هناك من يكتب تأملات فى الأديان، والمعتقدات، والأفكار حتى إن لم يكن يدين بها. فعلها «أوميد صافى» أستاذ الدراسات الدينية فى جامعة «نورث كارولينا»ــ هو مسلم معتز بعقيدته ــ كتب تأملاته العميقة عن جمعة آلام وقيامة السيد المسيح. وفعلها أيضا باحث إسلامى هو الدكتور ناجح إبراهيم، الذى كتب عن السيد المسيح، مقتفيا خطواته، متأملا فى نهج حياته، مستخلصا معانٍ إنسانية عميقة.
الأديان، والمعتقدات، والأفكار الكبرى تبعث على التأمل. يستقبل غدًا المسلمون ركنًا أصيلا فى الدين، وخبرة إيمانية عميقة هى الحج، فيها عبر وتأملات. قد لا نحتاج إلى أن نوغل فى المعتقدات الدينية التى يختلف عليها الناس أصحاب الأديان المتنوعة، كل ما نحتاج إليه أن نتوقف أمام معانٍ روحية فى عالم يزداد فيه الطلب على المادية كل يوم، وتجف فيه الروح.. لعل ما يمكن التوقف أمامه هو الله الذى «لا شريك له»، هتاف الحجاج على جبل عرفات، ونداء كل نفس تبحث عن الإله الواحد. فقد زالت الأصنام بالمعنى التقليدى، لكنها ظهرت بأشكال متنوعة: المجتمع الاستهلاكى الذى يجعل سعادة الإنسان مرتبطة بالاقتناء والاستهلاك، النظرة المادية المفرطة للحياة، والرغبة فى امتلاك كل شىء من الأغراض إلى البشر. إله الغنى، إله الجسد، إله الشهرة، إله المادة،.. إلخ، آلهة كثيرة تستبد بعواطف الناس، وتجتذبها إليها. الناس تهتف بالإله الواحد، لكنها تضع إلى جواره فى الحياة آلهة صغيرة تجرى ورائها.. الشرك بالله فى المجتمع الحديث ليس رفضا لوجوده أو عبادة وثن إلى جواره، ولكن عدم خلاص المشاعر والأفكار له، والانقياد وراء آلهة أخرى صغيرة مستبطنة فى أعماق الانسان، تتغذى على تطلعاته، أحلامه، أطماعه، نفسيته المنقسمة.
الوثن الظاهر معروف، أما الوثن الباطن فهو مستتر، يستفيد من اختبائه، والقبول بوجوده. نحن فى مجتمعات وصفها فى السابق المفكر زكى نجيب محمود «الشرق الفنان» فى مقارنة مع «الغرب المادى»، ولكن مجريات الأمور يثبت أن الشرق لم يعد فنانا، والغرب لم يعد ماديا. الشرق فيه مادية طاغية، والغرب فيه معان روحية تجدها فى الخدمة العامة، والاهتمام بالفنون، والسعى وراء الرياضات الروحية.
وقد لاحظت كثيرًا أن الأديان يؤرقها بشدة الأوثان، وهو أمر مفهوم. فى القداس يصلى المسيحون داعين إلى أن يقطع الله «عبادة الأوثان من العالم»، وفى الإسلام الذى جاء ضد وثنية الجزيرة العربية، والأصنام الشهيرة وقتئذ، يؤكد على عدم الشرك بالله، ونتذكر أيضًا فى اليهودية كيف أن موسى النبى استلم لوحى الشريعة من الله فى الوقت الذى لجأ الشعب الذى أخرجه الله من أرض مصر إلى عبادة وثن، وهو ما أغضب الله.
فى خضم الاهتمام بالله الواحد، ورفض الوثنية، اتسأل أيهما بات أخطر وثنية السابق أم الوثنية المعاصرة؟ فى رأيى أن الوثنية الحالية أكثر شراسة لأنها استوطنت نفسية المجتمعات، وأصبحت جزءًا من تفكيرها، وطريقة حياتها، وتطلعاتها. وكثير من الأفكار المادية ارتدت أردية دينية، وتمتعت بالشرعية والمنطق. من هنا فإننى دائما أتوقف أمام هتاف الحجاج عن الله الذى لا شريك الله، والصلوات التى ترفض الوثن وتذكر بخطورته، ليس لذكرى فى الماضى، ولكن لتحدى فى الحاضر. كل سنة وأنتم طيبين.