صناعة الغاز فى مصر.. الاستهلاك والإنتاج

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الأربعاء 29 مايو 2024 - 8:30 م بتوقيت القاهرة

بدأت صناعة الغاز الطبيعى فى المنطقة البحرية لحوض شرق المتوسط فى مصر منذ أوائل عقد الثمانينيات، عندما قررت السلطات المصرية احتساب نفس القيمة المالية لبئر الغاز لاكتشاف بئر النفط، على عكس ما كان يجرى سابقًا، وهو إغلاق فوهة بئر الغاز عند الاكتشاف. وسبب ذلك هو عدم توسع صناعة الغاز عالميًا، حتى عقد السبعينيات، وعدم الاستفادة من الغاز اقتصاديًا فى حينه.

كانت أسواق الغاز الكبرى فى حينه منحصرة فى ثلاث أسواق: الأمريكية والروسية، حيث تميزت هاتان الدولتان باحتياطات غازية ضخمة، واعتمدت كل منهما على شبكات أنابيب وطنية ضخمة لتزويد الدولتين واسعتى المساحة. كما جرت مفاوضات جيوسياسية مهمة بين الأقطار الأوروبية والاتحاد السوفياتى سابقًا فى منتصف عقد الثمانينيات لتزويد أوروبا بكميات ضخمة من حقول غاز غرب سيبيريا عبر شبكات أنابيب طويلة المدى.

عارضت الولايات المتحدة هذا المشروع من يومه الأول لرفضها جيواستراتيجيًا اعتماد الاقتصاد الأوروبى على الغاز الروسى، وعدم تمكنها فى حينه (منتصف الثمانينيات) من تزويد أوروبا بالغاز المسال فى حال توقف الغاز الروسى. رغم ذلك، فقد مضى الطرفان الروسى والأوروبى فى التوقيع على اتفاقات طويلة المدى والالتزام بها حتى نشوب حرب أوكرانيا قبل عامين تقريبًا.

من الواضح أن تجارة واستهلاك الغاز عالميًا قد تأخرت عقودًا بعد صناعة النفط. والسبب الرئيسى لذلك هو السعر المنخفض جدًا للنفط الخام خلال النصف الأول للقرن العشرين. وقد تغيَّرت أسس الصناعة النفطية عالميًا، نتيجة مفاوضات منظمة «أوبك» مع الشركات العالمية فى أوائل عقد السبعينيات، حيث حازت الأقطار المنتجة قرار تحديد معدلات الإنتاج، وحيث أيضًا ارتفعت أسعار النفط الخام من نحو 1 - 4 دولارات للبرميل إلى نحو 30 - 40 دولارًا للبرميل خلال عقد السبعينيات، الأمر الذى دفع مصر ودولًا أخرى إلى بدء استهلاك الغاز بشكل واسع نظرًا لمنافسة سعره سعر النفط.

بدوره، أدى نمو استهلاك الغاز إلى بروز صناعتين لتصديره: عبر شبكات الأنابيب البرية ونقله عبر دول ثالثة (ترانزيت)، ومعالجة الغاز لتصديره مجمدًا لنقله فى ناقلات متخصصة عبر البحار والمحيطات.

من ثم، فى حين ابتدأت صناعة النفط عالميًا منذ العقد الأول للقرن العشرين، لم تبدأ صناعة الغاز فى الانطلاق حتى الربع الأخير من القرن العشرين. وما ساعد على توسع انتشارها فى أوائل القرن الحادى والعشرين هو ازدياد الاهتمام العالمى بشئون البيئة وتغير المناخ، نظرًا إلى انخفاض الانبعاثات الكربونية من الغاز. فتوسُّع الاهتمام بالبيئة والتغير المناخى أدى بدوره إلى إعطاء زخم جديد للصناعة، حيث أصبح الغاز الوقود الرئيسى لتغذية محطات الكهرباء وتحلية المياه عالميًا، نظرًا لتنافس سعره مع سعر الفيول أويل، الذى كان يشكل هو والفحم الوقودين الرئيسيين لتغذية محطات الكهرباء.

ونظرًا إلى المناطق الإنتاجية الموعودة، أعلنت مصر عن طرح الامتيازات فى خليج السويس، والصحراء الشرقية، والبحر الأحمر، والصحراء الغربية، فى محاولات متعددة لاكتشاف الغاز. ثم بدأت تركز اهتمامها على منطقة دلتا النيل والمنطقة البحرية شمال الإسكندرية وبورسعيد. كما عدَّلت مصر من شروط اتفاقاتها مع الشركات الدولية، نظرًا لعمل الأخيرة فى مناطق بحرية عميقة. وبالفعل اكتُشفت حقول غازية عملاقة بنهاية القرن الماضى، وبداية القرن الحالى. تبنَّت مصر سياسات بعيدة المدى على ضوء الاكتشافات التى حققتها: زيادة إمكانيات استهلاك الغاز داخليًا وإعطاء الاستهلاك الداخلى الأولوية فى توزيع الإمدادات. كما تبنَّت مصر سياسة إمكانية التصدير إلى أوروبا، إما عبر خط الغاز العربى –عبر تركيا إلى أوروبا- وإما تشييد محطات لتسييل الغاز، بالتعاون مع الشركات الدولية.

واجهت مصر مشكلة مستدامة فى كيفية الموازنة بين التصدير والاستهلاك الداخلى، من جهة؛ ومن جهة أخرى الموازنة بين الزيادة السنوية للاستهلاك الداخلى والإنتاج المحلى، من جهة أخرى، نظرًا لزيادة المجالات التى يتم فيها استهلاك الغاز والزيادة السنوية العالية لعدد السكان الذى يفوق 100 مليون نسمة. وقد تم تلافى هذه المشكلة باكتشاف شركة «إيني» حقل «ظُهر» العملاق عام 2015 وتطويره لبدء الإنتاج منه عام 2017. و«ظهر» هو أضخم حقل غاز فى مصر والبحر الأبيض المتوسط، وأصبح عماد الصناعة الغازية المصرية.

اضطرت «إينى» خلال السنوات الثلاث الأخيرة إلى تخفيض إنتاجية «ظهر»، نظرًا لانخفاض الضغط فى الحقل. ونظرًا لمركزية الحقل فى صناعة الغاز المصرية، ما اضطر السلطات المصرية هذا العام إلى استيراد كمية من الغاز المسال الأمريكى، لاستعماله فى تغذية محطات الكهرباء المحلية فى أثناء فصل الصيف، حيث يزداد الطلب عادة على الاستعمال العالى لوسائل تبريد الهواء.

الأمر الذى أثار كثيرًا من الأسئلة حول صناعة الطاقة المحلية. لكن، فى الوقت نفسه يُتوقع أن تزيد شركة «شل» إنتاجها البحرى من حقل «خوفو» الذى هو تحت التطوير حاليًا، حيث حفرت ثلاث آبار، ويُنتظر حفر ثلاث أخرى للحصول على صورة شمولية لحجم احتياطى «خوفو». وتشير المصادر النفطية إلى أنه فى حال عدم وجود «خوفو» حقلًا ضخمًا، فبإمكان «شل» الإنتاج من عدة حقول صغيرة بالقرب من «خوفو»، وربطها بشبكة «خوفو». بهذا يصبح من الممكن تعويض الانخفاض فى «ظُهر» ابتداءً من 2024.

وليد خدورى
خبير اقتصادى عراقى
جريدة الشرق الأوسط اللندنية

النص الأصلى
https://rb.gy/zqiavu

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved