤسسات الصحفية.
وبعد ١٣ عامًا، وفى الفترة من ١٧- ٢٠ أبريل ٢٠١٦، فى عام الاحتفال باليوبيل الماسى على إنشاء النقابة؛ يتم عقد المؤتمر العام الخامس تحت شعار «نحو بيئة تشريعية جديدة»، وهو المؤتمر الأول الذى يعقد بعد أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١، وبعد إنجاز دستور ٢٠١٤ الذى حققت مواده الخاصة بالصحافة والإعلام وحرية التعبير نقلة كبيرة عبرت باختصار عن معنى النضال بالتراكم، وعن أهمية استمرار الحوار، لذلك ناقش هذا المؤتمر التحديات التى تواجه المهنة، بدءًا من الحاجة لتشريعات صحفية تلبى الدستور الجديد ومرورًا ببناء نظام إعلامى جديد.
وربما يأتى الإعداد للمؤتمر السادس بعد ثمانى سنوات صعبة، يحاول الزميل النقيب خالد البلشى ومجلسه أن يفتح طاقة نور، يشجعه عليها دلالة ورسالة الانتخابات التى جاءت به فى هذه الظروف، وبمساندة أجيال جديدة تحاول معه أن تبعث الأمل، وتواصل رسالة إطلاق الحوار الذى تجلى قبل نحو ٦٠ عامًا فى أول مؤتمر عام تعقده نقابة الصحفيين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved