الحرية لفلسطين
عمرو هاشم ربيع
آخر تحديث:
الخميس 29 فبراير 2024 - 7:10 م
بتوقيت القاهرة
تحت عنوان وشعار «الحرية لفلسطين»، قام الشاب الأمريكى آرون بوشنل الضابط فى سلاح الجو الأمريكى بحرق نفسه أمام السفارة الأسرائيلية فى واشنطن. ورغم كون هذا الحادث هو الثانى من نوعه بعد حادث مشابه لشاب آخر فى ولاية جورجيا فى ديسمبر الماضى، إلا أنه يبقى حادث غريب جدا، من حيث الفعل كواقعة انتحار، ومن حيث الدولة التى وقع بها الحدث، ومن حيث اختيار موقع الحدث نفسه، ومن حيث جنسية ومهنة القائم بهذا العمل.
فى بلادنا قديما قالوا الإحساس نعمة. ورغم كون الإحساس عند البعض قد شح إلى حد كبير، إلا أن نعمة الإحساس ما زالت وستستمر كشعور إنسانى نعمة كبيرة، لا علاقة لها بمنشأ أو ببلد أو دين أو ثقافة. فالإحساس والشعور بما يسر الناس وجبل النفس البشرية على تكراره بغية إسعاد الآخرين، وكذلك الإحساس بكل ما يضر الناس ويعذبهم وجبل النفس البشرية على استنكاره والتنديد به بغية إسعاد الناس، سيظل هو السمة الرئيسة للبشر خاصة أولئك الذين مردوا على حب الخير، وعدم إسعاد أنفسهم مقابل تعذيب وتعاسة الآخرين. هؤلاء هم الأغلبية، التى تحدث عنهم القرآن بقوله (وإنه لحب الخير لشديد ــ العاديات). لكن هناك صنفا آخر من الناس، هم أقلية قليلة، يبدو أنهم أدنى من كل البشر العاديين، هؤلاء هم الصهاينة الغزاة المحتلون، والمستوطنون لأراضى فلسطين هؤلاء اعتاوا على العيش فوق الناس، واستمرأوا الشعور بالسمو والاستعلاء، رغم أنهم يخافون المواجهة على الأرض، يحترفون الضرب بالطائرات بسبب نفوسهم التى جبلت على الجبن والخسة، وهم يمعنون فى القتل وسفك الدم واستباحة كل من هم عزل من السلاح كالأطفال والنساء والشيوخ، وهم فى ذلك يعتبرون بحق أسلاف أبناء جلدتهم الذين قتلوا أنبياء الله وعذبوهم، كما فعلوا على سبيل المثال بيحيى وزكريا عليهما السلام، وهم من طالت أسنتهم موسى ويوشع بن نون وداود وسليمان عليهم السلام بأقذع الأوصاف والاتهامات، ونسبوا إلى المولى عز وجل كلاما لا يليق بجلاله فى التوراة التى أمعنوا فى تحريفها أيما تحريف، بنسب الأقاويل والبهتان إلى موسى ووعود الهيمنة على الأراضى من النيل إلى الفرات، وحرق ممتلكات الشعوب التى تسكنها، وهو ما تبين عندما كتبت التوراة لأول مرة بعد موت النبى موسى بنحو خمسة قرون، وهم فى الأخير أكثر الأقوام الذين شرحوا وشوهوا دينهم بأيديهم على مر التاريخ.
فى فعل الانتحار السابق درس كبير لقادة الولايات المتحدة الذين أعماهم النفوذ والمنصب وإرضاء الإيباك AIPAC (لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية) ، وغيرها من المنظمات الصهيونية الداعمة لإسرائيل فى الولايات المتحدة، والتى تدعم التطهر العرقى والإبادة الجماعية والعقاب الجماعى، وطرد الفلسطينيين من أرضهم، عبر حشد وشحذ الدعم الرسمى الأمريكى لإسرائيل فى عدوانها على العرب، وبقاؤها كمشروع استعمارى وذنب للغرب فى المنطقة. هذا الرضاء غرضه الأول والأخير الانتخاب خاصة فى منصب الرئيس ونائبه وأعضاء الكونجرس بمجلسيه. ما جعل الاستثناء هنا يكاد لا يذكر، وهو ما يتضح فى الرئيس الأسبق جيمى كارتر الذى قال أخيرا ضغطت بقوة على إسرائيل لعقد سلام مع مصر، لأنه لم يكن لإيباك فضل علىّ فى انتخابى.
فى فعل الانتحار الأخير فضيحة للرئيس الأمريكى بايدن ليس فقط لأن القائم بهذا العمل هو من الجنود، بل الأهم من ذلك أنه من الشباب، وهم الفئة العمرية التى يراهن عليها بايدن فى الفوز بولاية ثانية فى الانتخاب قرب نهاية هذا العام.
فى فعل الانتحار نقلة نوعية كبيرة فى وسائل الاحتجاج داخل أكبر دولة داعمة للكيان الصهيونى، ومن مؤسسة الجيش الداعم المادى لهذا الكيان، ما يجعل النظر إلى الشاب المنتحر بالدرس ولفت الأنظار الواضح من قبل أقرنائه، بأن هناك شعبا مقهورا يعذب، وآخرين يدعمونه.
فهل يعى بايدن ومن على شاكلته أثر أفعالهم!!!