صفقة القرن والعودة إلى المربع الأول؟
ناصيف حتى
آخر تحديث:
الإثنين 29 أبريل 2019 - 10:05 م
بتوقيت القاهرة
لم تكن نتائج الانتخابات الإسرائيلية مفاجئة فى ظل هيمنة اليمين المتشدد القومى والدينى فى إسرائيل: الهيمنة التى من أبرز مظاهرها عودة نتنياهو لتشكيل الحكومة للمرة الخامسة. المنافس الرئيسى لحزب الليكود، حزب «أزرق أبيض» حديث الولادة عشية الانتخابات والذى حل فى المرتبة الثانية هو بمثابة ائتلاف يمينى لا يختلف مع الليكود فى نظرته إلى النزاع العربى الإسرائيلى. فهناك شبه تطابق كلى فى هذا الأمر. الخلاف مع الليكود يتعلق ببعض السياسات والخيارات الداخلية وبالموقف من نتنياهو بشكل خاص. كما أنه يتميز فى أمور عقائدية سياسية مع اليمين الدينى. ولكنه يتطابق فى مواقفه مع اليمين القومى فيما يتعلق بالسياسات الإسرائيلية من القدس إلى الضفة الغربية إلى رفض الدولة الفلسطينية إلى ضم الجولان وهو إلى جانب الليكود فى التأكيد على «يهودية الدولة» وعلى أن إسرائيل «دولة قومية للشعب اليهودى» وعلى ضرورة تكريس هذا الأمر. فالاثنان إلى جانب أحزاب اليمين الأخرى يستنسخان فى الواقع نموذج نظام التمييز العنصرى الذى كان قائما فى جنوب إفريقيا لإقامته فى إسرائيل الكبرى التى يتم العمل على تكريسها بدعم غير مشروط من الرئيس الأمريكى فى الطريق إلى إعلان صفقة القرن بعد شهر رمضان حسب تصريحات المسئولين الأمريكيين. جزء أساسى من التصويت لحزب «أزرق أبيض» كان تصويتا عقابيا من جماعات اليمين ضد نتنياهو لاعتبارات لا علاقة لها بالسياسة الخارجية وتحديدا تجاه القضية الفلسطينية. يقول وزير الخارجية الأسبق شلومو بن عامى فى تعليقه على الانتخابات أنها كرست موقع إسرائيل فى مجموعة الدول التى تعرف بالدول «الديمقراطية غير الليبرالية»: دول تحكمها قوى باسم هويات متشددة وبخطاب شعبوى قائم على الخوف والتخويف من الآخر. الانتخابات أيضا كرست إفلاس أو موت اليسار الإسرائيلى. فحزب العمل الذى حكم إسرائيل منذ نشأتها ولعقود من الزمن حظى بمقاعد ست فيما حزب ميرتيز اليسارى المعروف نال مقاعد أربع فقط: إنه أيضا التتويج لتكريس قانونى لنظام التمييز العنصرى حيث أن نحو عشرين بالمائة من المواطنين هم من الفلسطينيين.
تأتى نتائج الانتخابات لتكرس رسميا سقوط خيار حل الدولتين الذى كان قد تآكل مع الوقت حسب البعض أو سقط كليا كما رأى البعض الآخر: الخيار الذى انطلق منذ عقود ثلاثة من الزمن تقريبا غداة مؤتمر مدريد للسلام.
عشية إعلان صفقة القرن نسمع عن خطوطها العامة بشكل لاءات من مهندسى الخطة أمريكيا. جاريد كوشنر يستخلص من المفاوضات فى الماضى حول حل الدولتين أن هذه قد فشلت ويجب البحث عن وسائل جديدة للتوصل إلى السلام: فسلام على حل الدولتين بالنسبة لكوشنر. دايفيد فريدمان سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل يطمئن الأخيرة بالقول إنها ستبقى على السيطرة الأمنية على الضفة الغربية مع حكم ذاتى محدود للفلسطينيين. جيسون جرينبلات المبعوث الأمريكى للسلام يؤكد أن الخطة لا تتضمن ضم أراضٍ من سيناء إلى غزة كما روج البعض ولا تتضمن إقامة كونفدرالية تضم الأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية ولن يكون الأردن وطنا بديلا. وكذلك يؤكد أنه لا يمكن تناول مستقبل غزة قبل إخراج حماس من الصورة.
إسرائيل تأتى إلى صفقة القرن وهى تحمل لاءات ثلاث غير قابلة للتفاوض: لا قضية لاجئين ولا قضية قدس ولا دولة فلسطينية. وبالطبع سيتم ضم الكتل والبؤر الاستيطانية وسيبقى وادى الأردن الحدود الشرقية لإسرائيل لأهميته الاستراتيجية الأمنية والاقتصادية: إنها «المنطقة ج» حسب تقسيمات اتفاق أوسلو والتى تضم نحو 61% من أراضى الضفة الغربية.
وللتذكير فإن الإطار المرجعى لصفقة القرن لا علاقة له بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة ولا بمبادئ وقواعد القانون الدولى بل هو ثمرة أفكار الرئيس الأمريكى والمحيطين به. ولا يجرى التعامل مع المسألة باعتبارها قضية شعب وهوية وطنية وتقرير مصير بل بمنطق تجارى تبادلى منفعى. ومن الطبيعى أن يكون هنالك رفض فلسطينى ومعه رفض عربى سيبقى خجولا ورماديا لعدم الصدام مع واشنطن وذلك لأسباب استراتيجية إقليمية. رفض قد يؤدى إلى سقوط الصفقة عمليا دون الإعلان عن ذلك رسميا مع توفير تغطية أمريكية للخطوات اللاحقة التى ستتخذها إسرائيل فى سياق استكمال بناء إسرائيل الكبرى. إنها العودة إلى المربع الأول كما حذر أكثر من متابع ومراقب. عودة ستكون لها موجات مختلفة من التداعيات التى ستتخطى الحيز الفلسطينى لتطال المنطقة التى تعيش أساسا حالة من الفوضى والنزاعات والتوترات.
تداعيات لن تعالجها الإدانات الكلامية والصوت المرتفع طالما لا يوجد فعل عربى فلسطينى تعبر عنه استراتيجية بديلة عن صفقة القرن باتجاه تحقيق السلام الشامل حسب المرجعيات المعروفة والمتوافق عليها دوليا. فهل نحن بالفعل عشية العودة إلى المربع الأول؟