الرقص كلغة تخاطب.. وكيف نرتبك حياله في الشرق؟
مواقع عربية
آخر تحديث:
الأربعاء 29 مايو 2019 - 10:30 م
بتوقيت القاهرة
نشر موقع درج مقالا للكاتبة «بادية فحص» وجاء فيه:
29 إبريل هو اليوم، الذى اختاره مجلس الرقص العالمى، للاحتفاء بفن الرقص كأحد المكونات الثقافية لكل شعب من شعوب العالم. كل سنة، فى هذا التاريخ، يوجه مجلس الرقص العالمى رسالة إلى حكومات العالم، يطلب فيها تحويل فن الرقص إلى مادة تعليمية تربوية، وتخصيص أموال وميزانيات لدعم هذا النوع من الثقافة الإنسانية، التى تعكس الروح الحية للشعوب. وتحت عنوان «يا راقصى العالم اتحدوا» كل سنة يكلف، معنويا، فى هذا اليوم، الراقصين والراقصات ومؤسسات الرقص، فى مختلف بلدان العالم، بمهمة تعريف المجتمعات التى ينتمون إليها، على فنون الرقص فى المجتمعات الأخرى.
قبل أن يتحول الرقص إلى متعة بصرية وإلى أحد الفنون الترفيهية، كان عند الشعوب القديمة مثل الفراعنة والفرس والهنود وفى بلاد ما بين النهرين وغيرها، طقس دينى يقام فى المعابد. لذلك نجد على جدران المعابد الأثرية فى منطقتنا، رسومات تظهر فيها، نساء يقدمن قرابين للآلهة وهن فى وضعية رقص.
كانت الشعوب، حين تمرّ بمواسم قحط وجوع وندرة أمطار، تكلف نساءها بالتقرب من الآلهة، علها تدرّ عليهم الخير، بسبب إيمانهم بوجود رابط رمزى بين جسد المرأة والخصوبة. لذلك تظهر المرأة فى هذه الرسومات كاشفة عن بطنها، ولذلك من المحتمل أن عادة كشف الراقصة الشرقية عن محيط بطنها وخصرها أثناء الرقص، قد أتت من هذه الفكرة.
الرقص مركب أساسى فى هوية كل شعب من شعوب العالم. كل حركة، كل خطوة، كل رفعة يد أو هزة رأس، تعبر عن مكنونات روحية وجسدية واجتماعية وحتى دفاعية عند كل شعب. الرقص هو لغة الشعوب الحركية، التى تنطق بها أجسادهم، بطريقة جماعية، وتعبر عن وجودهم وهمومهم وتحدياتهم، ككتلة اجتماعية منسجمة ومتفاعلة.
من غير الممكن أن نسمع قرع طبول وأصوات همهمة، ونرى أيادى تلوح بتحدٍ وأقداما تضرب الأرض بقوة، ولا يتبادر إلى أذهاننا أن هذه الضوضاء هى رقص إفريقى، وأن هذا الرقص هو انعكاس لملامح صراع الإنسان الإفريقى المستمر مع الطبيعة.
مفهوم الرقص كلغة جماعية إنسانية، تطور مع الأيام، ليصبح فنا مستقلا بذاته. فتشكلت فرق فنية تقدمه على المسارح والشاشات وأماكن الترفيه والأماكن العامة، بعضها حظى بشهرة واسعة عالميا، مثل: البولشوى الروسية، فلامينكو دى مدريد الإسبانية، وكركلا اللبنانية وغيرها. ثم تأسست أكاديميات يديرها محترفون ومحترفات، لتعليم كل أنواعه: الباليه والسالسا والسامبا والفلامنكو والتانغو والمامبو والفالس والدبكة.
إذا فتشنا، عن السبب الذى جعل الرقص الشرقى ينحدر إلى مستويات وضيعة، ويرتبط بمعانى المجون والسوقية، بينما الرقص الغربى بكل أنواعه، تطور وارتقى إلى مكانة فنية عالية، تعكس قيم الذوق والجمال، نجد أنه بسيط ومعقد فى الوقت ذاته.. إنه المرأة.
فالرقص الشرقى، يختلف عن كل أنواع الرقص فى العالم، بأنه أداء فردى وليس جماعيا، والفرد فيه هو المرأة، المرأة وحدها. هو مساحة خاصة بالمرأة فقط، مفصل على قياس روحها وأحاسيسها، على مقاييس جسمها، هو ابتكار أنثوى خالص.
والسؤال الذى يطرح نفسه هنا، هو: هل يمكن أن يتقبل الرجل الشرقى، وجود فى زاوية فى حياة المرأة ليس له حصة فيها؟ أو مساحة تشغلها المرأة وحدها، هو غير موجود فيها؟ أو هى فيها السيدة؟ طبعا، بحسب ثقافته، لا يمكن أن يتقبل هكذا فكرة، ولكى يكون حاضرا فيها، سعى إلى تحويلها إلى أحد أسباب متعته.
على مر العصور وعهود الممالك المختلفة فى الشرق، ازدحمت قصور الملوك والسلاطين بالجوارى، اللواتى كن يتقن فنون الغناء والعزف والرقص. وينقل تاريخنا قصصا عن حكام تولعوا بالجوارى، خصوصا الراقصات منهن، لدرجة أنهن تحولن إلى شريكات لهم فى الحكم وتسيير أمور الرعية والبلاد.
بسبب من هذه الأجواء أو الأهواء الذكورية المنحرفة، تأسست فكرة أن الرقص الشرقى موازٍ للخلاعة والتهتك والمجون، وبالتالى بنى المجتمع على أساسها، نظرته الدونية والمستنكرة لهذا الفن.
فى العصر الحديث، أسست بديعة مصابنى أول مدرسة لتعليم الرقص الشرقى فى مصر وربما فى العالم، حاولت أن تقدمه بقالب فنى مختلف وبعيد عن التفسيرات الذكورية والنظرة المجتمعية النمطية. أما هند رستم فتمكنت أن تفتح صفحة جديدة فى تاريخ الرقص الشرقى.. لكن الكم غلب الكيف. غلبت السينما التجارية، التى عادت وقدمته بما يتناسب مع ما يطلبه الجمهور، كمادة تسويقية، فقرة أساسية فى الفيلم المصرى.
كل هذا يضاف إليه، أن ثقافتنا الشرقية هى ثقافة معادية للفنون، للضوء، للفرح، للحياة، للتحرر، للجسد، للمرأة، فكيف إذا اجتمعت هذه الصفات كلها فى جسد المرأة؟!
النص الأصلى: