أطباء هذا الوطن
ليلى إبراهيم شلبي
آخر تحديث:
الجمعة 29 مايو 2020 - 6:35 م
بتوقيت القاهرة
فعل خيرا أخير الأستاذ الدكتور حسين خيرى بأن خرج من تلك الشرنقة التى يحيط بها نفسه، ولا يبررها غزل الحرير الذى يمارسه فى صمت. الواقع أنه أستاذ قدير وصاحب صفحة ناصعة لكن كل هذا لم يكن ليؤهله لأن يصبح نقيبا فاعلا للأطباء، رغم أنه قد أعيد انتخابه للمرة الثانية، الأمر الذى يؤكد أن الأطباء قد انحازوا للأخلاق. التقى النقيب بدولة رئيس الوزراء بعد أن انفجرت قضية مهمة كادت تكون فتنة حقيقية بين الأطباء من جهة والحكومة من جهة أخرى. لا أحد على الإطلاق ينكر أن العالم بأسره يواجه حربا شرسة فريدة للمرة الأولى وأن الأخطاء واردة من كل الحكومات وكل المواطنين أيضا، لكن الأخطاء كلها قابلة للتصويب، والحكومة والمواطن يجب أن يكونا بلا أى خطأ فى جانب واحد، فلماذا لم يكن هذا حالنا ولماذا تختلف أحوالنا؟
أقصد بالطبع تلك الأزمة التى انفجرت بعد استشهاد زميل لنا شاب يعمل فى مستشفى المنيرة. الكتابة اليوم تجربة أقسى من السير حافية الأقدام على الشوك، فلا أنا من مشعلى الحرائق، ولا أتمنى لو أن التحقيقات أظهرت أن ذلك كان نتيجة تقصير من وزارة الصحة، وكلى ثقة أن زملاءه لم يقصروا فى حقه، إنما داهمتهم قلة الإمكانات وحاصرتهم قلة الحيلة وتعقيدات الإجراءات. لا أخوض فيما قد يذكى نارا تحت الرماد، فمناقشة الأمور بصراحة مطلقة يجب أن يتم فى غرفة مسئولة مغلقة لها سلطة التنفيذ واتخاذ القرارات، لكن بعد سماع كل الأطراف بحرية وشفافية كاملة.
كنت أتصور أننا حينما نواجه خطرا داهما كذلك الذى ترتعد منه أوصالنا الآن، أن يؤلف ذلك الخطر بين قلوبنا، وأن يفسح كل منا لزميله فى المعركة مكانا ليعرض مخاوفه ويقول كلمته، ويقترح ما يراه، ويسمع عنه ردا شافيا من أولى الأمر.
مازالت وسائل الإعلام تنشر الأغانى والتأييد وتسجل آيات الشكر لجيش مصر الأبيض، لكن ذلك لم يمنع البعض من نشر سيل الاتهامات والسباب والاتهامات لذات الجنود الذين يحملون بشجاعة ومسئولية وأمانة عبء الدفاع عن الوطن فى صورة أخرى من صور الجهاد. فرصاص الأعداء فى المعارك الحربية ليس أكثر خطورة من عدو لا يرى بالعين المجردة، ويهاجم الإنسان فى صورة من الصور المتعددة وينتقى ضحاياه بعناية القاتل الصياد.
تلك معركة فى تاريخ الوطن غير مسبوقة: معركة شرسة تذكيها الفتن، ويشارك فيها بعض الإعلام عن جهل بحكمة إدارة الأزمات. يجب الآن أن يتوقف كل هذا وأن تبدأ مرحلة جديدة من الوعى القومى تجعل الأمر وزمامه فى أيدى أصحابه وأن تتاح الفرصة كاملة للأطباء أن يتحدثوا عن همومهم ومخاوفهم وخططهم بل ومطالبهم أيضا لحماية أنفسهم، الأمر الذى يتيح لهم الإقدام فى أمان على أداء الخدمة الطبية والإنسانية التى يتطلعون إليها.
كل ما نحتاجه جسر من الثقة متين، يمتد بين الأطباء والدولة، يتيح لهم أن يتحدثوا بحرية وشفافية وثقة فى أن ذلك يزيد من رصيد آمالهم ولا يتهددهم على الإطلاق بما يضعف فيهم الثقة أو يصفهم بما ليس فيهم.
رئيس الجمهورية بذاته أعلن ثقته فى الأطباء: ولاؤهم لوطنهم وأمانتهم فى أداء الرسالة وقدراتهم على العمل، فمن صاحب المصلحة فى الأزمة الحالية؟
إنهاء تلك الأزمة فرض عين على الدولة والأطباء معا، وليس لدى أدنى شك فى نوايا زملائى أو رغبتهم فى العمل فى ظل ظروف آمنة، وهو مطلب إنسانى عادى. وهم وحدهم الأقدر على شرح تفاصيله ووقائعه.
كان الله لنا جميعا شعبا ودولة.
قلبى معكم يا أطباء هذا الوطن.