لماذا خرجنا من المونديال؟!
إكرام لمعي
آخر تحديث:
الجمعة 29 يونيو 2018 - 9:40 م
بتوقيت القاهرة
هل هذا هو السؤال الواجب الطرح؟ أم أن السؤال هو لماذا لم نصل للمونديال منذ ثمانية وعشرين عاما؟ وهل هذان السؤالان لهما إجابة واحدة أم إجابتان مختلفتان؟.
إن الثورة الإعلامية والشعبية التى قامت على إثر خروجنا من المونديال توحى بعدة أمور غير منطقية فالثورة كانت جامحة وخارجة عن أى إطار منطقى أو أخلاقى وكان يمكن أن تكون ردود الأفعال المتطرفة هذه أمرا طبيعيا لو أن خروجنا من المونديال هو المفاجأة أو الاستثناء لكن خروجنا من المونديال أو حتى عدم الوصول إليه أصلا هو العادى الذى تعودنا عليه، وهو المنطقى بحسب إمكانياتنا الكروية والفكرية؛ إذن علينا أن نتفق بأن عدم وصولنا للمونديال هو القاعدة والوصول هو الاستثناء والمستحيل هو المشاركة فى النهائيات، والسؤال الذى يجب أن يثار هنا لماذا هناك دول تشبهنا فى كل شىء تصل للمونديال وتتفوق كالبرازيل والأرجنتين وغيرهما؟ إذن المشكلة ليست سياسية أو اقتصادية أو دينية... إلخ. هنا يمكننا القول إن هناك أسبابا يمكن معالجتها وأخرى يمكن اعتبارها من التكوين الداخلى للشعب العربى عامة والمصرى خاصة، ولنبدأ بالأسباب التى يمكن رصدها ومعالجتها ومن أهم هذه الأسباب غياب المسابقات المحلية الكروية الجادة سواء على مستوى إعدادى أو ثانوى أو الجامعات، ومن المعروف أن فى البرازيل وهى بلد تشبه فى مكوناتها مصر يولد الطفل وعلى قدمه كرة، ومنذ نعومة أظافره وبداية من المدارس الابتدائية نجد كرة القدم لها مكانتها ومؤسساتها التى تهتم بالمواهب الصاعدة وتدريبهم من الصغر دون تفرقة بين الأطفال اقتصادية أو اجتماعية أو دينية وعلى الرغم من أن البرازيل من دول العالم الثالث لكنها هى أكثر البلاد حصولا على كأس العالم!! أما السبب الثانى فهو تحريم مشاهدة مباريات كرة القدم فى الملاعب المصرية وكأنها من المحرمات وهو ما أدى إلى بهتان الاهتمام بها، لقد كان حضور عشرات الآلاف فى استاد القاهرة له فعل السحر فى الذين يلعبون على المستطيل الأخضر وكان الشباب الصغير يحلم أن تشاهده هذه الأعداد الغفيرة وهو يلعب وتهتف له وبالطبع مجرد إذاعة المباريات على التلفزيون يفقد اللعبة إثارتها وحيويتها ويفقد من يلعبون فى الملعب حماسهم وإجادتهم بصورة ملحوظة، وهناك سبب ثالث ربما لا ننتبه له كثيرا أن اللعبة على المستوى المحلى أو العالمى صارت صناعة ضخمة تستثمر فيها آلاف المليارات من الدولارات واليوروهات والعمولات بل والرشاوى... إلخ، وقصة قطر مع المونديال مازالت حاضرة فى الأذهان حيث تقدمت لتنظيم مباريات المونديال فى الشرق الأوسط مع مصر والمغرب ورأينا نتيجة التصويت وأفراد العائلة المالكة يقفزون فرحا بعد فوزهم بتنظيم كأس العالم لعام 2022 ثم ثارت الأقاويل والاتهامات عن رشاوى دُفعت لمسئولين فى الفيفا ولمندوبى البلاد الذين يصوتون.
وأتذكر مصر حيث كونت لجنة برئاسة الوزير على الدين هلال والذى استقبل وفد الفيفا الذى يزور كل البلاد المرشحة ويكتب تقريره وكعادة المصريين فى «الفهلوة» استقبلوا أعضاء اللجنة استقبالا حافلا فى المطار وقاموا بتنظيم مأدبة عشاء فاخرة فى فندق من أفخر الفنادق ورافقوهم فى كل مكان مع الحرص على سيرهم فى الشوارع النظيفة والأماكن الفخمة وودعوهم بعد الساعة الواحدة صباحا وهم يؤكدون أن كل شىء على ما يرام، وأن اللجنة ستقدم تقريرا متميزا عن مصر لكن بعد أن دخل أعضاء اللجنة حجرات نومهم بساعة التقوا ــ كما اتفقوا من قبل دون علم المصريين ــ فى (اللوبى) فى الثالثة صباحا وطلبوا سيارات أجرة ووزعوا أنفسهم على الإسكندرية والصعيد ومرسى مطروح والإسماعيلية... إلخ وكتبوا تقريرهم أنه لا توجد على الطرق السريعة أى خدمات صحية كافية للمسافرين، وذلك بالطبع لأن المباريات كانت ستتم فى القاهرة والإسكندرية والإسماعيلية وبورسعيد، ووجدوا تليفونات عامة نزلوا من سياراتهم وحاولوا استخدامها لم يجدوا تليفونا واحدا منها يعمل. عادوا إلى الفندق وجاء المنظمون المصريون فى الصباح ووعدتهم اللجنة خيرا وودعتهم وهم يشعرون بأنهم خدعوهم والأمر سيكون على ما يرام، وبالطبع فى التصويت على البلاد التى يمكن أن تستضيف المونديال أخذت مصر صفرا كبيرا، هذا الأسلوب فى الحياة (نظرية الفهلوة) من المستحيل أن يفوز أصحابها بأى شىء له قيمة أو دوام وقيل حينئذ أن اللجنة كانت ميزانيتها 20 مليون جنيها وهناك تحقيق وقع كانت نتائجه هزيلة كالعادة.
***
كل هذه الأمور يمكن معالجتها بالتخطيط والحزم إلا أن السبب الذى لا يمكن معالجته وهو مغروس فى جينات المصريين، هو معضلة «العمل الجماعى» فمن الواضح جدا أن مصر على مدى الزمن يتفوق فيها الأفراد لكنها ترفض وتكره ولا تتقن أى عمل جماعى فقد حكمها الفراعنة لآلاف السنين حكما ديكتوريا واضحا؛ ولم تحاول مصر أن تستورد الديمقراطية من اليونان أو روما، فالمعروف أن من اليونان كانت انطلاقة الديمقراطية فى العالم حيث كان يجتمع كل شعب أثينا عند اتخاذ قرارات تهمهم فى ميدان ضخم ليتناقشوا ثم يصوتون ومع أن الإسكندر الأكبر جاء إلى مصر وحكم مصر البطالمة إلا أنهم لم يستخدموا هذا النظام وأيضا لم يستخدموا الفكر السياسى الرومانى والذى كان يبنى على مجلس النواب « السيناتورز» وتناقش فيه كل الأمور المصيرية للإمبراطورية الرومانية، أما مصر التى كانت خاضعة للبيزنطيين ثم العرب بعد ذلك بداية من القرن السادس فلم يطبق بها أى نظام ديمقراطى يقوم على رأى الجماعة وعندما اختير محمد على ليكون واليا لمصر وعلى رغم أنه قام بتحديثها إلا أنه كان حاكما مطلقا ومن بعده أولاده ولم تتمتع مصر بالديمقراطية سوى فى ثورة 1919 أى فى العشرينيات من القرن الماضى واستمرت هذه الحقبة حتى قامت ثورة الجيش 1952 والتى ساندها الشعب لكن الديمقراطية الحقيقية لم تطبق. لكن يمكن أن يقول البعض أن هناك شركات ونوادى وأحزاب يتبنون الديمقراطية فالرئيس فى هذه المؤسسات ينتخب من القاعدة والقرار من خلال الجمعيات العمومية، لكن ما يحدث فى الجمعيات العمومية من شراء ذمم وتزوير نتائج الانتخابات وعنف لوصول شخص لرئاسة المؤسسة أو اتجاه معين يبطل التجربة تماما ومن المعروف أن فى هذه المؤسسات تتم تربيطات معينة وضغوط... إلخ والمشكلة أن الناس يتقبلون ذلك وكأنه الحياة الطبيعية فى مصر، وليس ذلك فقط بل وفى المؤسسات الدينية ذاتها يحدث نفس الأمر، هناك مؤسسات ليست فيها جمعيات عمومية من الأصل والحكم رئاسى ديكتاتورى ومؤسسات به جمعيات عمومية لاتخاذ القرار ولا فرق ٌيذكر بين الاثنين إنها طبيعة الإنسان المصرى.
***
ولكى نثبت ذلك عمليا علينا أن نقوم بحصر الأفراد المصريين الذين تفوقوا فى أعمالهم فى العالم، ففى مصر حاليا لدينا د. مجدى يعقوب الذى خرج وهو معيد فى الكلية بعد أن يئس من تعيينه فى القسم الذى يعمل به، لدينا فاروق الباز عالم الفضاء الذى يشار له بالبنان والذى عين بعد عودته بدرجة الدكتوراه فى مدرسة الصنايع الثانوية ببور سعيد، ولدينا بطرس بطرس غالى أول وآخر مصرى أو عربى عين أمينا عاما للأمم المتحدة، ولدينا نجيب محفوظ الحاصل على جائزة نوبل للأدب، ولدينا محمد حسنين هيكل والذى يعد من أعظم الصحفيين فى العالم كل هؤلاء وغيرهم خرجوا ونجحوا معتمدين على ذراعهم فقط فحققوا المستحيل، أيضا نحن نتفوق فى الألعاب الفردية لعبة الإسكواش محجوزة لعدة سنوات للمصريين، السباحة والتنس تفوق فيها أفراد حمل الأثقال محمود التونى، المصارعة... إلخ، بينما الألعاب الجماعية بداية من كرة القدم وصولا إلى الكرة الطائرة مرورا بكرة السلة وكرة اليد وكل الألعاب الجماعية من الصعوبة بمكان أن نأخذ بطولة عالمية فيها بأى شكل من الأشكال. أكثر المصريين الذين نجحوا فى الخارج بعد هجرتهم هم الذين انضموا لنظام البلد الذى انتموا إليه ( أمريكا – كندا – إنجلترا – فرنسا – السويد – ألمانيا... إلخ ) وكل المصريين الذين عملوا فى شركات مصرية أو عربية أو مطاعم أى عمل جماعى عربى أو يقوم عليه العرب حتى لو فى بلد أجنبى يفشل فشلا ذريعا. نحن فعلا نحتاج إلى إعادة تقييم مدى قدرتنا على العمل الجماعى، وأنا هنا لا أقوم بالدعوى لليأس لكن هل يمكن أن نهتم بنقطة الضعف هذه وأن نحاول بكل الطرق العلمية أن نبدأ من الطفولة فى المدارس والحضانات تربية أجيال على العمل الجماعى ؟!
فى النهاية أقول لا داعى للحزن فالخروج من المونديال هو الطبيعى والاستمرار فيه هو الطارئ.
ويكفى اتحاد الكرة والأندية دعوات الشعب المتدين وليتأكدوا أنه لا محاسبة لأن الشعب ومؤسساته الدينية تعلن أن الهزيمة ليست بسبب التقصير لكنه قدر من عند الله وخيرها فى غيرها يا مؤمنين.