تسوية مهددة: اتجاهات الحوار التركى ــ الأمريكى حول المنطقة الآمنة بشمال سوريا
مواقع عربية
آخر تحديث:
الإثنين 29 يوليه 2019 - 10:10 م
بتوقيت القاهرة
نشر مركز المستقبل تقريرا نعرض منه ما يلى:
انطلقت فى أنقرة أولى اللقاءات الأمنية التى تجرى بين المسئولين الأمريكيين والأتراك، وتهدف إلى احتواء التصعيد بين تركيا وميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» على خلفية تهديد أنقرة بإقامة منطقة آمنة شمال شرقى سوريا بالقوة العسكرية، وهو ما مثل الدافع إلى عقد تلك اللقاءات على الرغم من التوتر الذى تشهده العلاقات التركية ــ الأمريكية على الجانب الآخر بسبب حصول تركيا على صفقة صواريخ «Sــ400» الروسية. وتكشف نتائج المباحثات التى أجريت فى الفترة من 22 إلى 24 يوليو 2019، بمشاركة المبعوث الأمريكى الخاص إلى سوريا جيمس جيفرى، عن وجود عقبات عديدة تحول دون تقليص مساحة الخلافات، على نحو يفرض حدودا معينة لأية تسوية محتملة قد يتم التوصل إليها بين الأطراف المعنية.
معطيات جديدة
يبدو أن هناك اتفاقا مبدئيا على انعقاد تلك المباحثات، بشكل يمكن أن يجنب الأتراك والأكراد خوض معركة عسكرية، على الرغم من إصرار تركيا على التلويح بالخيار الأخير فى حالة ما إذا لم تصل المباحثات إلى نتائج إيجابية فى النهاية، على نحو انعكس فى تصريحات وزير الخارجية التركى التى قال فيها: «سنطلق عملية فى شرق الفرات إذا لم تتأسس المنطقة الآمنة المزمعة فى سوريا، وإذا استمر تهديد تركيا»، مضيفا أنه «يأمل فى التوصل إلى اتفاق بخصوص المنطقة الآمنة بعد المحادثات مع جيفرى».
كذلك، فإن الولايات المتحدة ربما تتجاوز بدورها فكرة ممارسة دور الوساطة بين الطرفين، خاصة فى ظل تراجعها عن قرار سحب قواتها من شمال سوريا وفقا للإعلان السابق من جانب الرئيس دونالد ترامب، حيث أكد وزير الدفاع الجديد على أن بلاده ستبقى على قوات فى سوريا، وقال، خلال جلسة استماع فى الكونجرس فى منتصف يوليو الحالى، أن «القوات المسلحة الأمريكية المتبقية فى شمال شرقى سوريا ستبقى هناك كجزء من القوة متعددة الجنسيات لمواصلة الحملة ضد داعش»، مضيفا: «حرصا على أمن العمليات لن أناقش عدد القوات أو المواعيد النهائية للإجلاء».
وقد فسرت اتجاهات عديدة حديثه حول تشكيل «قوة متعددة الجنسيات» باعتباره يشير إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية بصدد إعادة هيكلة الوجود العسكرى فى سوريا، وسط ترجيحات بأن تلك القوات ستتمركز فى مناطق الأكراد بشمال شرق سوريا التى يجرى التفاوض حولها.
عقبات محتملة
يمكن القول إن ثمة عقبات رئيسية ثلاث سوف تواجه استمرار هذا الحوار، تتمثل فى:
مفاوضات تحت التهديد: تتعجل أنقرة نتائج الحوار سعيا إلى تشكيل منطقة آمنة طبقا للشروط التى تتبناها، وتضغط باتجاه اجتياح المناطق الكردية. ووفق تقارير محلية، فإن الميليشيا الكردية بدأت الانسحاب من بعض النقاط الحدودية منذ 19 يوليو الحالى على خلفية مواصلة أنقرة حشد قواتها العسكرية مع شن هجمات جوية، فى بعض الأحيان، على مدن مختلفة مثل الحسكة والقامشلى. فى حين تشير تقارير ميدانية روسية إلى أن تركيا لم تكتف بتلك المناطق وإنما تعزز انتشارها على طول الحدود المشتركة، بالتوازى مع إرسالها مدرعات عسكرية إلى مدينة أغجقلة.
كما قامت القوات التركية بعمليات حفر فى بعض المناطق وإزالة بعض الأجزاء فى الساتر الحدودى فى مناطق أخرى، على نحو يشير إلى تصميم أنقرة على ترسيم المنطقة الآمنة من خلال ممارسة الضغوط وتوجيه التهديدات، فى مؤشر على أنها قد تنفذ تلك التهديدات حال لم يتم التوصل إلى اتفاق.
غياب الضمانات: يراهن الأكراد على الدور الأمريكى بالنظر إلى طبيعة العلاقة بين الجانبين، والتى تطورت بشكل ملحوظ خلال الشهور الأخيرة وفقا لمؤشرات عديدة، إلا أن تلك المؤشرات لم تتضمن دعما عسكريا مقابلا لمواجهة التعزيزات العسكرية على الحدود مع تركيا، وهو ما يمكن تفسيره فى إطار اعتبارات عديدة، منها أن الولايات المتحدة تعتمد على تسليح قواتها فى تلك المنطقة دون تسليح مقابل للأكراد، وأنها لا تريد التصعيد مع تركيا فى ظل التوترات القائمة بينهما.
ويبدو أن ذلك هو ما دفع الميليشيا الكردية إلى إصدار بيان يشير إلى أنها تتبنى الحل السلمى وليس التصعيد فى ظل إدراكها للتداعيات التى يمكن أن يفرضها هذا التصعيد خاصة بعد تجربة الصدام فى عفرين والتى خسرتها واحتلتها قوات تركية، بما يعنى أنها لا تريد مزيدا من الخسائر الميدانية، لكن على الرغم ذلك يتضح أنه لا توجد ضمانات على أن أى اتفاق يمكن أن يحد من الصدام على الجانبين.
الملفات المؤجلة: لا يبدو أن التفاهمات التى يمكن الوصول إليها تتسع لتشمل كل الملفات الخلافية، حيث يتوقع فى حال إنجاز تلك التفاهمات أن تتوقف على مشروع تأسيس منطقة آمنة بين الأتراك والأكراد ولا تمتد إلى النقاش حول طبيعة الصراع المعقد بين الجانبين. إذ لن تتخلى تركيا عن اتهامها للأكراد بأنهم «جماعة إرهابية محظورة»، فيما لن يتراجع الأكراد عن مشروعهم فى الداخل السورى، والذى سيظل على صدام مع تركيا وفواعل آخرين فى الداخل.
واللافت للانتباه أن النظام السورى ظل بعيدا عن تلك المباحثات الثنائية وما ستفرضه من ترتيبات، لكن ذلك لا ينفى أنه يتابع المسارات التى يمكن أن تتجه إليها التفاهمات التى تجرى حول ترتيبات الوضع شرق الفرات، خاصة أن الميلشيا الكردية تتبنى رؤية قائمة على ترتيب الأوضاع لصالحها مع ضمان وجود قوات غربية بقيادة أمريكية، الأمر الذى لن يوافق عليه النظام الذى يسعى إلى تكريس نفوذه فى تلك المناطق.
إلى جانب ذلك، فإن ملف التغيير الديموغرافى فى مناطق شمال وشرق الفرات يحظى باهتمام خاص فى تلك المباحثات، حيث تثير تركيا قضية عودة السوريين إلى بلادهم بالتوازى مع الحوار، وهو ما يعنى أنها لن تكتف فقط بالمنطقة الآمنة، حيث لا تريد سيطرة كاملة للأكراد فى تلك المناطق.
فى النهاية، تشير محصلة التطورات الحالية الخاصة بالملف الكردى إلى أن التفاهمات التى يمكن التوصل إليها سوف تظل مؤقتة ومحفوفة بمخاطر التصعيد، فى ظل الصدام بين المشروعين الكردى والتركى، حيث لا تمثل عملية تأسيس منطقة آمنة سوى بند واحد فى قائمة طويلة من الخلافات بين الجانبين، والتى ستبقى متغيرا رئيسيا فى تحديد اتجاهات العلاقة بينهما فى المستقبل.
النص الأصلى:
https://bit.ly/2YsbWRs