ما وراء بريكس

معتمر أمين
معتمر أمين

آخر تحديث: الثلاثاء 29 أغسطس 2023 - 7:15 م بتوقيت القاهرة

صاغ كلمة البريكس، عام 2001، الاقتصادى البريطانى الشهير جيمس أونيل، بعدما اقتبس الحروف الأولى من اسم أربعة دول تمثل الدول الصاعدة فى الاقتصاد العالمى، وهى الصين، والهند، وروسيا، والبرازيل، والتى انضمت إليهم جنوب أفريقيا لاحقا عام 2010. وشغل أونيل سابقا رئيس إدارة الأصول فى بنك جولدمان ساكس الأمريكى، وهو من أكبر البنوك الاستثمارية فى العالم، كما شغل منصب وزير التجارة فى حكومة جيمس كاميرون الثانية، واستقال من منصبه عام 2016، وهو أستاذ شرفى للاقتصاد فى جامعة مانشستر، وكان رئيسا لمجلس إدارة المعهد الملكى للشئون الدولية ــ تشاتام هاوس حتى يوليو 2021، الذى يعتبر من أهم المراكز البحثية السياسية والاقتصادية فى بريطانيا وعبر العالم. وتتلخص رؤية أونيل فى اعتباره أن دول البريكس تتطور اقتصاديا بسرعة وتعتبر منافسا اقتصاديا يهدد مجموعة السبع الصناعية الكبرى التى تشمل الولايات المتحدة، وبريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، واليابان، وكندا، وإيطاليا.
لم يكن أونيل هو الأستاذ الوحيد الذى تنبه لصعود دول البريكس، بل واكب مجموعة كبيرة من أساتذة السياسة والاقتصاد التى تنبهت لهذا الصعود، ومنهم جون ميرشايمر، أستاذ العلوم السياسية فى جامعة شيكاغو، وهو من رواد مدرسة الواقعية فى العلاقات الدولية، وله مؤلفات شهيرة عرضته للانتقادات منها كتابه «اللوبى الإسرائيلى والسياسة الأمريكية الخارجية» الصادر عام 2007. وكشف ميرشايمر فى العديد من مقالاته عن اعتقاده بأن النمو الصينى سيؤدى على الأرجح إلى نشوب صراع سياسى وجيو ــ استراتيجى بينها وبين الولايات المتحدة. ويفسر ميرشايمر نظريته بأن الدول الكبرى تسعى للهيمنة على إقليمها، بينما تسعى الدول المنافسة للحيلولة دون حدوث ذلك، لأن هيمنة أى دولة كبرى على إقليمها يفتح لها المجال لتوسيع هيمنتها ونفوذها فى أقاليم أخرى. وبتطبيق هذه النظرية على الصين، فإن صعودها الاقتصادى السريع لمصاف ثانى أكبر اقتصاد فى العالم بعد الولايات المتحدة، مكنها سياسيا من محاولة الهيمنة على بحرى الصين الجنوبى، والشرقى، والتضييق على جزيرة تايوان، التى تعتبرها جزءا لا يتجزأ من الصين الموحدة.
• • •
تبنت الإدارات الأمريكية المتعاقبة سياسات تصاعدية للحد من الصعود الصينى منذ إدارة جورج بوش الابن، وحتى إدارة بايدن الحالية. لكن أخذت المواجهة منعطفا خطرا منذ عام 2018 إثر تبنى إدارة الرئيس السابق ترامب، فرض رسوم وحواجز تجارية على الصين بهدف دفعها إلى إجراء تغييرات على ما اعتبره أنه ممارسات تجارية غير عادلة. وكان ترامب يسعى لاستعدال الميزان التجارى المائل بقوة لصالح الصين، فلقد بلغت صادرات الولايات المتحدة للصين عام 2018 نحو 120 مليار دولار، مقابل وارداتها من الصين التى بلغت 539 مليار دولار. وبدورها اتهمت الصين الولايات المتحدة بالتراجع عن سياسة التجارة الحرة، وبتبنى سياسات الحماية، واتخذت إجراءات ردع مضادة. ثم توصل الجانبان إلى تفاهم بنهاية 2021، مع استمرار ميل الميزان التجارى لصالح الصين حيث بلغت صادراتها فى ذروة المواجهة عام 2021 نحو 506 مليارات دولار مقابل واردات 152 مليار دولار من الولايات المتحدة. وأسفرت هذه المواجهة عن تباطؤ النمو الاقتصادى الصينى، حيث انخفض من 6.8% عام 2018 إلى 3% عام 2022، ويتوقع أن يصل إلى 5,2% فى العام الحالى، وأن يستمر بمتوسط نمو 4% سنويا حتى عام 2028.
تركزت المواجهة بين الطرفين فى مجال تكنولوجيا الاتصالات لاسيما الجيل الخامس للاتصالات الذى يطلق عليه «إنترنت الأشياء». ولولا جائحة كورونا لوصلت تلك المواجهة إلى ذروتها. اتصالا بذلك، عاد التوتر لعلاقة البلدين منذ أغسطس العام الماضى بسبب زيارة رئيسة الكونجرس السابقة إلى جزيرة تايون، ثم ردت رئيسة تايوان الزيارة وقامت فى أبريل من العام الحالى بزيارة الولايات المتحدة ومقابلة رئيس الكونجرس الحالى. وتوقع العديد من المراقبين أن تتحول تايوان إلى أوكرانيا أخرى، لكن الصين أجلت تدخلها العسكرى. وطلب الرئيس الصينى العام الماضى من جيش بلاده الاستعداد للتدخل بحلول عام 2027، ثم عاد وطالبهم، فى يوليو من هذا العام، التدريب على محاكاة القتال الحقيقى لصون سيادة الوطن ومصالحه. ومن ثم، يتابع العالم التوتر فى مضيق تايوان بكثير من القلق.
• • •
تجدر الإشارة إلى أن الصين اعتمدت سياسة منذ عام 2006 أطلقت عليها «التوجه غربا»، وهى السياسة التى بفضلها تم طرح مشروع الحزام والطريق، والذى دشنه الرئيس الصينى الحالى عام 2013. وبمقتضاها تبنت الصين التوجه غربا عن طريق البر، الذى يبعد عن الهيمنة الأمريكية، ويوفر سبلا آمنة للتجارة مع العالم. ونجح مشروع الحزام والطريق «البرى»، وأصبح له شق «بحرى» لا يقل نجاحا. وساهم هذا النجاح فى تقوية آمال دول البريكس التى رأت أن ثمة طرقا تجارية وتنموية غير طريق الغرب الذى يملى شروطه السياسية، ويستعمل السبل الاقتصادية كسلاح لتطويع الدول. ومن ثم ألهمت قصة الصعود الصينى العديد من الدول، وتوسعت القصة وانضمت دول أخرى، تريد أن تجد طريقا آخر بعيدا عن هيمنة الغرب. وبينما كان المتوقع أن تكون دول الجنوب أو الدول التى بحاجة للتنمية هى أول المنضمين لمجموعة البريكس، فإن روسيا تمثل حالة استثنائية، وذلك لأنها من الدول الكبرى، وكانت من المجموعة الصناعية الثمانية الكبرى. ولكنها اصطدمت بالغرب منذ عام 2008 بسبب ما اعتبرته محاولة للتدخل الغربى فى مجالها الحيوى، بدءا من جورجيا 2008، ثم أوكرانيا 2014. فزادت الهوة بين روسيا والغرب، وتقاربت مع الصين.
هذا، وعندما خططت دول البريكس لضم دول جديدة فإن اختيار الدول الجديدة خضع لحسابات سياسية مطولة، أخذت فى اعتبارها مجموعة من المعايير، من أبرزها ألا يتم ضم دولة فى حالة عداء مع دولة أخرى بجوارها الإقليمى، لكى لا تصبح منظمة البريكس بالتبعية فى حالة توتر تلقائية مع تلك الدولة. فمثلا، تقدمت الجزائر للانضمام لمجموعة البريكس من ضمن 40 دولة أبدت رغبتها فى قمة جنوب أفريقيا التى انعقدت فى أغسطس 2023. ولكن لم يقع الاختيار عليها، بالرغم من علاقتها الوثيقة مع روسيا، وعلاقتها الطيبة مع الصين. وقد يرجع ذلك لتقييم الموقف الذى رأته دول البريكس، لكى لا تتحول المغرب إلى غريم تلقائى للمجموعة. وإذا أخذنا نفس المعايير وطبقناها على الدول الخمس التى تم ضمها، فسنجد أنه ينطبق فى حالة ضم مصر وإثيوبيا معا، وإيران والسعودية إضافة إلى الإمارات معا. علما بأن العقوبات الغربية المزمنة ضد إيران لم تمنع مجموعة البريكس من ضمها. بمعنى آخر، لم تخش دول البريكس من وقوعها تحت طائل العقوبات الاقتصادية الأمريكية حال تعاملها مع إيران. وفى هذا بيان كاف بأن المجموعة تقود حالة من التمرد الاقتصادى فى النظام الدولى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved