هل تقدم الاقتصاد المصرى أم تراجع اقتصاد جنوب أفريقيا؟
عاصم أبو حطب
آخر تحديث:
الأحد 29 مايو 2016 - 10:30 م
بتوقيت القاهرة
لعل الخبر الأهم الذى سيطر على الشأن الاقتصادى المحلى خلال الأسابيع القليلة الماضية هو ما أعلنه صندوق النقد الدولى، فى تقريره الأخير (عن توقعات الاقتصاد العالمى) بخصوص تخطى الاقتصاد المصرى نظيره الجنوب أفريقى؛ لتصبح مصر بذلك ثانى أكبر اقتصادات القارة الأفريقية بعد نيجيريا.
وكالعادة، جاء هذا الإعلان ليفتح بابا جديدا للجدل البيزنطى وحلقة أخرى من حلقات الانقسام المجتمعى اللذين يهيمنان على المشهد العام فى مصر. ففى حين احتفت وسائل الإعلام الرسمية والمؤيدة للنظام بالخبر وصورته للرأى العام على أنه نصر مبين، وإنجاز اقتصادى عظيم، وخطوة على طريق تعافى الاقتصاد المصرى، كانت وسائل الإعلام المعارضة تسخر وتقلل من قيمة الإعلان، وتستعرض مؤشرات اقتصادية تدلل على إخفاقات الحكومة فى إدارة الملفات الاقتصادية، بل وامتد الأمر ليصل إلى حد التشكيك فى دقة تقرير صندوق النقد الدولى.
وبين هذه المبالغات وتلك الإجحافات، ضاعت معايير الحيادية والموضوعية، وتلاشى المنطق العلمى من ميزان التقييم، ليضعنا هذا الإعلان أمام تجسيد للواقع العبثى الذى نعيشه والذى تُشكِل ملامحه معايير الولاءات المسبقة للهوية الفكرية والسياسية، وتتضاءل فى ظله معنوية ودلالية أية مؤشرات أو تقارير، حتى وإن كانت صادرة عن صندوق النقد الدولى، ولا يستخلص منها إلا أن حالة عدم اليقين التى يمر بها الاقتصاد المصرى مازالت تحتاج الكثير من الجهد والعمل، فلا يمكن أن تنهض أمة أو أن يُبنى وطن أمام هذه المعطيات من الفرقة والتناحر بين أبنائه.
***
إن القراءة المتأنية والمحايدة لمضمون الإعلان تخبرنا من الوهلة الأولى أن جوهر الموضوع أبعد ما يكون عن أداء الاقتصاد المصرى ذاته نموا أو تراجعا، وإنما يرتبط بمستوى أداء الاقتصاد الجنوب أفريقى فى الآونة الأخيرة. وللتوضيح، وقبل سرد التفاصيل، دعونا نتخيل مثلا لو توقفت سيارتك الحديثة فى طريق ما بسبب عطل مؤقت أو لداع ما، ومرَ فى طريق وقوفها «توكتوك» ليجتازها فهل يعنى هذا أن التوكتوك سبق السيارة؟ (مرة أخرى المثال توضيحى فقط). إن جنوب أفريقيا هى إحدى دول مجموعة العشرين، وأحد الاقتصادات التى تمتعت خلال العقود الماضية بمستويات مرتفعة من النمو الاقتصادى مما مكنها من أن تصبح إحدى دول مجموعة «البريكس» للاقتصادات الناشئة، والتى تضم البرازيل وروسيا والهند والصين، وتتسم اقتصاداتها بالحجم المتزايد والنمو المتسارع والتأثير المتنامى فى الاقتصاد العالمى.
ولكن لأن دوام حال الاقتصادات من المحال، فإن جنوب أفريقيا تمر حاليا بأزمة اقتصادية شديدة انخفض على أثرها معدل النمو إلى النصف تقريبا، وتراجعت معها معدلات الاستثمارات الأجنبية، وفقدت العملة المحلية (الراند) ما لا يقل عن 50% من قيمتها خلال السنوات الثلاث الأخيرة. علاوة على ذلك، فقد تزامنت هذه الأزمة مع موجة شديدة من الجفاف لتدفع 50 ألف مواطن إلى ما دون حد الفقر وتصل معها نسبة الفقر الإجمالية إلى نحو 37.4%.
وبصرف النظر عن أن هذه الظروف الاستثنائية التى تمر بها جنوب أفريقيا، وليس أداء الاقتصاد المصرى نفسه، هى التى مكنت الاقتصاد المصرى أن يجتاز نظيره الجنوب أفريقى؛ فإنه لابد من الحذر الشديد والانتباه لعدد من النقاط عند ترجمة دلالات «حجم الاقتصاد» أو «معدل النمو الاقتصادى» كمؤشرات لمقارنة الاقتصادات، حتى لا يقودنا ذلك لنتائج مضللة ومقارنات تفتقد الأساس الصحيح.
فمكمن النتائج المضللة ينبع من أن معدل النمو أو الحجم المطلق للاقتصاد لا يعد أيا منهما مؤشرا دقيقا فى تقييم الأداء الاقتصادى، وإنما يبقى المعيار الحقيقى والمؤشر الأدق لحال الاقتصادات ومستويات أدائها هو مدى انعكاس نتائج النمو على المواطنين من حيث تحسن مستويات معيشتهم ورفاهيتهم. فعلى سبيل المثال، يبلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى (مقوما بالأسعار الثابتة لسنة 2005) فى جنوب أفريقيا نحو ستة آلاف دولار أمريكى سنويا، وهو بذلك يعادل أربعة أضعاف نصيب الفرد فى مصر والبالغ نحو 1400 دولار أمريكى، وفقا لبيانات البنك الدولى.
أما فيما يتعلق بعدم استيفاء المقارنة لأساسها، فيجب أن يؤخذ عامل «حجم ومعدلات النمو السكانى» فى الاعتبار عند المقارنة، فعدد سكان مصر قد تخطى بالفعل حاجز التسعين مليون نسمة وهذا من المفترضــ نظرياــ أن ينعكس على الحجم المطلق للاقتصاد؛ فى حين يزيد عدد سكان جنوب أفريقيا قليلا عن نصف هذا الرقم، ورغم ذلك فقد استطاعت جنوب أفريقيا وعلى مدى سنوات طويلة أن تتصدر قائمة أكبر اقتصادات القارة الأفريقية حتى تخطتها نيجيريا فى عام 2014. علاوة على ذلك، فلا زالت جنوب أفريقيا تتصدر دول القارة الأفريقية كأكثر اقتصاداتها تقدما، كما أن اقتصادها يتمتع بقدر أعلى بكثير من نظيره المصرى من حيث التنوع القطاعى والتعدد السلعى والسوقى، مما يجعله أقل عرضة لأثر التقلبات المفاجئة فى الأسواق الدولية.
***
إن التقييم المحايد لمحتوى إعلان صندوق النقد الدولى كان يقتضى من الجميع التأنى فى القراءة والتدقيق فى التحليل والموضوعية فى الاستنتاجات. ولو تم إعمال هذا المنهج لخلصنا إلى نتيجة مفادها أن أداء الاقتصاد المصرى بشكل عام لم يطرأ عليه تغيير معنوي؛ فلا هو حقق نموا إيجابيا معتبرا ولا هو سجل تراجعا سلبيا مؤثرا، وإنما لا يزال يصارع وحيدا وسط بحر من الأزمات المتزايدة والتى لم يعد لها من دون الله كاشفة.