فن التوفير

غادة عبد العال
غادة عبد العال

آخر تحديث: الأربعاء 29 يوليه 2009 - 10:18 م بتوقيت القاهرة

 التوفير هو اختراع مصرى أصيل.. نمارسه منذ فجر التاريخ أيام ما كان الأوروبيون وأبناء الدول الغربية الشقيقة بيلعبوا كيكا ع العالى ونطة الإنجليز فى كهوفهم العارية بينما يكنز الفراعنة القدماء ذهبهم أكوام أكوام أكوام فى الفسحة (ده طبعا قبل اليهود ما يسلكوها منهم بصنعة لطافة ويخلعوا).

أما فى العصور الحديثة فقد كان للمصريين إسهامات علمية مهمة فى مجال التوفير تتخذها دول العالم كافة كمثال يحتذى ودليل دامغ على عبقرية مصرية غير متكررة.. طبعا مش توفير فى المياه أو فى الغذاء أو فى الكهرباء لأن دى أشياء تافهة ما تفرقش معانا بتاتا.. إحنا وصلنا لمرحلة أعمق وأهم وبنوفر فى السلع الحيوية الهامة.. كيس شامبو لغسلة واحدة وكيس سمن لطبخة واحدة وكيس مسحوق غسيل لزوم الزنقات وكيس معجون أسنان عشان لو هفك الشوق تحبس بيه مرة مع واحد شاى بعد الغدا.. حتى فى مجال الأدوية واللى الناس المبذرين التانيين بيعملوا لصرفها قواعد ولتناولها مخططات ومواعيد وكورسات لازم تكمل عشان الأدوية تبقى فعالة وتدى التأثير المطلوب.. بنرمى بكل قواعدهم السفيهة عرض الحائط وبنشترى أدويتنا بالقرص والكبسولة والأمبول وجارى البحث عن وسيلة عملية تخلينا نشترى أدوية الشرب بالشفطة.. لكن سيبك من البيع والشرا خلينا فى اختراعات التوفير المصرية الأهم.. يعنى مثلا: إيه اللى يخلى أى موظف يقوس ضهره ويهد حيله ويشتغل لهم 4 ــ 5 ساعات فى اليوم.. ومالهم الـ27 دقيقة اللى فاضحينا بيهم فى كل حتة فى العالم؟

وليه الطالب يمقق عينه فى مذاكرة منهج طويل عريض.. وماله التنشين والملخصات والأسئلة المتوقعه.. مش بتأدى الغرض برضه والا هى تناكة وخلاص؟.. لاعيبة الكورة يحرقوا فى أعصابهم ويكسبوا ماتشين تلاتة ورا بعض ليه؟.. ما هى كده فيها فلوس وكده فيها فلوس.. طول عمرنا عايشين حياتنا بقواعد ذهبية كتيرة زى «على قد لحافك مد رجليك» و«اللى يبص لفوق يتعب» و«من سهر الليالى بات للعام التالى» جرالنا إيه يعنى؟

ونحنس نفسنا ليه بحاجات مش هنقدر نوصل لها؟.. إحنا دولة نايمة.. سيبونا ناخد تعسيلتنا فى هدوء وبلاش دوشة.. (دبى) إيه اللى هنقارن نفسنا بيها.. يا عم دول كل واحد فيهم بيحفر تحت عتبة بيتهم يلاقى بير بترول.. (هند) إيه اللى هنبص عليها؟.. وإيه يعنى متقدمين فى الإلكترونيات؟.. وهيستفيدوا إيه لما هيطلعوا القمر.. دول حتى بيقولوا (رأس البر) برقبته.. دول إيه اللى بتتقدم كل يوم وتسيبنا فى طابور الدول المتخلفة لوحدنا.. بكره يندموا هو فيه أحلى من تكبير الدماغ؟.. شوف انت حالك بس.. شهادة إيه وبحث علمى إيه ونظريات إيه؟.. يا عم ما تتعبش قلبك.. إطلعلك سنتين السعودية.. كام ألف جنيه على كام ألف جلدة وارجع افتحلك محل موبايلات وكله هيبقى إشطة إن شاء الله.. هى دى ثقافة الفقر اللى بيقولوا عليها والا ده فن جديد ما شاء الله علينا اخترعنا واحترفناه اسمه فن التوفير؟

أزمة اقتصادية وضيق حال وأزمات مالهاش أول من آخر بس؟.. والا معاهم أنتخة وقلة طموح واستسهال.. اللى بيشتكى إنه مش عارف يدخل كلية نفسه فيها أول ما بيحط رجله فيها بيوفر دماغه.. اللى بيشتكى إن مافيش شغل أول ما بيشتغل بيوفر مجهوده.. اللى بيحلم بحاجة اللى حواليه بيخنقوه ويخلوه يوفر أحلامه.. واللى فى إيده حاجة يحقق بيها مصلحة للبلد بيوفر كل حاجة يقدر عليها ويحوله على مكتب بريد سويسرا ورا محطة البنزين.. بنلوم ع الحكومة وعلى النظام.. ليهم أخطاؤهم.. لكن إحنا كمان اتعودنا فى كل حاجة على التوفير.. وفر جهدك.. وفر دماغك.. وفر أحلامك.. وفر طموحاتك.. لكن ما تزعلش بعدها وتسأل أنا ليه ماباتقدمش خطوة واحدة للأمام.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved