ما يقدمه اقتراح ترامب من فرص للفلسطينيين
العالم يفكر
آخر تحديث:
السبت 29 يونيو 2019 - 9:10 م
بتوقيت القاهرة
نشرت مؤسسة Brookings مقالا للكاتب «عمر رحمان» يتناول فيه الحديث عن الفرص للشعب الفلسطينى التى من الممكن استغلالها من اقتراح ترامب بشأن الحل الاقتصادى.
منحت إدارة ترامب القيادة الفلسطينية فرصة نادرة. ففى الفترة التى سبقت ورشة عمل «السلام إلى الازدهار» التى عقدت فى البحرين يومى 25 و26 يونيو، أصدر البيت الأبيض اقتراحا للتنمية الاقتصادية فى مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة. وشملت الوثيقة المكونة من 40 صفحة وقائمة بالعديد من المشروعات على الكثير من الآمال والقليل من التفاصيل.. وحتما الانفصال الكامل عن الواقع. لكنه يوفر فرصة للتحقق من صحة الادعاءات الفلسطينية بأن الإدارة الأمريكية عازمة على حرمانهم من حقوقهم السياسية.
لدى الفلسطينيين كل الحق فى عدم الثقة فى إدارة ترامب. فخلال العامين ونصف العام الماضيين، اتخذ البيت الأبيض سلسلة من الخطوات التى هدفت مباشرة إلى إضعاف المؤسسات الفلسطينية والضغط على القيادة الفلسطينية. فالإضافة إلى إفلاس السلطة الفلسطينية، منعت أيضًا التمويل للمشاريع التنموية والإنسانية فى نفس الوقت الذى دعت فيه بالحاجة إلى التنمية الاقتصادية والحلول الإنسانية. والفريق المسئول عن وضع خطة السلام ــ كبير مستشارى البيت الأبيض جاريد كوشنر، والسفير الأمريكى لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، ومبعوث الشرق الأوسط جيسون جرينبلات ــ قد انشق عن السياسات الأمريكية التى وجدت لعقود بشأن وضع الأراضى المحتلة، بما فيها القدس الشرقية ومرتفعات الجولان، وحل الدولتين.
ووسط الكثير من الشكوك حول ما يسمى بـ«صفقة القرن»، بالإضافة إلى الاضطرابات فى السياسة الإسرائيلية، قرر الفريق الذى يقوده كوشنر تأجيل الإعلان عن المكون السياسى من خطتهم لوقت لاحق والإعلان فقط عن الجزء الاقتصادى. وفى حين أن محاولة فصل الاقتصاد عن السياسة هى فى حد ذاتها محاولة من غير الممكن تحقيقها، إلا أن هذه الخطوة زادت من الشكوك الفلسطينية حول نوايا إدارة ترامب فيما يتعلق بمستقبلها السياسى.
بالفعل غاب من الوثيقة أى ذكر لكيان وطنى فلسطينى. تظهر كلمة «الدولة» فقط فى صيغ «الدول المجاورة» و«الدولة الحديثة». حتى كلمة «الوطنية» تظهر مرة واحدة فقط لوصف مصر ولبنان والأردن. ورغم أن كوشنر لا يرغب فى أن يكون هناك حكم مسبق على النتيجة السياسية، إلا أنه واضح كيف أن الإدارة قامت بتطهير الوثيقة من أى شىء سياسى. فتهدف التنمية الاقتصادية المقترحة فقط إلى تحقيق «مجتمع نابض بالحياة» خالٍ من التطلعات الوطنية.
***
إلى جانب عدم وجود مستقبل سياسى، لا يوجد حتى وجود سياسى، وكما لو أن هذا التطور الاقتصادى سوف يحدث فى فراغ. فعلى سبيل المثال، لا يوجد ذكر واحد للاحتلال العسكرى الإسرائيلى. ولا توجد أى إشارة مباشرة إلى السلطة الفلسطينية أو حماس، والقراءة بين السطور توضح أن إسرائيل ستبقى مسيطرة على حياة الفلسطينيين والاقتصاد الفلسطينى. وبالتالى كيف يمكن تنفيذ مثل هذه الخطة عندما لا يتم الاعتراف بالواقع السياسى؟
يرحب جميع الفلسطينيين بالتنمية الاقتصادية، بما فى ذلك السلطة الفلسطينية. لكنهم يدركون أنه لا يمكن أن يحدث بدون تراجع الاحتلال ومشروع الاستيطان الإسرائيلى. وفكرة أن التقدم الاقتصادى سيولد عنه تقدم على الصعيد السياسى هى فكرة غير مقبولة. فى عام 2009، قدم رئيس وزراء السلطة الفلسطينية سلام فياض مشروع لبناء الدولة لمدة عامين يهدف لدعم مؤسسات الحكم استعدادًا لبناء الدولة. وفشل المشروع، ليس لأن الجهد لم ينجح، ولكن لأنه لم يرافقه أى تغيير فى حالة الاحتلال. فبدون أى تحرك ملموس نحو قيام دولة فلسطينية، محاولة بناء المؤسسات لن تنجح.. وتوحى إلى أن السلطة الفلسطينى تعمل لصالح الاحتلال وليس ضده.
على مدى السنوات الـ25 الماضية، تم ضخ مليارات الدولارات فى الأراضى المحتلة فى مجال التنمية والمساعدات الإنسانية، لكن الاقتصاد كان يتحرك بالفعل فى الاتجاه العكسى. ذلك لأن الاحتلال لا يقيد فقط التنمية الاقتصادية الفلسطينية، بل يفسدها ويعيد توجيه النمو إلى الاقتصاد الإسرائيلى. ووفقا لما قاله الخبير الاقتصادى الإسرائيلى شير هيفر، فإن ما يقدر بنحو 72 فى المائة من المساعدات الدولية المقدمة للفلسطينيين ينتهى بها الأمر فى الاقتصاد الإسرائيلى.
***
ردا على الوثيقة الاقتصادية التى أصدرها البيت الأبيض، قال محود عباس إنه «طالما لا يوجد حل سياسى، فإننا لا نتعامل مع أى حل اقتصادى». واتخذ محمود عباس موقف دفاعى بدون امتلاك استراتيجية واضحة غير رفض كل ما يتم تقديمه من اقتراحات.
لا شك فى أن موقف الفلسطينيين صعب. قطع عباس العلاقات مع الولايات المتحدة قبل 18 شهرًا بعد قرار نقل السفارة الأمريكية فى إسرائيل إلى القدس والاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل. ولكن قطع العلاقات مع الولايات المتحدة لم تكن فكرة جيدة على الإطلاق. وما زال لدى الإدارة الأمريكية العديد من الأدوات التى من الممكن استخدامها لمعاقبة الفلسطينيين. لكن هذا لا يعنى أن على الفلسطينيين الجلوس دون حراك، يردون فقط على المبادرات السياسية لواشنطن.
على الرغم من الأضرار التى يسببها ترامب، إلا أنه بدأ فى تحريك القضية الفلسطينية. وهذا يخلق الفرص، حتى لو كان الوضع الآن ليس فى مصلحة فلسطين. يمكن أن يبدأ الأمر من اقتراح اقتصادى. وبدلا من رفضه، يمكن للقيادة الفلسطينية أن تنشر رسالة فى وسائل الإعلام بأن من المحبب إليها قبول هذه الرؤية الاقتصادية إذا اقترنت مع إعطائها حقوق سياسية كاملة، إما فى شكل دولة خاصة بها أو داخل دولة علمانية ثنائية القومية. ومثل المواطنين فى أمريكا وإسرائيل، يعلن الفلسطينيون عن حقهم فى التصويت وانتخاب القادة الذين يحكموهم ورفضهم للعيش تحت هيمنة قوة أجنبية. ولا يمكن لأى قدر من المساعدة الإنمائية أن يحل محل هذا الحق.
فى حين أن القيادة الفلسطينية ليست فى حاجة إلى الانخراط المباشر مع الإدارة الأمريكية، إلا أنه يجب ألا تعارض الآخرين من حضور المؤتمر. هناك ضرر ضئيل ينتج عن التعهد بضخ الأموال، لأن تلقى التنمية الاقتصادية لا يبطل الحقوق الفلسطينية. لكن إذا حاولت الإدارة الأمريكية جعل الحقوق الفلسطينية متوقفة على ذلك، فبمجرد أن يتم طرح الأموال الحقيقية على الطاولة، فسوف يظهر نفاق وابتزاز الإدارة الأمريكية. فقط دع كوشنر يجرب ويقول: «آسف، لا يمكنكم الحصول على هذه الأموال من أجل التنمية الاقتصادية ما لم تتخلوا عن حقوقكم السياسية».
هناك فرص أخرى أيضا. تضعف سياسات الإدارة الأمريكية مصداقية الولايات المتحدة لدى العديد من حلفائها، وخاصة فى أوروبا، وتفشل ما تبقى من عملية السلام.
وعلى الرغم مما انتجته عملية السلام من مزايا، إلا أنها حددت من قدرة الفلسطينيين على المناورة. ففى كل مرة كانوا يسعون فيها إلى الاستفادة من مواردهم المحدودة للضغط على إسرائيل، يتم دفعهم إلى الوراء.. إلى طاولة المفاوضات لكى يناقشوا عليها ما يتعرضون له من مظالم.
الآن قد يكون الفلسطينيون قادرين على إقناع الأوروبيين بضرورة ممارسة ضغوط أكبر على إسرائيل. وعليهم إطلاق حملة دولية قائمة على الخطاب عن الحقوق والحريات. لأن يمكن للناس فى جميع أنحاء العالم أن يفهموا بسهولة الطلب على الحقوق السياسية وحقوق الإنسان أكثر من فهم تعقيدات قضايا مبادلة الأراضى وحدود 1967... إلخ.
يمكن للفلسطينيين أن يذهبوا أبعد من ذلك ويستغلوا هذه اللحظة لتقديم خطة سلام فلسطينية تجمع بين التنمية الاقتصادية وأهداف سياسية واضحة قابلة للتحقيق. سيرى العالم أن الفلسطينيين ليسوا مجرد رافضين، ولكن لديهم مطالب مشروعة يمكن تنفيذها.
إعداد: ابتهال أحمد عبدالغني
النص الأصلي