أين العدل؟

عمرو خفاجى
عمرو خفاجى

آخر تحديث: الجمعة 29 مارس 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

كلما صدر حكم قضائى يرتبط بالخلافات السياسية، تتعالى الأصوات هنا أو هناك، بضرورة احترام أحكام القضاء، وعندما يقرر أحد الأطراف الانصياع للحكم، يقول على الفور أنه يحترم أحكام القضاء، وكأن هناك أمرا آخر غير الالتزام بأحكام القضاء، باعتبار أن هذه أمور اختيارية، أو أن احترام أى طرف لأى حكم هو من باب نبل أخلاقه أو منة منه للمجتمع، تماما مثلما يحدثنا أحد بأنه يلتزم بالوفاء بالدين، ولا يتبقى سوى معايرتنا أنه يحترم احكام القضاء، وأعتقد أن كل هذه التصريحات والتعليقات والمواقف تكشف عمق أزمة العدالة والسياسة فى مصر بعد الثورة، وتحول الساسة مثل آحاد الناس الذين إذا ما أصدر القاضى حكما فى صالحهم يهتفون يحيا العدل، وإذا ما حدث العكس فالموقف يختلف تماما، وكم شهدنا، خلال العامين الماضيين، من حالات محاولات اعتداء على قضاة وتكسير الكثير من قاعات المحاكم.

 

احترام أحكام القضاء أمر مفروغ منه، لا جدال حوله، ولا تجوز مناقشته من الأساس، وإن كان من الواجب أن نشير إلى أن احترام أحكام القضاء يعنى الالتزام بما تصدر من أحكام، وهذه بديهيات سيادة القانون، لذا يصبح من المؤلم ان نتجادل فى البديهيات من جديد، صحيح أن الموقف الآن شديد الالتباس والارتباك، لكن هذا لا يعنى أبدا، أننا لا نستطيع التصرف بعد العيش قرابة المائة وخمسين عاما فى ظل منظومة قضائية حديثة، وفى ظل مفاهيم متطورة من استقلال القضاء وتبجيله.

 

الأزمة برمتها، تحمل عنوانا رئيسيا وحيدا اسمه استقلال القضاء، ولا ضبط لهذا المجتمع ولا مجال لإصلاحه، إلا بسيادة القانون، وتنفيذه، وهى كلها أعباء يقع معظمها على عاتق منظومة العدالة (هناك جزء يسير يرتبط بتنفيذ الأحكام عند وزارة الداخلية) وهى منظومة تعرف جيدا معانى استقلال القضاء، ومفاهيمه الأساسية، ولا أبالغ إذا قلت إن كثيرا من مقومات الاستقلال حاضرة لدى منظومتنا القضائية، التى لم ترتبك الا بتدخلات السياسة، وإلقاء صراعات الساسة داخل ساحات العدالة.

 

إن اللف والدوران حول استقلال القضاء، أو استخدامه، بعيدا عن أهدافه ودوره ووظائفه، سيدخلنا إلى متاهات نحن فى غنى عنها، بل العكس تماما، إن استقلال القضاء هو الطريق الحقيقى لضبط جميع الأمور، والعودة إلى سيادة القانون، وأعتقد أن هذه رغبات بعيدة عن أذهان قادة العمل السياسى من جميع الأطراف، لأن رغباتهم الدائمة تذهب لاستخدام القضاء فى معاركهم مع الخصوم بعد فشلهم فى التفاهم، أو حتى الخلاف، على أرض السياسة، كما ينبغى أن يكون الأمر.

 

يجب أن يكون استقلال القضاء والالتزام بأحكامه، فى مقدمة الأهداف التى يجب زن تتفق عليها الحكومة والمعارضة، وزن يبدأ هذا على الفور ومن الجميع، وأن يعلنوا ذلك بكل صراحة ووضوح، بدلا من الإشارات غير الطيبة تجاه القضاء من حين لآخر، والتشكيك فيه، فحتى لو صدرت بعض الأحكام التى لا تعجب البعض، فهذا أفضل كثيرا من ألا نجد من لا يفصل فى النزاعات التى تجتاح الدولة من حين لآخر، وساعتها لن نجد سوى الندم هو الشىء الوحيد أمام دولة تتهاوى، ومجتمع مظلوم لا يجد من ينصفه، ومواطن لا يعرف أين يذهب بمظالمه، ولن يهتف أحد «يحيا العدل» ولن يصرخ آخر بالعكس، بل سنسأل جميعا أين العدل؟.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved