إطلالات على القانون .. (7) الاعتراف الجنائى

رانية فهمى
رانية فهمى

آخر تحديث: الإثنين 29 يوليه 2024 - 7:40 م بتوقيت القاهرة

ما الاعتراف الجنائى؟ وهل يُعتبر اعترافًا لو الشخص المتهم اعترف على غيره؟ ولو سكت المتهم أثناء التحقيق معه أو أمام المحكمة، هل هذا يُعد اعترافًا؟ وهل يُؤخذ بالاعتراف بالإكراه أو تحت التهديد أو اعتراف نتيجة وعد أو إغراء؟ وهل يمكن للقاضى الجنائى تجزئة الاعتراف، بأخذه جزءًا منه وتركه الباقى؟
توجد تفاصيل كثيرة فى مسألة الاعتراف استوقفتنى، وأنا أدرس قانون الإجراءات الجنائية فى كلية حقوق القاهرة.
• • •
تعريف الاعتراف: من اللافت أن قانون الإجراءات الجنائية لم يُعرّف الاعتراف ولكن الفقه والقضاء هما اللذان عرّفاه، فقال الفقه إنه إقرار المتهم على نفسه بصدور واقعة إجرامية، بمعنى أنها مُجرّمة قانونًا. وقضت محكمة النقض أنه تسليم شخص بإرادته الحرة بارتكابه كل الجريمة أو بعضها.
هذا معناه أن المتهم هو الذى يعترف على نفسه فقط لأنه لو اعترف على شخص آخر تصبح شهادة، وحتى هذه الشهادة تعتبرها المحكمة الجنائية من أضعف الأدلة لأن المتهم قطعًا، وهو يحاول نفى التهمة عن نفسه سوف يتهم آخرًا قد يكون من المتهمين فى القضية، ما يوجد تعارضًا فى المصلحة بين المتهمين. ومع ذلك وللأسف فقد أجازت بعض أحكام محكمة النقض الاعتماد على أقوال متهم ضد متهمين آخرين دون وجود أدلة أخرى تساند هذه الأقوال.
لا يجوز أيضًا لمحامى المتهم الاعتراف على موكله، وكانت محكمة النقض وصفت حكما استند على اعتراف محامى المتهم بأن الصورة فى بطاقة المتهم المزورة هى للمتهم بالرغم من إنكار المتهم أثناء التحقيق والمحاكمة أن هذه صورته الشخصية.
ويجب أن يكون الاعتراف أمام جهة قضائية؛ المحكمة أو قضاء التحقيق، فالاعتراف الذى يُعتد به فى الدعوى الجنائية هو الذى يصدر أمام المحكمة وليس فى النيابة أو أثناء تحقيق الشرطة. لكن يمكن للمتهم تغيير رأيه والعدول عن الاعتراف حتى أمام المحكمة، ويُترك للقاضى السلطة التقديرية فى الأخذ بالعدول أو بالاعتراف.
ولكى تعتد المحكمة بالاعتراف يجب أن يعترف المتهم على ارتكابه واقعة محددة وليس جريمة معينة، بمعنى أنه لا يجب عليه قول «لقد اختلست» لكن يقول: «أنا استوليت على المال محل الاختلاس» والمحكمة هى التى تضع الوصف القانونى للواقعة بأنه اختلاس أو سرقة، أو أن يقول: «أنا ارتكبت جريمة الزنا» لكن يقر أنه فى ذلك اليوم ذهب إلى بيت شريكته فى الزنا، وأقام معها علاقة حميمة، والمحكمة هى التى تقرر إذا كان ذلك زنا أم لا.
• • •
سكوت المتهم: الشخص المتهم حر فى تفضيله السكوت وعدم الرد على أسئلة التحقيق أثناء جلسة المحاكمة ولا يعتبر القاضى هذا السكوت اعترافًا منه بارتكابه الجريمة أو جزء منها، وذلك حسب المادة 274 من قانون الإجراءات الجنائية التى تنص فى فقرتها الأولى على أنه لا يجوز استجواب المتهم إلا إذا قَبِل ذلك، وفى فقرتها الثانية: «وإذا امتنع المتهم عن الإجابة، أو إذا كانت أقواله فى الجلسة مخالفة لأقواله فى محضر جمع الاستدلالات أو التحقيق، جاز للمحكمة أن تأمر بتلاوة أقواله الأولى»، ما يعنى جواز امتناع المتهم عن الإجابة عن أسئلة التحقيق. وقد قضت محكمة النقض فى حكم لها أن امتناع المتهم عن الرد أثناء تحقيق النيابة لا يُعتبر اعترافًا منه بثبوت التهمة عليه، عملًا بمقولة «لا يُنسب لساكت قول».
• • •
أهلية المعترف والتأثير على إرادته: يجب لصحة الاعتراف ألا يعانى الشخص المتهم من مرض عقلى أو نفسى، وأن يكون مدركًا ومميزًا لما يدلى به وقت الاعتراف، وهو المعروف بأهلية الأداء، فيجب أن تكون عنده القدرة على فهم ماهية أفعاله وتوقع آثارها. ولا يُعتد باعتراف يصدر نتيجة للإيحاء أو للرغبة فى التخلص من الاستجواب المرهق أو من أجل التضحية وإنقاذ المتهم الأصلى بسبب ما يربطه به من علاقة قرابة أو صداقة أو محبة أو أسباب أخرى.
والمحكمة الجنائية لا تعتد بأى اعتراف للمتهم تحت التهديد أو الإكراه أو التعذيب سواء كان إكراهًا بدنيًا أو معنويًا بأن يهدده مثلًا ضابط البوليس بالقبض على أهله أو تعذيبهم، والضابط يتحجج بأن المتهم لا يتأثر بالتهديد لأنه من المشبوهين.
لا تعتد المحكمة أيضًا باعتراف المتهم بعد إيهام المحقق له أن المتهمين الآخرين شهدوا ضده أو أغراه بالعفو أو الإفراج لو اعترف، وأنه سيقدم الاعتراف للمحكمة لتخفيف الحكم عليه. وقضت محكمة النقض أن الإغراء والخداع مثل الإكراه لتأثيرهما على حرية المتهم فى إنكار التهمة أو الاعتراف بها.
• • •
إجراءات باطلة: كما تبطل المحكمة كل اعتراف صدر من المتهم نتيجة إجراءات تحقيق باطلة مثل عدم دعوة محامى المتهم لحضور استجوابه فى جناية فى غير حالتى التلبس والاستعجال، أو نتيجة قبض وتفتيش باطليْن أو تعرف المجنى عليه على المتهم فى عملية عرض باطلة. ويُشترط لبطلان الاعتراف أن تكون هذه الإجراءات مؤدية للاعتراف، أى توجد علاقة سببية بينهما، أما إذا اتُخذت بعده فيصح الاعتراف.
• • •
تجزئة الاعتراف: يجوز للقاضى الجنائى تجزئة الاعتراف فيأخذ جزءا ويترك الباقى حسب مطابقته أو مخالفته للواقع من وجهة نظره، وذلك لأن القاضى الجنائى حر فى تكوين عقيدته فى تقديره للأدلة والأوراق المطروحة أمامه خاصة فيما يخص المتهمين واعترافاتهم.

لكن الحرية فى تجزئة الاعتراف لها قيدان:
• ألا تكون التجزئة مجحفة بالمتهم: مثلًا لو اعترف القاتل بالقتل لكن بغرض الدفاع عن نفسه أو ماله والقاضى يأخد الجزء الخاص بالاعتراف بالقتل ويترك جانب السبب، وهو حالة الدفاع الشرعى. فى هذه الحالة يجب على القاضى البحث عن أدلة تثبت أن المتهم كان فعلًا فى حالة دفاع عن النفس، فلو وجدها لا يجوز له تجزئة الاعتراف.
• القيد الثانى أن يكون الفصل فى الدعوى الجنائية متوقفا على الفصل فى مسألة مدنية تخضع لقواعد إثبات مدنية وليست جنائية، فهنا لا يجوز تجزئة الاعتراف. فلو المتهم اعترف بخيانة الأمانة عند ترك المجنى عليه أمانة لديه، مثل مبلغ من النقود، والمتهم تصرف فيها بمعرفته ولحسابه، ولكنه أثبت رد النقود عند طلب المجنى عليه، فاعترافه بأخذ الأمانة وردها يجب أخذه كله دون تجزئة.
• • •
الاعتداد بالاعتراف وحده بدون أدلة أخرى: نصت المادة 271 من قانون الإجراءات الجنائية على جواز اكتفاء القاضى الجنائى بالاعتراف، ويحكم بالإدانة دون سماع شهود، لكن بشرط كفاية الاعتراف لتكوين عقيدة المحكمة، فلو لم يكن كافيًا، يجب على المحكمة سماع شهادة الشهود والنظر فى باقى أدلة الدعوى.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved