هل من حلول لمشكلات الأحزاب؟
عمرو هاشم ربيع
آخر تحديث:
الخميس 29 يوليه 2021 - 9:05 م
بتوقيت القاهرة
فى خضم مواجهة الدولة لعديد المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التى يرزح تحتها المواطن، خاصة المشكلات المرتبطة بالمعاشات والصحة والنقل والطرق فى الحضر والريف، ما زالت الأحزاب السياسية بعد تجربة التأسيس الثالثة التى بدأت فى 11 نوفمبر 1976 تراوح مكانها دون أى تقدم يذكر فى الأداء. ما يجعل الدولة ملزمة بفتح هذا الملف فى القريب العاجل.
لقد كانت الأحزاب منذ التأسيس الثالث، تتعرض لضغوط من الداخل مرتبط بهشاشة التنظيم وقلة التمويل ودكتاتورية القيادة ومشكلات مرتبطة بآلية اتخاذ القرار، وكذلك ضغوط خارجية تتعلق بسطوة الأمن وإعمال قانون الطوارئ والملاحقة الأمنية لكوادر الأحزاب، بدءًا من التأسيس إلى العمل.
وقد تلكأت الأحزاب فى تطوير ذاتها، خاصة بعد أن سعت إلى الترويج بأن الضغوط الخارجية التى تعمل فيها هى سبب محدودية الأداء. على أنه بعد أن رفعت أغلبية (وليس كل) القيود الخارجية عقب أحداث 25 يناير 2011، ومع استمرار الأحزاب فى أدائها الضحل، ثبت على أرض الواقع أن حال الأحزاب نفسه هو السبب الرئيس للعديد من مشكلاتها.
لكل هذه الأمور فإن هناك استحالة فى أن تتطور الأحزاب إلا عبر الأساليب التى ثبت نجاحها فى البيئة التى نشأت فيها الأحزاب، وهى أوروبا الغربية، مع الأخذ فى الاعتبار ضرورة أن تكون تلك الأساليب والآليات تصلح فى التعامل مع الأحزاب فى البيئة المصرية. إضافة بالطبع إلى ضرورة إصلاح بعض الأمور التى ترتبط ببيئة عملها من خارجها.
فى هذا الإطار، كان ينبغى وضع ملامح عامة لتطوير الأحزاب، بغية أن تعود للتفاعل مع الجماهير، بدلا من غيابها الذى أصبح بمثابة سمة لغالبيتها.
أولى تلك الملامح هى أهمية وضع مبادئ الحوكمة فى الأحزاب، مع الأخذ فى الاعتبار أن الحديث هنا يجرى على مؤسسات سياسية، وليس مؤسسات اقتصادية، وفى هذا الصدد من الأهمية بمكان وضع الأسس الضامنة للتداول السلمى للسلطة داخل الأحزاب. وذلك كله عوضًا عن الوضع الحالى المتعلق باستبداد القيادات وسلطوية اتخاذ القرار، والذى يجب أن يجد صداه ليس فقط فى لوائح الأحزاب، ولكن (وهذا هو الأهم) فى التطبيق إذا ما اتسمت بعض تلك اللوائح بالديمقراطية.
من المفيد فى ذات الإطار إعمال قواعد الديمقراطية الداخلية فيما يتعلق ليس فقط بديمقراطية اتخاذ القرار، بعيدا عن قواعد التراضى والتوافق السائدة، بل وأيضا انتخاب المستويات التنظيمية فى الأحزاب وتداول السلطة داخلها، ووضع آليات واقعية لفض المنازعات الداخلية، وذلك بعيدًا عن قواعد التزكية أو التعيين المعمول بها فى أغلب الأحيان.
كذلك من المهم التأكيد على دورية عقد المستويات التنظيمية للحزب، باعتبارها الضمانة الرئيسة للعملية الديمقراطية والتجنيد السياسى، وذلك مقابل شكلية وتكلس وسطحية تلك المستويات حاليا، مما سيؤدى لتواجد كادر معطاء ومقاتل يسعى لمحاسبة القيادات الراهنة للأحزاب، ويتم ذلك كله عبر تغيير اللوائح ديمقراطيًا، مما يهدف معه إلى دعم الثقة ومصداقية المواطن فى الأحزاب، بدلا من الوضع الراهن الذى يصبح فيه الاستقلال عن الأحزاب هو القاعدة، والانضمام إليها هو الاستثناء.
إضافة إلى ما تقدم، من المفيد للغاية إعمال قواعد الشفافية والرقابة الكاملة على جميع المستويات الحزبية التنظيمية، لا سيما ما يتعلق بموازنة الحزب السياسى، بدلا من حالة الفساد والإفساد، والذى أوصل عديد خلافات الأحزاب ــ وكثير منها مالى ــ لردهات المحاكم.
فى نفس الإطار يصبح من الأهمية البحث عن مصادر تمويل مشروعة الأحزاب، بممارسة بعض الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية لتمويل أنشطتها السياسية. وفى هذا الشأن يمكن الإشارة إلى إمكانية تقنين قيام الأحزاب بممارسة أنشطة كتلك التى يمولها الصندوق الاجتماعى للتنمية وكذلك مشروعات تعليمية وصحية عديدة كتلك التى تقوم بها الجمعيات الأهلية، مع إمكانية تأمين ذلك بوضع تلك الأنشطة تحت رقابة أجهزة محاسبية رسمية لمنع الفساد. أيضا من المفيد فتح باب التبرع للأحزاب من قبل الجهات والمؤسسات والمنظمات المصرية، ذات الشخصية الاعتبارية، وهذا الأمر لن يضير الدولة، لأنه منفذ بالفعل فى الجمعيات الأهلية. وكذلك قيام الدولة بتقديم دعم مالى للأحزاب، شرط أن يرتبط هذا الدعم بتمثيل الحزب عبر الانتخاب فى المجالس النيابية والمحلية. وإعفاء صحف الأحزاب من جميع الضرائب أسوة بمقارها، وإعفاء التبرعات بمختلف مصادرها من أوعية الضرائب النوعية، أسوة بالإعفاءات الضريبية لرجال الأعمال.
يبقى خارجيًا أمرين. الأول، مواجهة العدد الكبير للأحزاب السياسية عبر آليات دمج الأحزاب المتشابهة ضمن التيارات الأربعة المعروفة مصريا، وهى الليبرالية ــ اليسارية ــ الوسطية ــ الإسلامية. والثانى، إنعاش الحياة الحزبية بتمثيلها بالبرلمان، عبر نظام القوائم النسبية الحزبية عوضًا عن نظام القوائم المطلقة المهجور عالميًا، والقائم على التزكية أو التعيين المقنع فى البرلمان.