ويؤثرون على أنفسهم
عمرو خالد
آخر تحديث:
السبت 29 أغسطس 2009 - 5:15 م
بتوقيت القاهرة
مازلنا فى رحلتنا مع خلق جميل قلما نجده الآن وهو (الإيثار)
كان الأنصار يؤثرون النبى وصحابته من المهاجرين على أنفسهم..
هل تتخيلون الأمر؟
هم أصحاب البلد وأصحاب البيوت ومن المفترض أن من يأتى عليهم ضيف، لكن انظر ماذا فعلوا؟
كان الأنصارى يعمل طوال العام وعندما يثمر الزرع يأخذ التمر ويذهب به إلى المهاجر قبل أن يذهب إلى بيته. لم يجلس ليختار الأفضل له ثم يذهب له بالباقى، وأنت تتصدق بأسوأ النقود فى جيبك والتى لا تحتاجها.
يذهب بالتمر كله لأخيه ويقول له: اختر ما تشاء، وإنى سأتركك ساعة حتى تتخير ما شئت ــ حتى لا يحرجه ــ ثم يعود فيكون المهاجر قد اختار الثمر الغير جيد ويظلوا يتشاجرون، كل منهما لا يوافق أن يأخذ الآخر غير الجيد.
ــ فلما فتحت خيبر وكثر المال قال النبى للأنصار: جزاكم الله خيرا قد وفيتم بالشروط، فقالوا للنبى يا رسول الله: اشترطت شرطا واشترطنا شرطا، وها نحن قد وفينا وإنا لنا عندك الجنة، قال: لكم بما وفيتم.
ــ أترى ثواب الإيثار؟ أخرج ما عندك وكلما أخرجت زادت نفسك سخاء، وكلما أخرجت صفيت نفسك من الحقد والحسد.
إنها علاقة عجيبة بين الإيثار وبين سلامة الصدر، بين الإيثار ورحمة الناس، بين الإيثار وترك الكبر وترك الغل، تريد أن تنقى صدرك تعلّم الإيثار.
حتى إنه عندما جاء مال كثير من البحرين، فقال النبى هذه للأنصار وحدهم ــ يكفيهم ما أعطوا وبذلوا ــ فجاء الأنصار وقالوا: لا يا رسول الله لا نأخذها حتى تقسمها بيننا وبين إخواننا المهاجرين فجاء المهاجرون قالوا لا يا رسول الله، إخواننا نشك أنهم ذهبوا بالأجر كله، فقال لهم النبى: لا، ما دعوتم لهم، أى طالما تدعون لهم ستأخذون أنتم أيضا الأجر.
ما هذا المجتمع؟، أى مدينة فاضلة يتحدثون عنها الآن؟
إنها هذه وهى ليست صعبة التحقيق إذا عاد الإيمان وأخلاق الإسلام وكانت الجنة هى الغاية.
لا يكون الإيثار فى الأموال فقط كما قلنا، ولكن فى الأرواح أيضا. عكرمة بن أبى جهل حارب النبى 22 سنة ثم أسلم وحسن إسلامه ومات شهيدا، ابن أبى جهل مات شهيدا وبسبب الإيثار، عكرمة كان من ضمن الجرحى فى معركة اليرموك، وقد وضع الجرحى جميعهم فى مكان ما حتى تنتهى المعركة كلما جرح جندى وضعوه هناك. وكان ابن عم عكرمة فى الساقة، أى ممن يسقون الجرحى، فيقول: بحثت عن عكرمة فوجدته فى الجرحى يئن، يكاد يموت وبجواره عشرة من المسلمين، فأخذت أجرى نحوه لأسقيه وإذا هو يتناول القربة ليشرب سمع صوت أخيه يقول: أنا عطشان فقال: لا والله لا أشرب حتى يشرب أخى، فذهبت إلى الثانى وهو يشرب سمع أخوه يقول آه فقال: لا والله لا أشرب، وذهبت إلى الرابع هو الخامس و.. حتى وصلت إلى العاشر فقال: لا والله: لا أشرب حتى يشرب عكرمة، فعدت إلى عكرمة، فإذا به مات شهيدا.. آثر على نفسه وهو يموت ،وهو جريح ونحن نبخل بالقليل من المال، نبخل بالملابس، نبخل بالعلم، تخاف أن تعطى معلومة لزميلك فيتفوق عليك.
سيدنا عمر بن الخطاب لحظة موته، عندما ضربه أبو لؤلؤه المجوسى وسقط فى دمائه وعلم إنه الموت، قال لابنه عبدالله بن عمر: يا عبدالله اذهب إلى أم المؤمنين: عائشة، وقل لها: عمر بن الخطاب ولا تقل أمير المؤمنين فلم أعد عليكم أميرا، عمر بن الخطاب يستأذنك أن يدفن مع صاحبيه (الرسول وأبو بكر) فى حجرة عائشة، فقالت عائشة: كنت أريد هذا المكان لنفسى، ولأوثرن به عمر.
هل الإيثار فى الدفن وحتى بعد الموت؟ تخيل كانت ستدفن بجوار زوجها وأبيها وهما رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأبى بكر، أى مدفن وأى مكان شريف، ولكن السيدة العظيمة تركت أفضل مكان ورضيت أن تدفن بالبقيع، إيثارا منها لعمر رضى الله عنه.
وأهل الصفة من فقراء المسلمين لا يجدون ما يطعمونه مثل أبى هريرة، وهم حوالى مائة، فيقول: فاهتمت نفسى، وقال لرسول الله: وأين هذه الجرة من أهل الصفة؟ أيكفيهم هذا؟ فيقول: فخرجت مهموما ولكنه كان لابد لى من طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فذهبت وأتيت بهم، فنظر إلى الرسول مبتسما وقال: يا ابا هريرة اسقهم. إنه يعلمه ويعلمنا معه فيقول: أخذت الجرة وبدأت أمر عليهم حتى شربوا منها جميعا. والنبى ينظر إلىّ ويبتسم. فقال لى النبى: يا أبا هريرة لم يبق سوى أنا وأنت، قلت له: صدقت يا رسول الله، فقال لى: اشرب يا أبا هريرة، النبى يؤثرهم جميعا على نفسه ثم يؤثر أبا هريرة واللبن يكفى كل هذا العدد لنتعلم خلق الإيثار وأنه يبارك فى الشىء يقول أبو هريرة: فشربت ثم أعطيتها له، فقال: اشرب يا أبا هريرة فشربت وشربت وشربت كلما قال لى، حتى قلت له: لا والله لا أحد له مسلكا، فأخذها النبى (صلى الله عليه وسلم) وشرب الفضلة (صلى الله عليه وسلم) شرب ما بقى من ذلك كله.