تمويل منظمات المجتمع المدنى والأبعاد الغائبة


هويدا عدلى

آخر تحديث: الخميس 29 سبتمبر 2011 - 9:05 ص بتوقيت القاهرة

تتصدر قضية تمويل منظمات المجتمع المدنى وبالأخص الجمعيات الأهلية والشركات المدنية والحركات الاجتماعية مشهد الصراع السياسى الراهن بين الدولة ممثلة فى المجلس العسكرى ورئاسة الوزراء من ناحية وبعض منظمات المجتمع المدنى من ناحية أخرى. والحقيقة أن مناقشة القضية لا تخرج عن منهجيتنا السابقة كمصريين فى مناقشة غالبية القضايا الحساسة.

 

هذا المنهج الذى تكرس عبر عقود طويلة ويبدو إننا لا نريد الخلاص منه. تتحكم فى هذا المنهج مجموعة من القيم والافتراضات مثل التعميم واجتزاء الوقائع من سياقها واستعداء السلطة للمختلف معها وإصدار الأحكام الثابتة التى لا تتغير بتغير الزمان والمكان لدى أنصار هذا المنهج. ناهيك عن حواشى هذا المنهج من تكفير وتشهير وتخوين وغيره. والأمر الغريب أن نفس المنهج كان مستخدما من قبل النظام السابق على نطاق واسع مما يؤكد المثل القائل «يا ريتك يا أبو زيد ما غزيت». وبدون الاستفاضة فى تلافيف ومتاهات منهجية التفكير السابق الإشارة إلى بعض سماتها، والتى لا يمكن إذا استمرت أن نأمل فى تحول ديمقراطى ولا نهضة وطنية. علينا أن نوضح بعض الأمور الغائبة فى قضية تمويل المجتمع المدنى:

 

موضوع تمويل المجتمع المدنى وخاصة الجمعيات الأهلية وبعض المنظمات المدنية الأخرى سواء كانت شركات مدنية أو غيرها ليس بجديد، بل يجب الإشارة إلى أن جزءا كبيرا من هذه التمويلات تتم وفقا للاتفاقيات الثنائية بين الحكومة المصرية والدول المانحة. فكما هو معروف على مستوى من يعملون فى التنمية أن الدول المانحة لم تعد تعتبر الحكومات هى الجهة الوحيدة التى يجب أن تتوجه إليها المعونات والمنح، بل لابد من تخصيص أجزاء من برامج المعونات لمنظمات المجتمع المدنى على افتراض إنها شريك اساسى مع المؤسسات الحكومية فى التنمية. وهذا الأمر يتم بموافقة الحكومات المتلقية للمعونات وتحت سمعها وبصرها.

 

●●●

 

إن قضية تمويل منظمات المجتمع المدنى وبالتحديد الجمعيات الأهلية لا تمر إلا عبر موافقة الحكومة ممثلة فى وزارة التضامن الاجتماعى، وبالتالى فالسؤال أين المشكلة؟ تقع المشكلة فى التنظيمات المدنية الأخرى التى لا تقع تحت مظلة الجمعيات الأهلية مثل الشركات المدنية وشركات المحاماة وغيرها. ونعود ونسأل أنفسنا لماذا لا تقع هذه المؤسسات تحت المظلة القانونية للجمعيات الأهلية؟ لكننا لا نحب هذا السؤال لأننا دائما لا نبحث عن السبب ونستمسك بالعرض. إن السبب الحقيقى وراء ذلك والذى دائما ما يتم تجاهله من قبل القائمين على الحكم أن قانون الجمعيات الراهن 84 لسنة 2002 يفرض كثيرا من القيود على حركة المجتمع المدنى بما يحد من استقلاليته ويجعل كثير من أصحاب المبادرات المدنية المستقلة عاجزين عن إشهار أنفسهم وفقا لهذا القانون بسبب توسعه فى تقييد العمل المدنى بحجة أن هذا عمل سياسى أو نقابى. وبمقتضى هذه القيود الوهمية المطاطية غير المحددة تحديدا واضحا والتى تتسع وتضيق وفقا لأهواء القائمين على الحكم، فإن كثيرا من المبادرات المجتمعية وجدت انه من الأفضل أن تبتعد عن قانون الجمعيات الأهلية وتشهر نفسها كشركات مدنية ومحاماة أو غيرها. وعلى هذا فلا خلاص من هذا الصداع الذى لا ينتهى إلا بقانون جديد للجمعيات الأهلية تشارك الجمعيات الأهلية فى صياغته كتفا بكتف مع الحكومة، يترجم حرية التنظيم ترجمة حقيقية ويحترم استقلالية العمل الاهلى، ويضمن هذه الاستقلالية مقابل صياغة نظام للشفافية والمساءلة بمشاركة كل الأطراف المعنية: حكومية وغير حكومية، يطبق على الجميع سواء كانت مؤسسات حكومية أو جمعيات أهلية. فالحقيقة التى لا يمكن إنكارها أن هذه المعونات فى نهاية الأمر سواء كانت موجهة للحكومة أو للمجتمع المدنى فهى حق المواطن، ويجب أن يعرف المواطن أين تنفق هذه الأموال وعلى أى أهداف. فملايين الدولارات جاءت للحكومة بمؤسساتها المختلفة فى مشروعات عديدة مثل تطوير التعليم وغيره، وجاءت للجمعيات التنموية، والنتيجة واضحة بسبب عدم وجود نظام منضبط للشفافية والمساءلة. كما انه ليس المطلوب من نظام للشفافية والمحاسبة والمساءلة فقط ضبط الفساد والحد منه، ولكن متابعة النتائج المخطط لها من هذه التمويلات: هل بالفعل حققت أهدافها وكيف حققتها وما اثر ذلك على المجتمع.

 

●●●

 

النقطة الأخيرة والجديدة والمحزنة بشكل كبير فى هذه القضية هو استخدام قضية تمويل منظمات المجتمع المدنى كإحدى أوراق الصراع السياسى بين التيار الاسلامى والتيار الليبرالى. والمثير للسخرية أن التيار الاسلامى تصور انه بمنأى عن القضية ولكنه سرعان ما وقع فى اتونها، فالتمويلات ليست تمويلات غربية ولكنها خليجية أيضا والأخطر فى الأخيرة إنها تأتى بلا اى أوراق أو وثائق.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved