إعدام المرشد.. وبحور الدم

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الثلاثاء 29 أبريل 2014 - 9:00 ص بتوقيت القاهرة

الحكم الذى أصدرته محكمة جنايات المنيا أمس بالتصديق على إعدام مرشد الإخوان د. محمد بديع مع 78 آخرين والمؤيد لـ490 آخرين، فى قضية اقتحام قسم شرطة العدوة والتى صاحبها اقتحام قسم شرطة مطاى وقتل نائب المأمور مصطفى العطار والتمثيل بجثته، سيكون من أصعب امتحانات الرئيس القادم، حتى لو خففته النقض مثلا بالمؤبد، لأن عدم تنفيذ الحكم بدعوى المصالحة الوطنية وإغراء الإخوان بالابتعاد عن العنف، سيطيح بسمعة ومصداقية الرئيس، وسيؤكد تدخله فى شئون القضاء.

وهو ما يلغى من الأساس دولة المؤسسات وقاعدة الفصل بين السلطات، وسيؤكد أن الرئيس القادم سيكون ديكتاتورا جديدا يستهين بأحكام القضاء لدواع سياسية فى نظر البعض، أو أنه رئيس ضعيف لم يستطع مواجهة الإخوان فى نظر آخرين! أما لو صدق الرئيس القادم على الحكم، فسوف تشتعل أمامه مظاهرات إخوانية عارمة ستؤيدها بالطبع كل التيارات الإسلامية، وستصاحبها بالتأكيد موجات غير مسبوقة من العنف، مع اتهامات ستلاحق نظامه بإصدار أحكام جائرة وأن القضاء مسيس لا يتمتع بالاستقلال، ليبدأ هذا الرئيس أولى خطوات فترة حكمه وسط بحور من الدم، ستتراجع أمامها أى إمكانية لتنفيذ سياسات تواجه أوضاعنا الاقتصادية المتردية.

وتعيد الاستقرار المطلوب لنظامنا السياسى. فى كل الأحوال لن يستطيع الرئيس القادم الخروج من هذا الفخ، إلا بتقديم رؤية سياسية ــ ثقافية شاملة، تحوز على إجماع شعبى، تسند ظهر نظامه فى مواجهة حروب الشوارع التى سوف يشعلها التيار الإسلامى المتطرف، والضغوط الخارجية المتوقع أن تنخرط فيها دوائر متباينة من منظمات حقوقية وقوى غربية وإقليمية وأجهزة مخابرات، بشكل يجعله يتحمل تبعات الحكم النهائى على المرشد وبقية قيادات الجماعة، خاصة إذا صدر حكم بالإعدام أيضا ضد الرئيس المعزول محمد مرسى فى قضية التخابر التى يحاكم فيها الآن.. ولكن على ما يبدو.

فإن هذه الرؤية السياسية الثقافية الشاملة لا تزال غائبة عن كلا المرشحين، فى نفس الوقت الذى تتباين فيه الرؤى حول طبيعة القوى الاجتماعية التى تقف وراء كل واحد فيهما، فحتى الآن لا أحد يعرف بالضبط عمن يعبر السيسى من طبقات وفئات المجتمع المصرى، فبرنامجه الانتخابى لم يظهر للنور بعد، وتصريحات الرجل خلال الشهور الماضية زادت مواقفه الاجتماعية غموضا، فهناك فئات مهمشة تؤيده، والفلول يرون فيه بطلهم القادم، وقوى ثورية شبابية تبايعه باعتباره بطل ثورة 30 يونيو التى يعتبرونها الموجة الثانية لثورة يناير، أما رجال المال والأعمال فيرونه الرجل الذى خلصهم من طمع رجال الإعمال الإخوان، ورغبتهم الجامحة فى السيطرة على السوق، والهيمنة على مقدرات الاقتصاد الوطنى. أما حمدين صباحى، فإنه مضطر لمغازلة كل الأطراف ــ بما فيها فصائل إخوانية يرى أنها ترفض العنف ــ فى سياق معركته الانتخابية الشرسة مع السيسى، بانتظار حدوث مفاجأة غير متوقعة يحقق من خلالها حلمه القديم بالوصول إلى قصر الرئاسة، ليحدث ما يحدث بعدها، مستندا إلى شعارات ناصرية أكل عليها الدهر وشرب، دون ان يعرف احد أيضا من هى القوى الاجتماعية التى تقف وراءه وتساند قراراته..! الإخوان هم مسرح العمليات الساخن والعاجل أمام الرئيس القادم، ولكنهم ليسوا العقبة الوحيدة التى سيضطر لمواجهتها، فهناك قضايا الحريات والعدل الاجتماعى وبناء الاقتصاد القومى ومحاربة الفقر وحل مشكلات البطالة، وغيرها من الملفات الشائكة، وكلها معارك ساخنة مرتبطة ارتباطا عضويا ببعضها البعض، لن يمكن حلها بالقطعة أو على مراحل.. وهذه هى بالضبط معضلة الرئيس القادم ، التى لا تزال ــ حتى تاريخه ــ غائبة عن السيسى وحمدين!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved