الحرب ضـد إيـران ودور مصر فيها

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: الخميس 1 مارس 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

التاريخ يعيد نفسه.. لكن بشرط أن تكون الذهنية التى صنعت الحدث أول مرة موجودة وقت الإعادة. قد تجتمع الأجواء والأسباب مرة ثانية إلا أن الحدث لن يتكرر إذا لم يوجد الشخص الذى يحمل صفات صانع الحدث فى المرة الأولى.

 

نعيش هذه الأيام أجواء الاستعداد لحرب، كتلك الأجواء التى سبقت الغزو الأمريكى للعراق. الجماعة الضاغطة لم تتغير، وهى جماعة تضم أعضاء فى النخبة الأمريكية الحاكمة والمهيمنة على السلطة التشريعية ومراكز البحث وما يعرف ببؤر العصف الفكرى فى الولايات المتحدة، وأعضاء فى الفئة المسيطرة على صناعة الإعلام الأمريكى، هذه الجماعة تتخذ الصهيونية مذهبا سياسيا وهى مستعدة للذهاب إلى حدود، تبدو أحيانا لا نهائية، فى استعدادها للدفاع عن مصالح إسرائيل وتوسعاتها على حساب أراضى العرب وحقوقهم. لا أقصد المبالغة فى وصف هذه الحدود بأنها تبدو لا نهائية، لأن العقلية التى تدفع واشنطن الآن نحو حرب ضد إيران تدرك جيدا أنها مسئولة عما أصاب الولايات المتحدة من كوارث ومصائب فى الأرواح كما فى الخسائر المادية «3 تريليونات دولار» عندما دفعت واشنطن فى المرة الأولى إلى حرب ضد العراق، بينما كانت القوات الأمريكية منشغلة بحرب ضد أفغانستان.

 

تعيش أمريكا هذه الأيام أجواء عام 2003، وإن بأشخاص مختلفين. الهدف من الحشد العدوانى إيران بعد أن كان العراق. أما المبرر فلم يتغير، وهو حيازة، أو الاقتراب من حيازة، أسلحة دمار شامل. والاستعدادات أيضا لم تتغير كثيرا. إذ تجرى التعبئة الإقليمية على قدم وساق ضد إيران، كما جرت ضد العراق، حتى إننا لاحظنا وجود أكثر من زعيم عربى يبدى حماسة ويشارك فى عملية التعبئة الإعلامية والسياسية فى الولايات المتحدة  ضد نظام الحكم فى إيران، تماما كما ساهم زعماء عرب فى إثارة جورج بوش ضد صدام حسين ونظام حكمه. تجرى أيضا تعبئة الرأى العام الأمريكى باستطلاعات رأى تعيد اكتشاف أن غالبية الأمريكيين يؤيدون شن حرب ضد إيران (58% من الأمريكيين يؤيدون شن الحرب حسب استطلاع مؤسسة Pew)، رغم أن جميع المعلومات المعلنة عن حالة أمريكا الاقتصادية تشير إلى مسئولية الحروب عن معظم العجز فى الميزانية الأمريكية. يعرفون أن الحرب مكلفة ومؤذية لسلامة أمريكا، ومع ذلك يؤيدون حربا جديدة، الأمر الذى يكشف عن مدى التأثير الذى تحدثه قوى سياسية وإعلامية ما زالت قادرة على استغلال الكراهية ضد العرب والمسلمين لخدمة مصالح إسرائيل.

 

زادت فى الأسابيع الأخيرة وتيرة الشحن الذى تقوم به الصحف الأمريكية وقنوات التليفزيون. وتعددت دراسات وتقارير تقارن بين الحشد الحاصل هذه الأيام وحشد الأسابيع السابقة على غزو العراق، يتوصل من خلالها القارئ إلى نتيجة مطلوبة هى أن من بيده الأمر يمهد الآن لحرب جديدة ضد إيران، ستنشب  بين شهرى ابريل ويونيو القادمين، وهو ما يعتقد ليون بانيتا وزير الدفاع الأمريكى أنه احتمال قوى.

 

•••

 

تبدو الصورة فى واشنطن على النحو التالى: الكونجرس يصعد من مواقفه وضغوطه ضد إيران، وهكذا يفعل المرشحون الجمهوريون فى الانتخابات الرئاسية. تكاد مراكز البحث لا تبحث فى قضية أخرى غير إيران، والمثقفون والأكاديميون لا يناقشون غيرها من القضايا الدولية. من ناحية أخرى يبدو الإعلام بجميع أجهزته متورطا فى الإعداد لحرب جديدة تماما كتورطه فى عام 2003، ومثلنا البارز موقف صحيفة نيويورك تايمز من عملية الإعداد لحرب العراق، واعتذارها العلنى عن تزويد الرأى العام فى ذلك الحين بمعلومات مضللة عن أسلحة الدمار الشامل والتحقيق الشهير الذى أجرى مع محررة كبيرة فى الجريدة كانت وراء هذا التزييف، والمعروف أنها عملت مراسلة فى القاهرة لسنوات طويلة.

 

هذه الصورة لأجواء الحرب فى أمريكا تكاد تنطبق على صورة الإعداد لحرب 2003، باستثناء أمرين، أولهما أنه لم يكن لإسرائيل دور مباشر فى الحرب ضد العراق باستثناء ضغطها على الكونجرس والبنتاجون وتعبئة علماء السياسة والمتخصصين فى الشرق الأوسط وراء هدف الحرب والمساعدة فى تقديم معلومات من داخل العراق عن وضع القوات المسلحة العراقية وجماعات التخريب الجاهزة لمساعدة جيوش الغزو. ثانيهما دور رئيس الجمهورية، فالواضح أن باراك أوباما لا يبدو حتى الآن مرحبا بفكرة شن حرب ضد إيران، أو ضد أى دولة أخرى لانحشاره فى سنة انتخابية وبعد ما عانته أمريكا وحكومته بالذات من حربى أفغانستان والعراق. بل إنه يتعمد التأكيد على أن الانسحاب من أفغانستان يجرى حسب الخطة وأنه لن يسمح لأى طارئ يؤجل الانسحاب أو يوقفه. لا يكف أوباما عن التذكير بأنه يعتبر الانسحاب من أفغانستان بخطواته الراهنة هو الإنجاز الأهم، إن لم يكن الرئيس، الذى يطرحه على الناخبين لكسب تأييدهم فى انتخابات الرئاسة القادمة. ولا يريد أن يفسد هذا الإنجاز بحرب جديدة.

 

ويتردد، وهناك من المؤشرات ما يؤكد، أن قادة عسكريين كبارا يشاركون أوباما الرأى فى ضرورة النأى بأمريكا عن حرب تخدم فقط مصالح إسرائيل، وفى ضرورة انتقاد إسرائيل بسبب إمعانها فى الضغط على الرأى العام الأمريكى لتأييد حرب لا صالح كبيرا لأمريكا فيها. وربما كانت زيارةTom Denilon  لنتنياهو كمبعوث شخصى أحد هذه المؤشرات إلى جانب تصريح الجنرال Martin Dempsey رئيس هيئة الأركان الذى قال فيه إن ضرب إيران قد يهدد الاستقرار فى المنطقة، وآخرون قالوا إنه سيكون، إن اتخذ فى اللحظة الراهنة، قرارا غير حكيم. ويرفض خبير فى مؤسسة راند ما تردده إسرائيل من أنها ستكون ضربة كالعملية الجراحية تنتهى فى يوم وليلة، وتتعدد الأجهزة الحكومية الأمريكية التى تشكك فى دقة التقارير عن اقتراب إيران من مرحلة إنتاج قنابل نووية. ومع ذلك، يتوافق المعلقون على أن أوباما وهؤلاء العسكريين لن يتركوا إسرائيل تتلقى الضربات الانتقامية من إيران أو من حلفاء لإيران، لعلمهم أن الكونجرس لن يتخلى عن إسرائيل، فضلا عن أن حماية إسرائيل استقرت كوظيفة أمريكية وجزءا لا يتجزأ من العقيدة الأمنية الأمريكية.

 

•••

 

أمام إسرائيل عقبات ليست هينة إن قررت تنفيذ الحرب بمفردها. من هذه العقبات، أو على رأسها، المسافة الطويلة التى يتعين على الطائرات الإسرائيلية من طراز إف15 وإف16 قطعها ذهابا وإيابا (حوالى ألف ميل) خلال تنفيذ مهمة قصف مواقع المفاعلات النووية فى ناتانز وفوردو وأراك وأصفهان بخاصة تلك المشيدة على أعماق كبيرة ويتوقع خبراء عسكريون ألا تبدأ إسرائيل الحرب إلا إذا ضمنت دعما أمريكيا فى عمليات تزويد الطائرات بالوقود خلال رحلتى الذهاب والعودة وربما خلال الاشتباك مع طائرات إيرانية فوق الأهداف، إذ تتحدث التقارير العسكرية عن تحصينات قوية لا يؤثر فيها قنابل عادية أو ضربات متفرقة، أو حتى ضربة واحدة قوية للغاية. من ناحية أخرى تتوقع هذه التقارير أن يكون رد الفعل الإيرانى سريعا وعنيفا، ولا يستبعد أن تلجأ إيران إلى استخدام الصواريخ ضد مدن إسرائيلية وسفن الأسطول الأمريكى فى مياه الخليج والمحيط وضد القواعد الأمريكية فى قطر والبحرين ودييجو جارسيا.

 

بينما تعتقد تقارير أخرى أن إيران ستتفادى الرد على أهداف أمريكية فى البر والبحر إلا إذا تأكدت أن هذه الأهداف ساعدت الطائرات الإسرائيلية المغيرة، وأن إيران قد تلجأ إلى تهديد الدول التى سوف تمر فى أجوائها الطائرات الإسرائيلية وهى فى هذه الحالة تركيا حسب خطة الغزو من الشمال والأردن والعراق حسب خطة الغزو من الوسط، والسعودية حسب خطة الغزو من الجنوب. كتب أنطونى كوردسمان Cordsman الخبير المعروف فى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية يقول إن هناك أمورا كثيرة مجهولة ومخاطر عديدة محتملة.  المهم فى تحذير كوردسمان هو أن إسرائيل قد لا ترى المخاطر التى يتوقعها الأمريكيون.

 

بين التهوين والتهويل لا تخفى حقيقة أن الحرب بين إسرائيل وإيران بدأت. بدأت بمسلسل الاغتيالات المتبادلة والهجمات الالكترونية إلى جانب الحملات الإعلامية، الهدف منها جميعا اختبار الدفاعات وإضعاف الروح المعنوية وشل وسائل الاتصال. ولا شك أن الاتحاد الأوروبى يساعد فى هذه الحرب بتعزيز عقوباته الاقتصادية وأن دولا عربية تساعد هى الأخرى بإثارة النعرات الطائفية بين مواطنيها وبالعمل على عزل حلفاء إيران أينما وجدوا. وليس بعيدا، كما يقول معلقون فى روسيا أن يكون تصعيد العنف فى سوريا يخدم طرفا أو آخر فى هذه الحرب أو لعله يخدم الحرب ذاتها.

 

•••

 

اجتمعنا، أكاديميين وإعلاميين وسياسيين مصريين، لندرس معا رد الفعل المصرى المحتمل فى ثلاث حالات: حال قامت إسرائيل بقصف المفاعلات النووية الإيرانية ومواقع إطلاق الصواريخ وقواعد إيران البحرية وموانيها الرئيسية، ولم تتدخل أمريكا، وحال اشتركت أمريكا مع إسرائيل بقصف مواقع إيرانية من قواعد فى دول عربية أو قواعد فى ألمانيا وبريطانيا ودييجو جارسيا ومن أساطيل فى البحر الأحمر، وحال اشتبك حزب الله مع إسرائيل واشتبك عراقيون مع فلول القوات الأمريكية، ويقدر عددها بأربعين ألف جندى، واشتبك سوريون مع قوات أجنبية تسربت من لبنان أو تركيا أو مع ثوار تسلحوا بأسلحة ثقيلة.

 

تبادلنا أفكارا عديدة ووضعنا سيناريوهات كثيرة ومع كل فكرة وسيناريو كنا نتوقف للحظات عاجزين عن الاستمرار فى التحليل. اتضح أن أحدا منا لم يقع على تقرير أو تحليل أو تصريح أصدرته جهة مسئولة فى مصر، يكشف عن قرار متخذ أو سياسة مقررة لدور تقوم به مصر إن نشبت حرب جديدة فى الشرق الأوسط. ومع ذلك وقعنا على تحليلات وتصريحات صدرت عن شخصيات دينية أو محسوبة على تيارات دينية تثير الفتنة بين سنة وشيعة ومسلمين ومسيحيين، وفى ظن هؤلاء أنهم بما يثيرون إنما يعدون المصريين لدعم حرب جهادية جديدة تشنها إسرائيل منفردة، أو إسرائيل وأمريكا معا، ضد إيران. وفى ظنهم أيضا أن الفرصة مثالية فالشعوب غائبة فى ثوراتها أو مغيبة بفضل الثورات المضادة أو منشغلة تلم الشمل استعدادا للموجة الثانية.

 

•••

 

إقليميا ودوليا الأجواء معبأة لشن حرب ضد إيران تماما كالحال خلال شهور ما قبل غزو العراق مع اختلاف أساسى، فالقرار هذه المرة يتخذه باراك أوباما العقلانى الحذر وليس جورج بوش المصاب بالهوس الدينى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved