نشرت صحيفة جيروزالم بوست مقالا للكاتب إيدو أهارونى، شرح فيه الدبلوماسية الإسرائيلية الحالية، ثم تطرق إلى ضرورة تبنى إسرائيل نهجا دبلوماسيا جديدا «دبلوماسية الفرص» إذا أرادت تعظيم مصالحها... نعرض منه ما يلى.يقود يائير لابيد وزارة الخارجية الإسرائيلية فى فترة مليئة بالتحديات المعقدة، ولكن من خلال تبنى نهج «دبلوماسية الفرص»، يمكن للابيد بناء جسور مع الدول وتعزيز مصالح دولته بنجاح.
ولفهم الدبلوماسية الإسرائيلية بشكل صحيح يجب على المرء أن يفهم الطبيعة العسكرية للمجتمع الإسرائيلى. فمن يتابع وسائل الإعلام الإسرائيلية سيلاحظ أنها تحتفل بانتظام بالأحداث المتعلقة بالجيش الإسرائيلى، حتى تلك التى تتعلق بتعيينات المناصب منخفضة الرتب. كما تعتبر وسائل الإعلام الوطنية الدورات التدريبية الروتينية مهمة. باختصار، حكم القلق إسرائيل لعقود من الزمن، وكان الاحتفال بالمؤسسات الأمنية للبلاد ــ الجيش الإسرائيلى والموساد ووكالة الأمن الإسرائيلية ــ هو أحد أعمدة فلسفتها.
كان لمركزية الأمن الإسرائيلى تداعيات عميقة على فلسفة الدبلوماسية الإسرائيلية. بكلمات أخرى، نادرا ما كان القادة الإسرائيليون يميلون إلى ممارسة الدبلوماسية البحتة. ينبع هذا على الأرجح من اعتقاد حقيقى بأن «الدبلوماسية هى استمرار للحرب بوسائل أخرى». فالهدف من الدبلوماسية، فى نظرهم، هو «مساعدة» الجيش فى تحقيق نصر حاسم.
بشكل أساسى، الدبلوماسية تتعلق بإقامة علاقات دائمة مع الأشخاص والمؤسسات، لتعزيز المصالح الذاتية للبلد. وفى حالة الصراع، يتمثل دور الدبلوماسية فى إيجاد الفرص والحلول.
تاريخيًا، لم تكن إسرائيل قادرة على ممارسة «دبلوماسية الفرص»، وكان يتم تصنيف من يحاول تطبيق هذا النهج بأنه حالم خطير، مثل موشيه شاريت وشمعون بيريز فى التسعينيات. فمثل هذه الدبلوماسية ــ التى تهتم بالفرص بدلا من هزيمة وسحق الطرف الآخر ــ يُنظر إليها على أنها تتعارض مع الدفاع عن مصالح إسرائيل.
وفى الواقع، أدى إعطاء الأولوية للحفاظ على وجود إسرائيل ومواجهة التهديدات على حساب ممارسة دبلوماسية الفرص إلى وضع الشئون الخارجية الإسرائيلية فى وضع غير مرغوب فيه، لذلك يجب على وزارة الخارجية ــ بقيادة لابيد ــ تعيين محترفين ومحترفات يمكنهم تحويل الخدمة الخارجية إلى منظمة عالية التخصص تتمتع بخبرة عالمية فى المجالات الرئيسية. وإن ما يسمى بحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات هو مثال ممتاز: فبدلا من التركيز على المقاطعين، وهم أقلية صغيرة، كان ينبغى تطوير استراتيجية عالمية لبناء علامة تجارية إسرائيلية بين الـ95٪ ممن لا يهتمون بالسياسة والشرق الأوسط.
لكن عدم إعطاء الأولوية لدبلوماسية الفرص ليس هو المأزق الوحيد للدبلوماسية الإسرائيلية، فإدارة الشئون الخارجية كانت تفتقر إلى البصيرة والاستعداد للاضطراب التكنولوجى للدبلوماسية التقليدية. تم إعاقة الدبلوماسية التقليدية بشدة بسبب التكنولوجيا وثورة المعلومات. ومع ذلك، لا تزال الدبلوماسية التقليدية إقليمية إلى حد كبير. لكن سيكون من الحكمة إعادة ضبط الدبلوماسية التقليدية للتعامل بفعالية مع الكيانات الجديدة فى السياسة العالمية: الشركات متعددة الجنسيات (خاصة عمالقة التكنولوجيا) والمدن الكبرى.
يجب أن تضع الدبلوماسية الإسرائيلية خطة لإشراك شركات مثل أمازون، مع الاعتراف بأنه فى عالم اليوم، إذا كان هناك كيان يمكنه التعامل مع أزمة الغذاء العالمية، فقد يكون أمازون، وليس الأمم المتحدة. وبالمثل، لم تُولِ الدبلوماسية الإسرائيلية اعتبارًا كبيرًا للمدن باعتبارها أهدافًا ذات صلة. قد يفسر ذلك عدم توسيع قنصلية إسرائيل فى لوس أنجلوس، وهى بلا شك واحدة من أهم المدن فى العالم، منذ الخمسينيات.
بعبارة أخرى، تجاهلت إسرائيل القوى الناشئة فى السياسة العالمية، استمرت فى تكريس اهتمام وطاقة غير متناسبين للأمم المتحدة. ربما كان هذا مبررًا عندما كان وجود إسرائيل موضع تساؤل خلال السنوات الأولى. ولكن الآن هذا غير مبرر فى كل الأحوال. يجب إيقاف هذا الهدر فى الطاقة التنظيمية وإعادة توجيهها إلى مكان آخر.
حتى يومنا هذا، تميل الدبلوماسية الإسرائيلية بشدة نحو أوروبا: 28 بعثة دبلوماسية فى أوروبا، و10 فقط فى الولايات المتحدة، و5 فى البلدان الصينية، واثنتان فقط فى الهند. من المؤكد أن أوروبا مهمة، لكن يجب أن تنظر إسرائيل أيضًا لأماكن أخرى: آسيا فى المقام الأول، مع التركيز بشكل أكبر على الصين والهند، وكذلك أمريكا الشمالية.
لقد ثبت أن نهج إسرائيل (النظر للتهديدات لا الفرص) غير ملائم فى حالة صفقة الولايات المتحدة وإيران. وبغض النظر عن النتيجة النهائية (إيران لم تكن أبدًا أقرب إلى قنبلة نووية ــ وهذا بلا شك، أكبر فشل دبلوماسى فى تاريخ إسرائيل)، تخلت إسرائيل طواعية عن فرصة ممارسة الدبلوماسية، وانتهى بها الأمر بدون مقعد حول طاولة المفاوضات.
منذ ما يقرب من 20 عامًا، تم تنبيه الخارجية الإسرائيلية إلى أن هذا آتٍ. لكن ما الواجب فعله الآن؟. لابد من دعوة المئات من المؤثرين والمؤثرات لزيارة إسرائيل، وإطلاق برنامج وطنى لزيادة عدد الطلبة الذين يدرسون بالخارج (من ثلاثة آلاف حاليًا إلى ما لا يقل عن 50 ألفًا سنويًا)، وإنشاء برنامج وطنى لتبادل أعضاء هيئة التدريس فى العلوم الإنسانية والدراسات الاجتماعية، هذا على سبيل المثال لا الحصر.
لقد حان الوقت لأن تدرك إسرائيل أن التكنولوجيا قد عطلت الدبلوماسية التقليدية بشكل لا رجعة فيه، وعليها تبنى نموذج دبلوماسى جديد بمعنى التحول من نموذج تقليدى إلى نموذج حديث للتسويق، والدبلوماسية العامة، واستخدام الأساليب الناعمة، أو هو ما يمكن اختصاره فى ممارسة «دبلوماسية الفرص».
إعداد: ياسمين عبداللطيف زردالنص الأصلى: