بحثـًا عن رئيـس
نيفين مسعد
آخر تحديث:
الخميس 1 مارس 2012 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
لا حديث هذه الأيام فى الشارع المصرى إلا عن الرئيس المقبل، وهو حديث يتجدد مع الديناميكية الفائقة التى تتميز بها خريطة المتنافسين على رئاسة الجمهورية. كما أنه حديث مشغول بالجدل القانونى حول بعض المواد المنظمة لانتخاب الرئيس، وكذلك بالغموض الذى يكتنف بعض أبعاد العملية الانتخابية الذى يرفع سقف التكهنات إلى الحد الأقصى. وكمثال انتشرت قبل نحو ثلاثة أسابيع فى أحياء الجيزة والقاهرة على امتداد كوبرى 6 أكتوبر لافتة مكتوبة باللونين الأحمر والأسود تقول: أنا الرئيس. الجو البوليسى الذى تشيعه هذه اللافتة لابد أن يستدعى إثارة أسئلة من نوع: من هو المرشح الذى يتحلى بتلك الدرجة العالية من الثقة إلى حد القطع بأنه الرئيس المقبل؟ وما هى الظروف التى يمكن لأنصاره أن يثبتوا فيها هذه اللافتة على أعمدة الإنارة فوق كوبرى 6 أكتوبر؟ وهل صاحب اللافتة هو أحد المرشحين المعروفين أم أنه ينتظر فتح باب الترشيح ليعرفنا بنفسه؟.. غامض هو أمر حملة أنا الرئيس الآخذة فى الاتساع، لكن ليت كل الغموض الذى يلفنا منذ 11 فبراير 2011 يقتصر على اسم الرئيس.
•••
يفتح الحديث عن انتخابات الرئاسة الباب أمام التداول فى عدد من الأفكار الأساسية، أولها ضرورة التمييز بين التطلع للرئاسة والحق فى الترشيح. أما التطلع للرئاسة فهو مشروع ولعل هذه هى إحدى المزايا الكبرى التى حققتها ثورة 25 يناير بعد أن كان مشروع التوريث قد سد أفق الحلم بمقعد الرئيس أمام كل المصريين إلا واحدا. لكن التطلع للرئاسة لا يعطى صاحبه بالضرورة الحق فى الترشح للرئاسة، وأنا هنا أتكلم عن الحق بالمعنى القانونى لا الشخصى. فمن المعلوم أن المادة 27 من الإعلان الدستورى قد حصرت الحق القانونى فى الترشح للرئاسة فيمن يحصل على 30.000 صوت من 15 محافظة وبما لا يقل عن 1000 صوت من كل محافظة، أو من يحصل على تأييد 30 عضوا من أعضاء مجلسى الشعب والشورى المنتخبين على الأقل، أو من يرشحه حزبه الذى يحظى بمقعد واحد على الأقل فى أحد المجلسين.
بالنسبة لحملة جمع التوكيلات من 30.000 شخص على الأقل فهى عملية بالغة الصعوبة وتتجاوز، فى تكلفتها المالية وفيما تتطلبه فى صاحبها من شهرة واسعة، إمكانيات معظم المرشحين. ويكفى أن نعلم أن السيد عمرو موسى بتاريخه السياسى الطويل وجولاته الانتخابية واسعة النطاق يتحدث عن ضيق الوقت المتاح لجمع التوكيلات الرسمية. إذن فالأرجح أن يكون الرهان على تأييد 30 نائبا برلمانيا أو ترشيح من أحد الأحزاب الممثلة فى البرلمان، وكلاهما بدوره غير ميسور. أولا لسيطرة التيار الدينى على 357 مقعدا من إجمالى 498 مقعدا للمنتخبين فى مجلس الشعب، وعلى 152 مقعدا من إجمالى 180 مقعدا للمنتخبين فى مجلس الشورى. وهذا معناه أنه لن يستفيد من هذه الكتلة النيابية الضخمة سوى مرشَحيَن اثنين فقط بحكم الاصطفاف الحزبى المميز لأعضاء التيار الدينى، وذلك مهما قيل عن خلافات هنا أو هناك. وثانيا لأنه باستثناء أحزاب الكتلة المصرية الممثلة بـ40 مقعدا فى مجلس الشعب وبـ8 مقاعد فى مجلس الشورى، وحزب الوفد الممثل بـ45 مقعدا فى مجلس الشعب وبـ19 مقعدا فى مجلس الشورى، باستثناء هاتين الحالتين القادرتين على تقديم الحد الأدنى المطلوب للتأييد البرلمانى لأى مرشح، فإن على من لا تؤيده هاتان الكتلتان التصويتيتان أن يبحث عن تأليف بين أصوات حزبية وأخرى مستقلة، وهذا يتطلب مواءمات سياسية كثيرة. وثالثا لأنه بخلاف حزبى الحرية والعدالة والنور، فإن إجمالى عدد الأحزاب الممثلة فى المجلسين هو 16 حزبا، ولا تملك هذه الأحزاب بالضرورة مرشحا من داخلها كحزبى البناء والتنمية والمصريين الأحرار، أو هى تفضل دعم مرشح من خارجها كما هو الحال مع حزب الوسط. ومعنى هذا التقليل من فرص إغناء قائمة المتنافسين بمرشحين من داخل الأحزاب البرلمانية. لذلك كله سوف يغلق باب الترشيح على عدد أقل بكثير من العدد الفعلى للمرشحين، أما فرص نجاح هؤلاء المرشحين فتلك قصة أخرى.
•••
الفكرة الثانية تتعلق بالجهود الحثيثة التى تُبذل حاليا للتوصل لما يسمى بالمرشح التوافقى، وهى جهود من شأنها أيضا أن تحد من عدد المرشحين لو نجحت فى إقناع البعض بالتنازل لصالح البعض الآخر وإن كنت أشك فى أن يكون لذلك أثر كبير مع أن، وهذا هو الغريب فى الأمر، أكثر من مرشح أعلن أن ترشيحه جاء بناء على ضغوط شعبية وبالتالى يكون السؤال هو: لماذا الاستجابة لضغوط الترشح والامتناع عن الاستجابة لجهود التنازل؟ على أى حال مفهوم التوافق مفهوم ملتبس، يؤخذ حينا بمعنى توافق الجيش مع التيار الدينى، ويؤخذ حينا آخر بمعنى التوافق الشعبى بين قوى حزبية ومستقلين. ولا ننسى أن الرئيس اليمنى الجديد يقال عنه الرئيس التوافقى فى إشارة إلى تنسيق مجلس التعاون الخليجى مع على عبدالله صالح والولايات المتحدة، وليس أكثر بؤسا من هكذا توافق.
من المبادرات التوفيقية التى يجرى الاشتغال عليها حاليا تلك التى تتعلق بتنقية الأجواء داخل معسكر الصوفية للاتفاق على مرشح واحد، وما يبذل لتوحيد كلمة السلفيين فيما يخص مرشحهم للرئاسة، وأخيرا الدفع بثنائى أبوالفتوح وصباحى لمنصبى الرئيس ونائبه دون تحديد دقيق بالضرورة لأيهما تكون الرئاسة ولأيهما تكون النيابة. بين الرجلين علاقة صداقة تبرر التعاون، وبين برنامجيهما درجة عالية من التشابه بحديثهما عن استقلال الإرادة الوطنية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية، وأبوالفتوح هو أحد الإسلاميين القلائل الذين اصطدموا بالسادات سياسيا ولا يذكر مثلهم حقبته بكل خير، والمستشارة السياسية لأبوالفتوح أى الدكتورة رباب المهدى بخلفيتها الاشتراكية الثورية تمثل حلقة وصل بينه وبين حزب الكرامة الذى ينحدر منه صباحى.
المبادرة الخاصة بثنائى أبوالفتوح ـ صباحى هى الوحيدة التى تتعامل مع الرئيس ونائبه فى حزمة واحدة، وهى تثير إشكاليات عديدة أحدها ما تقترحه من إضافة نائب ثان للرئيس وهو ما يخالف الإعلان الدستورى الذى لا ينقصه شئ من أسباب العوار، والأرجح أن هدف هذه الإضافة استقطاب أحد المرشحين البارزين للرئاسة. ثانيها أنها تصطدم بالموقف المبدئى للإخوان وحزبهم من دعم أبوالفتوح وبالتكتل الذى يعتزم البرادعى تكوينه الذى قد يطرح شخصية ليبرالية للمنافسة على الرئاسة بعد انسحابه هو. ومع كل تلك التعقيدات فإن المبادرة المذكورة تحاط بهالة من التهويل الإعلامى جدير بالملاحظة. ففى عددها الصادر يوم 26 فبراير نشرت جريدة الدستور خبرا فى ص5 عن اجتماع 20 حزبا وحركة سياسية لدعم ترشح أبوالفتوح رئيسا وحمدين نائبا، ويورد الخبر أسماء أبرز الحضور وهم على التوالى أحمد بهاء الدين شعبان وعبدالغفار شكر وكريمة الحفناوى. لكن فى اتصال هاتفى مع الصديق أحمد بهاء الدين شعبان تبين أنه لا علم لثلاثتهم بالأمر!. هكذا فإنه بين تغطية الخبر وإعلام القارئ من جهة وصنع الخبر وتوجيه القارئ من جهة أخرى مسافة ليست بالقليلة.
•••
الفكرة الثالثة والأخيرة أنه فى انتخابات الرئاسة كما فى الانتخابات التشريعية بمجلسيها تتكرس المفارقة بين مؤسسات الثورة وهياكلها من جهة والشباب الذى تحمل العبء الأكبر فى إشعال جذوة الثورة من جهة أخرى. فكما لم تنشأ أحزاب عابرة للأيديولوجيات تقدم مرشحين أقوياء للانتخابات البرلمانية، تكررت الظاهرة نفسها مع انتخابات رئاسة الجمهورية. وذلك أنه مع التسليم بالمساهمات المختلفة التى بذلها بعض مرشحى الرئاسة الحاليين فى التمهيد للثورة أو فى الحفاظ على استمراريتها، إلا أن العنصر الشبابى الضالع فى التعبئة الجماهيرية من أجل الثورة ضعيف الحضور بشكل لافت. فقبل ثلاثة أيام فقط أعلن المحامى الشاب خالد على ترشحه للرئاسة، وخالد على ذو الواحد والأربعون ربيعا له باع طويل فى الدفاع عن حقوق العمال ومحاربة الفساد فى عمليات الخصخصة. وهو أصغر المرشحين عمرا بامتياز وقد انتقل من تأسيس جبهة الدفاع عن متظاهرى مصر إلى تفعيل المظاهرات الثورية منذ اليوم الأول. وبالتالى فإن السؤال الذى يطرح نفسه هو: لماذا لا يتم التفكير فيه كنائب لأحد المرشحين للرئاسة إن كان من الصعب الدفع به إلى مقعد الرئيس نفسه؟.. إنها الاستجابة للضغوط الشعبية التى تصر على أن يتولى هذا أو ذاك مهام الرئاسة دون سواه. ألا قاتل الله الضعف الوطنى أمام الضغط الشعبى!
•••
أمامنا أربعة شهور كاملة حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وبينما نحن نتفحص خريطة المرشحين ونجرى الاستفتاء على شعبياتهم، يقف شخص مجهول بعيدا عن دائرة الضوء تتعلق ابتسامة ساخرة بطرف فيه ويتمتم بصوت خفيض قائلا: أنا الرئيس.