الآثار الكارثية لحكم محكمة المنيا
ناجح إبراهيم
آخر تحديث:
السبت 29 مارس 2014 - 8:40 ص
بتوقيت القاهرة
فى أول سابقة قضائية فى العالم كله وليس فى مصر تحكم محكمة المنيا بالإعدام على أكثر من نصف ألف متهم بحرق قسم مطاى وقتل نائب المأمور وسحل أحد ضباطه.
لا شك أن هذه الجريمة بشعة منكرة وافتقر منفذوها إلى أبسط المعانى الإسلامية والإنسانية.. فقصدوا أبرياء لا ذنب لهم بالقتل والسحل بحجة الثأر لقتلى رابعة.. فوقعوا فى جاهلية الثأر وتعميم العقاب.. والقيام بأعمال منافية للرجولة والشهامة فضلا عن الإسلام والإنسانية.. ولكن بشاعة الجريمة لا تبرر هذا الحكم القاسى الذى لا يفرق بين من شارك حقا فى الجريمة ومن لم يشارك فيها.
فهل يعقل أن يشارك 528 فى قتل رجل وسحل آخر.. أم كل الذين فعلوا ذلك قد لا يزيد على ثلاثين شخصا فقط وعلى القاضى أن يخرج هؤلاء وينزل عليهم أشد العقاب؟.
إن هذا الحكم سيدخل موسوعة جينيس لقسوة الأحكام فلم نر له مثيلا فى مصر بدءا من فاروق وحتى الآن.. فأكبر حكم جنائى صدر فى نزاع مسلح على أرض وادى النطرون وحكم فيه بالإعدام على 21 متهما.
وحكم محكمة المنيا يتجاوز كل أحكام الإعدام التى صدرت فى عهد مبارك من المحاكم العسكرية وأمن الدولة طوارئ.. ثم كيف يستطيع قاض أن يقرأ عدة آلاف من صفحات التحقيقات ودفوع المحامين ويستنبط الأحكام فى يومين فقط.
لقد مكث المستشار العظيم عبدالغفار محمد ينظر قضية الجهاد عام 1982 فى ثلاث سنوات مع أن عدد المتهمين كان 302 فقط.. وظل المستشار د. وحيد محمود ينظر قضية المحجوب فى عامين كاملين رغم أن عدد المتهمين لم يجاوز وقتها 32 متهما.
لقد خلت هذه المحاكمة من كل ضمانات العدالة القانونية فلم تستمع للشهود ولم تفض الأحراز ولم تستمع لكل المحامين.. ولم.. ولم.. ولم.
وأعتقد أن هذا الحكم ستكون له الكثير من الآثار الكارثية السلبية على الدولة المصرية والنظام وأهمها ما يلى:
1 ـ هذا الحكم يمثل ضربة قاصمة لمنظومة العدالة الجنائية والقضائية فى مصر.. ويحول القضاء من كونه حكما فاصلا بالحق والعدل بين الخصوم إلى طرف فى الصراع السياسى.. فليس المطلوب من القاضى الثأر من فصيل ولكن القصاص ممن أجرم وتبرئة البرىء.
2 ـ هذا الحكم سيتخذ مبررا للثأر والتكفير لدى مجموعات تكفيرية وتفجيرية تنتظر مثل هذه الأخطاء الفادحة لتعلم أجيالا كاملة فكرتى التكفير والتفجير.. وقد يعيد منظومة استهداف القضاة والتى بدأت قديما بمحاولة اغتيال القاضى الخازندار فى الأربعينيات.
3 ـ هذا الحكم سيحرج مفتى مصر وسيجعل مؤسسة الإفتاء والمؤسسة الدينية فى حرج من أمرها.. فهى لن تبيع دينها بالموافقة على هذا الحكم المعيب والعجيب.. ولن تجامل الدولة والقضاء على حساب شرفها وسمعتها ودينها.. وقد يكون هذا الحكم بداية للاصطدام بين مؤسستى الدين والقضاء.
4 ـ هذا الحكم أعطى للإخوان وحلفائهم دعاية مجانية ضد خصومهم فى العالم وأوروبا التى ترفض أحكام الإعدام.. وستعطى اللجوء السياسى لكل الذين نالهم هذا الحكم.
5 ـ هذا الحكم سيؤدى إلى الانشقاق الثانى فى الصف الثورى بعد الانشقاق الأول الذى أحدثه قانون التظاهر.
6 ـ هذا الحكم سيولد أعباء أمنية ثقيلة على جهاز الأمن وخاصة فى الصعيد.. والاجتهاد فى تأمين كل شىء بدءا من الكنائس والأديرة وانتهاء بالمدارس القبطية والعامة والجامعات ومراكز الشرطة، خاصة فى القرى.
7 ـ هذا الحكم حول المنظمات الحقوقية المصرية من منظمات تدافع عن النظام إلى الانتقاد والعداء المباشر له والتعاطف مع الإخوان لأنه غير قابل للتمرير.. حتى أن م. نجيب ساويرس رفضه قائلا: «لا يمكن لإنسان لديه ضمير حى أن يقتنع بإعدام 529 شخصا بهذه السرعة».
8 ـ لم يراع هذا الحكم طبيعة أهل الصعيد ومنطق الثأر عندهم.. وقد أضاف الحكم أكثر من ألف أسرة إلى صفوف المعارضة دون داع.
9 ـ الحكم بالإعدام على أكثر من 300 شخص غيابيا سيحول هؤلاء إلى قنابل موقوتة يائسة محبطة لا تفكر إلا فى الموت الذى سيطالها إن شنقا أو بالتفجير والتدمير.