خوفو يحرم التماثيل!
حسين عبدالبصير
آخر تحديث:
الثلاثاء 29 يناير 2019 - 12:05 ص
بتوقيت القاهرة
جاء لنا تمثال صغير من عهد الملك خوفو. وهو التمثال الوحيد الذى يمثل الملك العظيم خوفو، صاحب هرم الجيزة الأكبر، والأكثر إثارة للعالم كله، المعجزة الوحيدة الباقية من عجائب العالم القديم السبع.
فما قصة هذا التمثال؟
ولماذا لا يوجد لدينا إلا هذا التمثال الصغير الذى يمثل الملك العظيم خوفو؟
تمثال الملك خوفو الصغير لا يزيد عن بضعة سنتيمترات. وهو، أغلب الظن، تمثال نذرى تم نحته فى العصر المتأخر، أى بعد انتهاء عهد الملك خوفو بنحو ألفى عامى، وأنه تم نحت هذا التمثال، غالبا، تقديرا للملك العظيم خوفو، صاحب الهرم الأكبر، فى منطقة أبيدوس فى سوهاج فى صعيد مصر. وعثر عليه عالم الآثار البريطانى وليام فلندرز بترى أبو علم المصريات الحديث. وكان قد عثر على جسم التمثال فقط ثم أمر عمال الحفائر بغربلة الرديم الذى تم استخراجه من الحفائر حتى يعثر على رأس التمثال. وبالفعل عثر على رأس التمثال وتم ترميمه وتركيبه حتى صار تمثالا كاملا وواحدا من الأشياء المهمة المتربطة بحكم الملك خوفو وعلامة مثيرة من علامات عهده الكثيرة والذى لم نعثر فيه على تماثيل نادرة له أو حتى لعائلته أو كبار رجال الدولة فى عهده.
ويرجع عدم وجود تماثيل للملك خوفو إلى أن الملك خوفو وخلفاءه فى عصر الأسرة الرابعة قاموا بتحريم صناعة التماثيل فى عهده ومن بعد عهده. وقام النبلاء فى عهده ومن بعده بوضع ما يعرف بالرءوس البديلة داخل مقابرهم فى عصر الأسرة الرابعة عوضا عن عدم السماح بصناعة التماثيل الكبيرة والكاملة الخاصة بالمقابر التى تم تحريم صناعتها ووضعها فى المقابر والتى كانت توضع فى مثل تلك المقابر كى تتعرف الروح إلى صاحب المقبرة المتوفى. وكان يتم تقديم القرابين لتلك الرءوس. وكان يتم وضع هذه الرءوس البديلة داخل ما يعرف بالسرداب داخل مقابر عصر الأسرة الرابعة. وعندما تعرضت هذه المقابر للسرقة كانت هذه الرءوس تسقط مما أدى إلى تحطم آذان أغلب تلك الرءوس. وتم العثور على نحو 33 رأسا من تلك الرءوس. وحجمها طبيعى ولا يزيد ارتفاع هذه الرءوس عن خمسين سم. وتم نحت تلك الرءوس من الحجر الجيرى الجميل. وكانت طريقة نحتها تعبر عن صاحب الرأس بطريقة فنية معبرة لا يمكن فيها الخطأ. وتلك الأعمال الفنية فى غاية الواقعية. وتعد تلك الرءوس شخصية فى التعبير عن أصحابها بطريقة فنية سابقة لعصرها فى تلك الفترة المبكرة من تاريخ الحضارة الفرعونية العريقة. وكانت تلك الرءوس، من أروع النماذج الفنية الفريدة فى مصر الفرعونية قاطبة، بداية فن البورتريه الشخصى؛ لأنها عبرت بشكل فذ عن الملامح الشخصية للأفراد فى أواسط عصر الدولة القديمة. ولعل من بين أروع الأعمال الفنية التى سارت على نفس نهج تلك الرءوس التمثال النصفى للأمير «عنخ حاف»، والموجود حاليا بمتحف الفنون الجميلة فى مدينة بوسطن الأمريكية. ومن المعروف أن «عنخ حاف» قام باستكمال بناء الهرم الأكبر، بعد المهندس «حم إيونو»، وقام كذلك ببناء هرم الجيزة الثانى الخاص بالملك خفرع.
ولعل سبب تحريم صناعة التماثيل فى تلك الفترة هو أن الملك خوفو حرم صناعة التماثيل مما اضطر الأفراد لعمل تلك الرءوس كى توضع فى مقابرهم؛ لذا أخذت اسم «الرءوس البديلة» أى «البديلة» عن التماثيل الكاملة. ولعل من بين التماثيل التى نجت من ذلك المصير تمثالا الأمير رع حتب وزوجته الجميلة نفرت والذى تم نحتهما وإخفاؤهما فى مقبرتهما فى نيشة داخل مقبرتهما فى ميدوم فى بنى سويف. وجاء تحريم صناعة التماثيل فى عهد خوفو باعتبار نفسه إلها بدليل أنه لم يتم تصويره فى مناظر تظهره فى مجموعته الهرمية بالجيزة مع الآلهة المصرية القديمة المختلفة، كما جرت العادة فى تصوير ملوك مصر الفراعنة السابقين عليه وفقا لمفاهيم الملكية المصرية المقدسة فى مصر الفرعونية. وكان الملك خوفو نفسه قد أطلق على هرمه اسم «أخت خوفو» بمعنى «أفق خوفو» واعتبر نفسه هو الإله رع نفسه. وبالفعل أخذ اثنان من أبنائه، الملك جدفرع والملك خفرع، لقب «سا رع» بمعنى «ابن رع» على اعتبار خوفو هو إله الشمس رع. وتعبد له ابنه الملك خفرع فى معبد أبوالهول الخاص بالملك خفرع أمام هرمه الثانى بالجيزة باعتبار أن أباه خوفو هو الإله رع رب الشمس التى تشرق فى الأفق الشرق.
تلك هى قصة تأليه خوفو لنفسه فى حياته وتحريم صناعة التماثيل على الجميع حتى لا يتم تصوير أى أحد مع أى إله آخر غير الملك خوفو نفسه، الملك الإله الحى فى عصر الأسرة الرابعة.