قراءة فى المشهد الإيرانى

أمل حمادة
أمل حمادة

آخر تحديث: الخميس 29 يوليه 2010 - 11:01 ص بتوقيت القاهرة

 فى الأسبوع الثالث من شهر يوليو الحالى طالعتنا وكالات الأنباء بأنباء عن انفجارين فى أحد المدن جنوب شرق إيران بالقرب من الحدود الباكستانية، وأسفر الانفجاران عن مقتل وجرح مئات الأشخاص. لم تكن هذه الحادثة هى الأولى من نوعها فى هذه المنطقة التى أعلنت جماعة جند الله السنية مسئوليتها عنها كمسئوليتها عن انفجارات سابقة طالت نفس المنطقة واستهدفت مساجد شيعية وأفرادا من الحرس الثورى، أقوى الأجهزة الأمنية للدولة الإيرانية.

وسرعان ما صدرت التصريحات الايرانية مهاجمة الغرب المتآمر على استقرار واستمرار النظام الإيرانى ومحددة الولايات المتحدة وإنجلترا والمملكة العربية السعودية وباكستان كدول مدعمة ومساندة لهذه الجماعة الارهابية. وقبل هذا بأيام قليلة، أعلنت وكالات الأنباء العالمية والإيرانية عن عودة العالم الإيرانى شهرام أميرى، المختفى منذ نحو عامين أثناء رحلة حج إلى المملكة السعودية.

حدثان لا يبدو أن هناك صلة بينهما؛ ولكن ما سبق ذكره من تشابك العناصر فى المشهد الإيرانى يفرض قراءة مختلفة قد تربط بينهما، وترى فيهما محاولات من بعض القوى الدولية لإدارة الصراع مع النظام الإيرانى حول ملفات متعددة، كالدور الإيرانى فى العراق أو تطورات المفاوضات الدولية حول الملف النووى الإيرانى من خلال استخدام أدوات متعددة لا تستبعد العنف أو الدعاية. الأول من حيث زمن الحدوث (وليس بالضرورة الأهمية) هو عودة العالم الإيرانى الذى اختفى قبل عامين واتهمت وقتها إيران الولايات المتحدة الأمريكية باختطافه بمعاونة المخابرات السعودية.

عقب عودته إلى طهران أعلن أنه تعرض لعمليات من التعذيب المادى والمعنوى أثناء فترة اختطافه، تبعتها عمليات إغراء مادية حتى يعلن فى وكالات الأنباء الغربية والأمريكية عن رغبته فى اللجوء السياسى للولايات المتحدة الأمريكية، وأكد أنه استطاع الهروب إلى مكتب رعاية المصالح الايرانية بالسفارة الباكستانية ومنها أعلن رغبته عن العودة إلى طهران. من جانب آخر أعلنت الإدارة الأمريكية أن أميرى كان موجودا فى الولايات المتحدة بإرادته الحرة ومن ثم مغادرته إلى بلاده كانت أيضا بإرادته الحرة، ثم سربت تقارير فى جريدة النيويورك تايمز عن أن السيد أميرى كان يعمل لصالح المخابرات الأمريكية لسنوات طوال سبقت مغادرته لإيران، وأنه كان مسئولا عن تزويد الجانب الأمريكى بمعلومات مهمة عن البرنامج النووى الإيرانى السرى، وأن اختفاءه كان مقدمة لاستقدام عائلته التى كانت ماتزال مقيمة فى طهران. لم تجب هذه التقارير لماذا قرر السيد أميرى العودة إلى طهران والمخاطرة بمواجهة عواقب هذه الرواية إن صحت، وإن كانت المحصلة النهائية لهذه القضية إيجابية للنظام الإيرانى الذى ظهر أمام الرأى العام الداخلى على أنه الخيار الوحيد فى مواجهة إغراءات وتهديدات الشيطان الأكبر.

الحدث الثانى هو الانفجار الذى طال المسجد الشيعى فى زاهدان جنوب شرق البلاد فى أثناء الاحتفاء بمولد الامام الحسين وراح ضحيته المئات بين قتلى وجرحى، وأعلنت جماعة جند الله السنية مسئوليتها عن الانفجارات انتقاما لإعدام زعيمها عبدالملك ريجى على يد السلطات الايرانية فى يونيو الماضى عقب سلسلة من التفجيرات اعتبرت الأعنف فى تاريخ الجمهورية الاسلامية.

كانت هذه الجماعة قد ظهرت منذ سنوات قليلة للدفاع عن حقوق الأقليات السنية فى إيران، ووردت تقارير عديدة تربط بين هذه الجماعة وإدارة الرئيس الأمريكى السابق بوش فى إطار جهود الأخيرة لزعزعة استقرار النظام الايرانى. واستطاعت هذه الجماعة فى السنوات الماضية القيام بعدد من الهجمات المسلحة فى إقليم بلوشستان الذى يعانى من الفقر والتهميش وارتفاع معدلات الجريمة وتهريب المخدرات والسلاح لقربه من الحدود الباكستانية غير المستقرة أمنيا وسياسيا.

وبالرغم من الإدانة العالمية للعملية الأخيرة واعتبار الإدارة الأمريكية على لسان وزيرة خارجيتها أن هذه العملية مع غيرها من التفجيرات التى طالت مناطق عديدة من العالم تشير إلى ضرورة توحيد الجهود العالمية فى محاربة الارهاب، فإن توقيت العملية وحجمها والتداعيات السياسية التى ارتبطت بها على المستوى الدولى قد تشير إلى مساندة غربية لا تنفى بالضرورة دعما ماديا أو معنويا لجندالله والأهم من ذلك إلى ترحيب بالآثار السلبية التى طالت سمعة النظام الإيرانى أمنيا وسياسيا عقب الانفجارات، وخصمت مما يبدو انتصارا للنظام فى قضية العالم الإيرانى العائد من الأراضى الأمريكية.

السؤال المهم هنا من الخاسر من استمرار الهجمات المسلحة التى يسقط العشرات والمئات ضحايا لها؟ هل يمكن أن استمرار هذه الهجمات والدعم الغربى المستتر لها من شأنه أن يرغم النظام الإيرانى على التراجع فى ملفات أخرى فى المنطقة كالملف العراقى أو الملف النووى؟. أم أن استمرار هذه الهجمات من شأنه أن يوحد الجبهة الداخلية الايرانية وراء النظام الذى يظهر فى هذه الحالة مدافعا عن الاستقرار ومحاربا لقوى الارهاب الاقليمية والتى تستغل مناطق الضعف لكى تضرب الأنظمة السياسية، حتى فى ظل وجود مشكلات حقيقية يعانى منها السنة فى إيران على المستوى السياسى والقانونى والأمنى؟

الواقع أن قراءة السنوات الثلاثين منذ نجاح الثورة الإسلامية فى إيران والضغوط الدولية التى تعرضت لها تكشف لنا عن قدرة النظام على استغلال هذه الضغوط ليوحد جبهته ويضرب قوى داخلية، مما ينتج لنا مشهدا مليئا بالتفاصيل والألوان يشبه السجاد الإيرانى يشدنا إليه دون أن نفهم كل تفاصيله، يبهرك اللون ويأخذك التصميم ولن تستطيع أن تعرف من أين بدأ غزل هذه اللوحة المتقنة التى تبدو بالغة البساطة ولكن فى الوقت نفسه لا يمكن لك فى وقت قصير أن تدرك كل التفاصيل المرتبطة بالتصميم؛ فإذا نظرت من أعلى السجادة ستجد تمازجات الألوان والأشكال تأخذك فى اتجاه يختلف تماما عما إذا نظرت من الجهة الأخرى. فقد تفاجئك زاوية مختلفة للرؤية بألوان وأشكال وأبعاد جديدة، وقد تحتاج لمعرفة بعض التفاصيل عن صانع السجادة لكى تفهم خلفيات وتفاصيل المشهد المرسوم أمامك.

المراقب من بعيد يرى ببساطة أن إيران إما تنتمى لمعسكر الشر أو لمعسكر الخير، وكلما حاولت الاقتراب كلما أغرقتك التفاصيل وتشابكت الخيوط وصعب عليك تحديد وفهم المواقف بحيث ينتهى الأمر كحال مشاهد السجاد الإيرانى إما معجبا مفتونا ومبهورا بالقدرة الإيرانية الهائلة على صنع التفاصيل وحبك التصميم، وإما متوجسا ومتشككا من عدم قدرته على الإلمام بكل الخيوط ومقدرا أن وراء كل هذا مؤامرة كبرى يحيكها الغرب مرة والمسلمون مرات حسب زاوية الرؤية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved