تقليص الولايات المتحدة ميزانية الأونروا والأزمة الإنسانية المنتظرة
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الأربعاء 29 أغسطس 2018 - 8:45 م
بتوقيت القاهرة
تقليص ميزانية الأونروا، وإعلان الإدارة الأمريكية فى واشنطن أنها لا تعترف بحق العودة، خطوات مباركة لأنها قد تدفع سواء السلطة أو «حماس» أو التنظيمات الأُخرى الأعضاء فى منظمة التحرير الفلسطينية إلى تبنى تفكير عملى أكثر بشأن تسوية دائمة للنزاع، وربما قد تدفعهم أيضا إلى التفكير فى مسار جديد من أجل الوصول إلى طاولة المفاوضات مع ما قد يكون مقبولا من إسرائيل.
لكن إلى جانب الفرصة الكامنة فى خطوات واشنطن يجب أولا معرفة المخاطر. إن الضغط الاقتصادى الناتج من تقليص ميزانية الأونروا سيؤدى تقريبا بالتأكيد إلى أزمة إنسانية حادة وحقيقية فى غزة، وبصورة أقل أيضا فى يهودا والسامرة [الضفة الغربية]. بالإضافة إلى ذلك، رد الزعامة الفلسطينية على إعلان ترامب الذى يسحب الأساس الشرعى الدولى من المطالبة بتحقيق «حق العودة» سيشعل بالتأكيد الشوارع فى غزة والضفة، وخصوصا على خلفية الصراع على وراثة الزعامة الذى سيظهر إلى العلن فى وقت قريب.
لذا إذا أرادت واشنطن وإسرائيل وربما أيضا «اللجنة الرباعية» استخدام التقليصات فى الميزانية وإلغاء حق العودة من أجل تحقيق نتيجة إيجابية تحقق اختراقا، يجب تنفيذ العملية بالتدريج وإلحاقها بخطوات اقتصادية استكمالية.
الميزانيات التى يحصل عليها الفلسطينيون مباشرة أو عبر الأونروا يجب على واشنطن تقليصها بالتدريج على مدى 3 ــ 4 سنوات بطريقة تتيح تنفيذ الخطوات الاقتصادية المكملة على الأرض، وتوفير مصادر عمل ودخل بديلة للفلسطينيين فى القطاع وفى الضفة. من دون ذلك سيؤدى تقليص الميزانيات خلال وقت غير طويل إلى أزمة إنسانية فى القطاع توجد لإسرائيل مصلحة سياسية وأمنية من الدرجة الأولى فى الحؤول دون حدوثها. وسيؤدى مثل هذه الأزمة إلى حدوث توترات أمنية تبادر إليها «حماس» أو تنجر إليها، والبقية معروفة.
ويمكن أن يتطور مسار مشابه فى الضفة الغربية أيضا. لن تنشأ هناك أزمة إنسانية، لكن ستتفاقم البطالة وستشكل ذريعة أُخرى للغليان الذى يغلى اليوم من تحت الأرض. وسيبدأ هذا بتظاهرات فى الشارع، وهنا أيضا البقية معروفة. وهذا يمكن أن ينتهى إلى انتفاضة مصغّرة، أو إلى انتفاضة شاملة.
يمكن منع حدوث كل هذا إذا أعلنت الإدارة الأمريكية فى واشنطن أن التقليص سيجرى بالتدريج، وأنه سيجرى فى المقابل تنفيذ خطط استثمارات اقتصادية ومشاريع لإقامة بنى تحتية وكهرباء ومياه وصحة وتعليم فى القطاع وفى الضفة الغربية، تحل محل الإعانات التى يحصل عليها الفلسطينيون بواسطة الأونروا وأطراف دولية وغير دولية. وبصورة غير مباشرة، يمكن أن يقوّى تنفيذ «خطة مارشال» هذه فى القطاع وفى الضفة الحافز الفلسطينى لتسوية النزاع بطرق سلمية، وأن يخلق عمليات داخلية وسط الفلسطينيين تسمح بذلك.
على هذه الخلفية، إلغاء الاعتراف الأمريكى بحق العودة لن يثير ردة فعل كبيرة. ويجب اتخاذ الخطوات الاقتصادية المكملة فور إعلان التقليص التدريجى للميزانيات والمساعدات للفلسطينيين. فى بروكسل سيُعقد يوم الثلاثاء مؤتمر الدول المانحة لغزة. وهذه فرصة جيدة لتأسيس اتحاد مالى دولى (يضم الدول العربية) يراقب عدم تحويل الاستثمارات من جانب «حماس» لغرض تعظيم قوة ذراعها العسكرية، وأيضا من جانب جهاز التعليم الفلسطينى لغرض ثقافة التحريض.
ستكون إسرائيل شريكا فاعلا فى هذا الاتحاد، لكن ليس كعضو مؤتمن بل فقط «كمسهل» (Facilitator). أى أن حكومة إسرائيل لن تموّل أو تنفذ مباشرة، لكنها ستبذل كل ما فى وسعها كى يجرى التنفيذ بسرعة عبر موانئها والمعابر الواقعة تحت سيطرتها.
إن تقديم الاستشارة المهنية والهندسية وخصوصا الأمنية للاتحاد المالى الدولى أمر ضرورى ليس فقط من أجل نجاعة التنفيذ بل أيضا للمحافظة على المصالح الأمنية الوطنية الحيوية بالنسبة إلينا. وسنتحدث ونتناقش فى كل الأمور الأُخرى بعد أن تسود التهدئة (العودة إلى تفاهمات «الجرف الصامد«) التى ستتيح تحريك هذه العملية فى قطاع غزة. فى هذه الأثناء يسود الهدوء الضفة الغربية ويمكن البدء فورا. وعندما تدخل العملية مراحل التنفيذ، تبدأ مفاوضات جدية بشأن الأسرى وجثمانى المقاتلين اللذين يجب إعادتهما إلى الوطن، وبشأن «تسويات» من كل الأنواع.
رون بن يشاى
يسرائيل هَيوم