تحية.. لك أيها الوزير؟!
حسن المستكاوي
آخر تحديث:
الجمعة 29 مايو 2009 - 6:40 م
بتوقيت القاهرة
أسلوب وزير الصحة حاتم الجبلى فى إدارة الوزارة، لم يختلف عن أسلوبه وهو يدير مستشفى دار الفؤاد الخاصة.. أتحدث عن الأسلوب وليس عن النتائج.. لقد كان مديرا حازما، وأصبح وزيرا حاسما.. ولكنه نجح فى القطاع الخاص لأنه يملك كل أسلحة هذا القطاع، من مكافأة المجيد والمتميز، ومحاسبة المقصر والفاشل.. بينما لا يملك نفس الأسلحة فى القطاع العام أو فى قطاع الحكومة.. ولذلك ربما تأخرت النتائج قليلا.
شاءت الظروف أن أتواجد فى دار الفؤاد بسبب مرض أحد الأقارب.. وأستمع بنفسى من العاملين بالمستشفى ــ أطباء، أو هيئة تمريض ــ كيف أن الدكتور حاتم الجبلى يفاجئ العاملين بالوقوف فى طرقات المستشفى فى السادسة صباحا لمتابعة سير العمل، وكيف كان يجرى بنفسه اتصالات هاتفية فى وقت الفجر للتأكد من أن الموظف المختص أو عامل السويتش، يرد على التليفون بعد «الرنة الثانية» بحد أقصى، وإذا ترك العامل الهاتف يرن حتى الثالثة أو الرابعة فإنه يحاسب بشدة.. وكان يفعل الشىء نفسه مع الأطباء، ومع هيئة التمريض.. فى وقت من الليل للتأكد من أنهم يقومون بعملهم على الوجه الأكمل.. ويا ويل من لم يقم به.. فهى مستشفى وقد يكون الطالب فى أشد الحاجة إلى دقيقة لإنقاذ حياة مريض.. وحياة المريض عند الدكتور حاتم الجبلى لا تحتمل الإهمال.
إعجابى بالوزير سبق إعجابى بالمدير.. فقد سمعته فور توليه الوزارة يعد بإصلاح مرفق الإسعاف، وقال إنه يطلب الانتظار لمدة عامين كى يحقق ما يعد به، وذلك حتى تعتمد رئاسة الوزراء الأموال اللازمة لدعم هذا المرفق المهم.. وكان من أهم أهداف الدكتور حاتم الجبلى أن يهبط بمعدل وصول سيارات الإسعاف إلى 10 دقائق، فهو يعلم أن المعدل فى ألمانيا يصل إلى 4 دقائق، وهم يرغبون فى الهبوط بالمعدل إلى ثلاث دقائق ونصف الدقيقة.. المهم أن الوزير نجح فى حملته لتطوير المرفق بأحدث السيارات.. واليوم تجد الإسعاف موجودا فى العديد من مناطق القاهرة والطرق الصحراوية.. لكن ليست مشكلة الجبلى تلك الاختناقات المرورية التى تعيق حركة سيارات الإسعاف، وتجعلها تبكى وتئن بسارينتها وهى تحمل مريضا، يفصله بين الحياة وبين الموت دقائق..!
تجربة الوزير فى دار الفؤاد ساعدته دون شك فى عمله العام.. لكن فى بعض الأحيان يستقبل الناس والإعلام صراحته باستياء.. فهو حين يهدد من خطورة إنفلونزا الخنازير يكون محقا، لأنها بالفعل وباء خطير.. وحين يتحدث عن إنفلونزا الطيور وآثارها السلبية فى مصر، فهو يدرك أن كثير من المواطنين لا يمكنهم التفريط فى طيورهم أو التخلى عنها حتى لو كانت مريضة، بسبب الحاجة. كما أن مصر واحدة من الدول القليلة التى تعيش فيها الطيور مع الناس ووسطهم وبجوارهم وفى حجراتهم أحيانا.. فمن الطبيعى أن يشكل المرض فى هذه الظروف خطورة.
حقيقة أشفق على هذا الوزير وأشفق على وزراء غيره.. يعملون بجد وبحب للبلد، ويتعرضون للهجوم والنقد طوال الوقت.. وهناك من يرى أنها ضريبة العمل العام.. لكن من قال إن العمل العام ييبح التجريح والتشكيك؟!
أشفق على حاتم الجبلى لأنه مسئول عن صحة ملايين المصريين، وفى المرض يتمنى الإنسان أن يمتلك القدرة المالية، لمواجهة تكاليف العلاج الباهظة.. خاصة أن سمعة المستشفيات الحكومية على مدى السنوات الطويلة الماضية كانت سيئة، حتى أن بعض المصريين الذين تصيبهم محنة المرض يبيعون ما يملكون لإنفاقه على العلاج الخاص، درءا لمخاطر العلاج المجانى.. وقصص المرضى والمستشفيات لا تعد ولا تحصى..
وفى كل يوم قصة جديدة يشيب لها شعر الرأس.. لكن الوزير يحاول ويقاوم ويسعى إلى إصلاح قطاع مريض بأمراض مستعصية وعمرها 50 سنة.. وهو يقوم بزيارات مفاجئة حقيقية.. ويعاقب ويحاسب.. ويكافئ ويشيد.. ويقال إنه ذهب مرة إلى وحدة صحية ولم يجد الطبيب، فجلس فى حجرة الطبيب على مكتبه، حتى حضر ليعاقب بقسوة.
فى مصر نماذج فريدة ومميزة وأطباء على أعلى مستوى، دون الحاجة لزيارات الوزير ورقابته.. وعندما كانت الدكتورة مديحة خطاب مديرا لمستشفى قصر العينى الفرنساوى شاءت الظروف أيضا فى يوم الأيام أن أتوجه شخصيا لظرف طارئ للعلاج، وكانت الخدمة على أعلى مستوى.. المصريون يقدرون حين يريدون.
العلاج فى جميع الأحوال قيمة إنسانية يحلم بها المواطن، فلا يهان، ولا يتعذب، ولا تساء معاملته لأنه لا يدفع، أو يجب عليه أن يدفع كى يحصل على الخدمة التى يريدها لو كان يعالج فى مستشفى حكومى بالمجان.. وفى المستشفيات الخاصة يدفع المواطن أموالا كثيرة من أجل خدمة طبية مميزة ويجب أن يحصل عليها بضمير.. فلا يحاسب على ما لم يستخدمه فى العلاج، ولا يحاسب على مرض ليس فيه، ولا تستأصل له كلية بدون علمه من أجل مريض آخر أو زبون آخر؟!
أعرف أن الكثيرين لا يحبون تحية الوزراء بقدر ما يستمتعون بنقدهم والهجوم عليهم.. باعتبارها شجاعة المحاربين.. لكن بعض الوزراء يستحقون التحية المخلصة لوجه الله والوطن.. ومنهم تحية الوزير حاتم الجبلى.. الذى يحارب هذا الفساد بكل قوته، وبمنتهى الجدية.. والله يعينه لأن المشكلة هى أزمة الضمير التى أصابت المصريين.. أولا وأخيرا.
أقول ذلك على الرغم من وجود الكثير من المشكلات فى مجال الصحة لكن يكفى أننا أمام وزير يعالج هذه المشكلات ويسعى إلى حلها بكل ما يملك من طاقة وضمير.