السلوك الاجتماعى والمشهد الراهن


رضوى أسامة

آخر تحديث: الثلاثاء 29 مايو 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

أكثر ما كان يهمنى فى معركة الانتخابات هو الأداء النفسى للمرشحين وتفسير سلوكهم تجاه بعض.. لست هنا بصدد الحديث عن ذلك، ولكنى ظللت أفكر فى التسجيلات التليفزيونية للمرشحين وخاصة المناظرة التى حدثت بين الدكتور أبوالفتوح والسيد عمرو موسى وتفسيرات الناس لما دار فيها وأنا أقرأ الكتاب الصادر مؤخرا عن المشروع القومى للترجمة بعنوان «تفسير السلوك الاجتماعى» وهو من تأليف جون إلستر وترجمة د. معتز سيد عبدالله، وفى الحقيقة استمتعت بالكتاب جدا، وقد أضاء لى الكثير من التفسيرات للسلوكيات الاجتماعية التى نراها منتشرة من حولنا فى مثل هذه الأيام.

 

ففى فصل بعنوان تكوين المعتقد الجمعى تحدث الكاتب عن رؤية علم النفس الحديث لما يسمى بالجهل الجماعى، وهو يرى أنه فى الحالات المتطرفة لا يوجد أى شخص يعتقد فى صدق افتراض معين، ولكن كل شخص يعتقد بما يعتقد به الأشخاص الآخرون، وفى الحالات الأكثر واقعية فإن أغلب الناس لا يعتقدون بشىء محدد ولكنهم يعتقدون بما يعتقد به أغلب الناس.

 

ربما ذلك يفسر ولو قليلا الأعداد التى تتبنى اتجاها لا منطقيا فى الأفكار الدينية بشكل خاص، ويقبلها الآخرون دون تحليل واعتبارها ثوابت لأن أغلب الناس تعتقد بها، وينطبق ذلك على اختيار مرشح بعينه واعتباره الأفضل دون تفكير لأن أغلب الأشخاص الآخرين يعتقدون ذلك. فهناك خوف من الرفض أو العقاب نتيجة طرح آراء مغايرة، كما يؤكد الباحث فى الكتاب. ويرى أيضا أن الجهل الجماعى يختلف عما سماه «زملة أعراض المتلقى السلبى» والتى يعتقد فيها كل فرد أن سلبية الآخرين تبرر سلبيته هو شخصيا، ولا يمكن أن يكون السبب فى ذلك الضغط الاجتماعى أو الرغبة فى الامتثال لمعايير الجماعة وذلك كما يرى الكاتب وإنما يكمن السبب فى ذلك الاستدلال: طالما أنه لا يوجد أى شخص آخر يمكنه أن يقوم بأى تصرف آخر فإن الموقف قد لا يكون شديد الخطورة. وهذا يفسر لنا سلوك التخاذل الذى أصبح سمة بين كثير من أفراد المجتمع.

 

ويطرح الكتاب مثالا دالا للمرحلة الحالية عن التصويت خلال الانتخابات وأن الخيار أمام المواطن يكون إما بالتصويت أو أن يبقى بالمنزل وهو ما يمثل مشكلة سلوك جمعى كلاسيكية. فهو ربما يرى أن صوته لن يشكل أى تأثير على النتيجة فكل مواطن له اهتمام شخصى قد يمنعه من أن يقوم بالتصويت. ولكن إذا قام الجميع بالامتناع عن التصويت أو إذا انخفض مستوى التصويت إلى مستويات متدنية للغاية فإن الديموقراطية نفسها تصبح فى خطر أن تحل محلها الديكتاتورية أو حكم الأقلية ضد اهتمام غالبية الناس. وفى معظم الدول الديمقراطية نجد أن التصويت يصل بالفعل إلى مستويات مقبولة تتراوح بين خمسين وثمانين فى المائة كنتيجة للقرارات اللامركزية التى يتخذها المواطنون. وقد يسأل البعض أنفسهم: «ولكن ماذا لو غاب الجميع ؟» وآخرون قد يقولون لأنفسهم: «لأن الآخرين قلقون بشأن التصويت فيجب أن أكون بنفس درجة حرصهم على الإدلاء بصوتى»، وربما يرى غيرهم أنه «بالرغم من تأثير صوتى على استمرار الديمقراطية قليل للغاية فإنه قد يكون مهما إذا كان هناك كثير من المواطنين يصوتون مثلى فسوف يكون لأصواتنا جميعا تأثير». ويضيف الكاتب أنه إذا كانت مثل هذه الدوافع سواء منفردة أو مجتمعة ذات تأثير ضعيف فإن التصويت سوف يصل إلى مستويات منخفضة للغاية. ولكى تتم مواجهة مثل هذه العملية قد يقوم البرلمان بإصدار قانون يجعل التصويت إلزاميا ويفرض غرامة على كل من لا يدلى بصوته.

 

ويستطرد الكاتب شارحا أن القرار الجمعى هو مسألة خيار سياسى، فقبل الدخول فى عملية صنع القرار الجمعى يكون لكل عضو بعض التفضيلات السياسية من خلال ثلاث آليات هى (المساومة ــ المحاجة ــ التصويت)، ويشرح الكاتب المساومة هنا بأنها تتمثل فى الموارد التى تمكنهم من توجيه تهديدات ووعود ذات مصداقية ليقوم الناخبون بتقديم عروض متتابعة وعروض مضادة.

 

ويرى الكاتب أن مفهوم التصويت المثالى هو أمر لا يتحقق أبدا فى الانتخابات، وهو أن يقوم المواطنون بتشكيل تفضيلاتهم بمعزل عن بعضهم البعض. ويوضح أن المحاجة هى الجهد المبذول لإقناع طرف آخر بشىء ما على ضوء مبررات معينة، مضيفا أن هذا النموذج وثيق الصلة بالسياسات الديمقراطية.

 

الكتاب يشرح بالتفصيل الآليات الثلاث التى يمكن تطبيقها على المشهد السياسى الحالى، وعندما عدت أفكر فى المشهد الانتخابى وجدت أن آلية المساومة هى الآلية الأكثر استخداما فى خطابات المرشحين، إذ حاول كل منهم ترهيب الشعب المصرى إما من حكم الإخوان أو من رموز النظام السابق، وظهر ذلك بوضوح خلال ذلك مناظرة عمرو موسى وأبوالفتوح.

 

الكتاب ممتع بحق ودال ويحتاج لقراءة متأنية.. شكرا للمترجم الدكتور معتز سيد عبدالله على جهده الواضح وللمركز القومى للترجمة على اختياره الجيد.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved