مبارك مات.. والثورة باقية!!
محمد سعد عبدالحفيظ
آخر تحديث:
السبت 29 فبراير 2020 - 8:10 م
بتوقيت القاهرة
ما إن أعلنت الدولة المصرية الحداد العام فى جميع أنحاء الجمهورية لمدة ثلاثة أيام على وفاة الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، وقررت تشييع جثمانه فى جنازة عسكرية ورسمية، حتى سارع البعض بإعلان وفاة ثورة 25 يناير التى اندلعت ضد حكم الراحل قبل 9 سنوات.
ظن بعض المباركيين أن يناير شُيعت هى الآخرى إلى مثواها الأخير، وكما نَكست الدولة الأعلام حدادا على المغفور له، تم تنكيس أهداف وأحلام الثورة التى يعتقد البعض أنها دفنت فى صمت بمدافن الصدقة.
حاول هؤلاء كعادتهم تشويه الحقائق، وخرجوا ليعلنوا أن حالة التعاطف الشعبى مع الرئيس الراحل هى دليل على «عودة الوعى للمصريين الذين أكرموا قائدهم وردوا اعتباره بعد وفاته»، ودليل أيضا «على فوقان الناس من سكرة يناير وقرفهم البالغ منها ومن توابعها».
يعلم هؤلاء أن تعاطف البسطاء مع الرئيس الراحل بعضه مصنوع فى صالات تحرير الفضائيات والصحف بأوامر وتعليمات مباشرة، والبعض الآخر رد فعل على تردى الأحوال المعيشية لدى قطاع كبير من المصريين فى السنوات الأربع الأخيرة، فالناس استدعت أوضاعها قبل 10 سنوات وقارنتها بأحوالها الآن فاكتشفت أن رغم قمع واستبداد سلطة مبارك ألا أنهم كانوا قادرين على تحمل تكاليف المعيشة فى عهده.
إذا كان هناك تعاطف بالفعل من بعض شرائح المجتمع مع الرجل الذى حكم مصر لنحو 30 عاما بتزوير إرادة الشعب من خلال التلاعب بالانتخابات وبأحكام القانون والدستور، فمن يُسأل عن ذلك هى السلطة الحالية التى أولا: أرهقت كاهل المواطن بما يسمى إجراءات الإصلاح الاقتصادى قبل 4 سنوات.
وثانيا: لأنها هى التى حولت وفاة رئيس ثار عليه المصريون بالملايين إلى «كرنفال» أو «مولد» رغم أنها تعلم علم اليقين أنه هو «منه لله اللى خرب البلد، وكان لازم يمشى من 15 سنة أو أكثر، قبل أن نسقط فى هذا الخراب والانهيار فى كل مؤسسات مصر»، وأنه أيضا سبب فى «تكلس مؤسسات الدولة وانسداد شرايينها فى السنوات الأخيرة من عهده».
ثورة يناير باقية رغم تعثرها ومحاولات إجهاضها وإهالة التراب عليها، باقية بنصوص الدستور الذى وافق عليه 98% من المصريين والذى خلدها ووثقها ضمن هبات واتنفاضات وثورات المصريين التى دعت إلى «العيش بحرية وكرامة إنسانية تحت ظلال العدالة الاجتماعية واستعادت للوطن إرادته المستقلة»، وهو ما يعنى أن مصر قبلها غابت عنها الحرية والكرامة والعدالة والإرادة الوطنية المستقلة.
ثورة 25 يناير محفورة فى تاريخ الأمة باعتبارها «ثورة فريدة بين الثورات الكبرى فى تاريخ الإنسانية، بكثافة المشاركة الشعبية التى قدرت بعشرات الملايين، وبدور بارز لشباب متطلع لمستقبل مشرق، وبتجاوز الجماهير للطبقات والأيديولوجيات نحو آفاق وطنية وإنسانية أكثر رحابة» بحسب نصوص الدستور الذى أقسم قادة السلطة الحالية على احترامه والعمل بنصوصه.
مبارك بحكم الدستور وإرادة الملايين رئيس ساقط؛ لأنه حكم مصر 3 عقود، جرف فيها الحياة السياسية وأنهى على كل محاولة لإيجاد بديل له أو لابنه من بعده، ولأنه غض الطرف عن تربح وفساد مجموعات المصالح التى دارت فى فلكه والذين تعاملوا مع مصر باعتبارها عزبة دون مساءلة أو حساب.
مبارك رئيس ساقط ثار عليه المصريون؛ لأنه استخدم أجهزته الأمنية فى قمع الشعب الحالم بالتغيير وأغلق كل النوافذ وقضى على كل محاولة لتداول السلطة عبر صناديق الانتخابات وحصر المناصب على رجال ورجال ابنه فى الحزب الوطنى المنحل.
رحل مبارك وحسابه كإنسان عند ربه، لكن حكم الشعب على الرئيس المخلوع صدر قبل 9 سنوات فى ميادين التحرير، وكما حكم الشعب على سياساته وتوجهاته وقراراته كرئيس، حكم القضاء أيضا عليه وأدانه فى قضية القصور الرئاسية بعد أن ثبت عليه اتهامه «بالاستيلاء وتسهيل الاستيلاء للغير على المال العام».
ثورة يناير لم تدفن، فالثورات لا تموت قد تُصاب بانتكاسة بعض الوقت، لكن ما دامت أحلامها وأهدافها لم تتحق فالثورة باقية ومستمرة حتى يتحقق لهذا الشعب السيد فى الوطن السيد «الحرية والكرامة والعدالة».. «هذه الثورة إشارة وبشارة، إشارة إلى ماض مازال حاضرا، وبشارة بمستقبل تتطلع إليه الإنسانية كلها»، بحسب ما ورد فى دستور 2014.