لسنا كما نتصور


رضوى أسامة

آخر تحديث: الأربعاء 28 ديسمبر 2011 - 9:20 ص بتوقيت القاهرة

كنا فى الجامعة ثلاث فتيات أصدقاء، دوما مع بعضنا البعض، صديقتاى كانتا كمثل بقية بنات الطبقة الوسطى من الشعب المصرى، محجبتات، تبديان اهتماما كبيرا بأحكام المجتمع وتسعيان بشدة إلى رضا المجتمع عن سلوكياتهما، تمتثلان لأوامر الوالدين والتى كانت تبدو لى فى بعض الأحيان غير منطقية، كأن لا ندخل السينما أبدا وحدنا، ولا نذهب لأى مكان بعد انتهاء المحاضرات.

 

كنت الثورية بينهم، رغم أننى ابنة شرعية للطبقة الوسطى، اتسم بالكثير من صفاتها، لكنى بشكل ما نشأت على خط مشتبك بين التقليدية والتفرد، فلم أكن ثورية بمفهوم الثوريين ولا تقليدية بمفهوم التقليديين. ورغما عن ذلك أتاحت لى ظروف عديدة الاختلاط بكلا النموذجين، إضافة إلى نظرتى النفسية للأمور والتمعن فى معرفة كيف تنظر الفتيات إلى المرأة المثقفة الثورية.

 

نحن فى لحظة تاريخية فارقة، شهدت ولأول مرة مشاركة فعالة من فئات كثيرة لم تكن تنزل إلى العمل السياسى الميدانى، ورغما عن ذلك ما زالت فئات كثيرة فى المجتمع تنظر إلى الفتيات المشاركات فى العمل الميدانى نظرة سلبية، فمازلت أذكر تعليق إحدى قريباتى على مشهد الفتاة التى ضربها جنود من الجيش وتمت تعريتها.. كانت تنظر للبنت على أنها هى المسئولة عن ذلك، وتعتقد أنه على الفتيات المطيعات الالتزام بالجلوس فى المنزل بعد أداء عملهن ولا داعى نهائيا للنزول لميدان التحرير وغيره.

 

ذلك التعليق الواصم لتلك الفتاة رغم أنها محجبة وتشبه الكثيرات جعلنى أفكر فى نظرة المجتمع إلى صورة البنت المثقفة الثورية غير المحجبة، هناك صورة نمطية عنها فهى  تلك الفتاة التى دائما على علاقة سيئة بوالديها وخاصة إذا لم يكونا على نفس النهج، ترتدى ملابس لا تتناسب والثقافة السائدة وغالبا ما تشرب سجائر وتناقش موضوعات لا تتناسب واحتياجات المجتمع.

 

رغم تغير شكل الكثيرات من البنات الثوريات الآن عن تلك الصورة الذهنية فى المجتمع إلا أن الصورة مازالت توصم هؤلاء البنات، فستجد الكثير من البنات المناضلات يشبهن بنات الطبقة الوسطى وبل ينتمين إليها ويتمثلن ببعض أخلاقياتها، إلا أن الصورة الذهنية لدى المجتمع لم تتغير.

 

فالبنت الثورية التى تنزل للشارع تساوى امرأة خارجة عن الأعراف.. صورة نمطية لا تخضع للمناقشة والتحليل، فأفراد المجتمع غالبا ما يميلون إلى تصديق الصور النمطية ويرتاحون لتفسيراتهم القائمة عليها. فعندما دهست البنت فى الميدان وتعرت، شعر الكثيرون فى البدء بانزعاج ولأنهم لم يستطيعوا تحمل هذا الانزعاج كثيرا والشعور بعدم الأمان على أبنائهم طمئنوا أنفسهم أن ذلك لن يتكرر أبدا معهم، فأبناؤهم محترمون ولا ينتمون لهذا السلوك الشائن، واختاروا أن يتصرفوا ويبنون قناعاتهم واتجاهاتهم وفقا للصورة النمطية السائدة لديهم ليقللوا من توترهم.

 

هناك أيضا عدم اعتراف بالدور الذى ينبغى على كل منا القيام به إزاء الوطن فى هذه المرحلة، وقت الانتخابات قابلت فتاة فى الكوافير وكنت خارجة للتو من الانتخاب وسألتها عن لجنتها الانتخابية، فأجابتنى أنها ذهبت ووجدت اللجنة مزدحمة فلم تنتخب وبررت ذلك بأنها أساسا غير مقتنعة بفكرة الانتخاب.. هذه الفتاة غاظتنى جدا، لأنها لم تتخذ موقف عدم الانتخاب عن اقتناع أو أيديولوجية معينة، هى تكاسلت عن الانتخاب لأن اللجنة مزدحمة وبررت ذلك بأنها غير مقتنعة بالانتخابات، مجرد حيل دفاعية ساذجة جدا، لمجرد عدم قدرتها على الاعتراف بأنها غير إيجابية وأنها تكاسلت عن الوقوف لانتظار دورها فى الانتخاب.

 

المجتمع لديه صور نمطية قديمة جدا لا يحاول مناقشتها، كما يتسم سلوكه أيضا بازدواجية ومفارقة غريبة فى الحكم على الأمور، فقد تجد العائلة تفخر بشباب وبنات التحرير وعندما يعلمون أن ابنهم أو ابنتهم تنوى الذهاب والمشاركة ينقلب المنزل إلى جحيم لا يطاق، ليس بدافع الخوف فقط على أبنائهم، بقدر ما هو عدم مناقشة للأفكار «ماذا سيحدث لو حدث شىء معين؟».

 

فهناك قصور فى الجانب المعرفى الخاص بالتحليل ومناقشة الأفكار لدى الكثير من أفراد المجتمع، ولو أقمنا دراسة علمية تحاول الربط بين الأفراد الذين لا يناقشون الصور النمطية والاكتئاب سنجد أن هؤلاء الأفراد أكثر عرضة للاكتئاب لأن مقاومة الاكتئاب تكمن فى عملية مناقشة الأفكار السلبية وهو التكنيك نفسه الذى يقوم على مناقشة الأفكار النمطية.

 

قد لا تشهبنى وقد يكون لدى صورة نمطية عنك تلخص سماتك بشكل معين، لكنى سأقوم بتحدى هذه الصورة وأناقش أفكارى حولها لأراك كما أنت وليس كما أتصورك.. نحن الآن بحاجة إلى تكسير الصور النمطية تجاه بعضنا البعض وقبول اختلافاتنا والتفكير فى مصلحة الوطن.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved