الصحة النفسية.. وقائع موت معلن
ليلى إبراهيم شلبي
آخر تحديث:
الجمعة 29 سبتمبر 2023 - 7:30 م
بتوقيت القاهرة
صفحة الحوادث إحدى الصفحات التى أحرص على متابعتها فى إعلامنا المحلى أيضا فيما أتصفح فى جرائد ومجلات العالم المتاحة لى. منها يتعرف الإنسان على الأحوال الإنسانية والاجتماعية وبالطبع النفسية للمجتمعات المختلفة.
ضمت قراءاتى الكثير مما ينضوى تحت عنوان علم الاجتماع وتابعت كثيرا من كتابات د. سيد عويس وجمال حمدان وزهير الشايب وغيرهم ممن اهتموا بتوصيف مصر وشعبها وأحوالهم على مر التاريخ. بالطبع كان منهم من اهتم بإنسانيات المصريين وأخلاقهم وتصرفاتهم فى الشدة والرخاء وعلاقاتهم رغم التباين الواضح والمقبول فى معتقداتهم وديانتهم وعاداتهم وتقاليدهم من حدود النوبة والصعيد إلى وجه بحرى وحدود البحر الأبيض المتوسط.
ما الذى يدفعنى اليوم للحديث عن صفحة الحوادث فى حياة المصريين؟
تابعت خلال الأسابيع الماضية حوادث لن أخوض فى تفاصيلها ربما لأنها استثنائية لا يقدم عليها إلا إنسان مريض عقلى بالفعل وإن كانت خطورتها تكمن فى أن المريض يعيش بين الناس وإن بدا غريبا فى بعض أطواره إلا أن من حوله يعاملونه على أنه طبيعى وربما اعتبروه مبروكا فى أماكن ينحسر عنها العلم والتعليم إلى أن تحدث الواقعة ويقدم على جريمة يجزع لها الفؤاد وتصعق العقل مثل تلك الحادثة الكارثية التى ذبحت فيها أم وليدها وطهته وتناولت منه وجبة!.. حدث هذا فى مصر ونشرته الجرائد المصرية وأحمد الله أنها لم تذهب بعيدا فى وصف الحادث وتتعمد تكراره والتعليق عليه. تلك حوادث لا يمكن للأسف تفاديها فهى مثل الطفرات التى تحدث أثناء الخلق والتخليق.
ما أتحدث عنه هو تلك الحوادث والأحداث التى قد يمكن الوقاية منها أو إجهاضها فى البدايات قبل أن يشتد أوار النار فيها فمعظم النار من مستصغر الشرر كما نعلم جميعا.
نشرت جريدة «الأهرام» فى عدد الأربعاء الماضى فى صفحة الحوادث تحت عنوان «٥ طلاب يقذفون مريضا نفسيا بالحجارة حتى الموت بسوهاج» داهمنى الخبر الذى انغرس فى عقلى فتناثرت شظايا كثيرة.
مريض نفسى كان يجلس أمام منزله بحثا عن نسمة هواء فى يوم حار لم يؤذ أحدا ولم يتحرك من مكانه ولم يبد أى فعل يثير غضب أحد. فجأة التف حوله خمسة «طلاب» يقذفونه بالحصى والزجاجات الفارغة والطوب وحينما حاول الاحتماء ببيته عاجله أحدهم بحجر على رأسه هشم جمجمته وأودى بحياته! أما هم فقد انصرفوا بعد تلك الاحتفالية الدامية دون حتى ملاحظة أنه بالفعل قد مات.
انكشف الأمر حينما تلقى مركز شرطة البلينا بمديرية أمن سوهاج بلاغا من عمه الذى ذهب ليطمئن عليه إذ إنه يعيش وحيدا رغم علته.. ففوجئ به جثة هامدة!.
ياالله.. يالها من بشاعة: الخمسة طلاب فى مراحل تعليم مختلفة فماذا تعلموا فى مدارسهم وأى كتب قرأوا.. أى نصوص حفظوا.. وأى مبادئ اعتنقوا؟.. ألم يحدث يوما أن تحدث إليهم مدرس حديث الرحمة والرفق بالضعيف؟
ألم يحدث خلال هذا الاعتداء البغيض أن تراجع أحدهم وطلب من الآخرين التوقف عن أذى هذا الكائن الضعيف؟
ألم يحدث أن مر أحدهم بهذا الموقف البغيض الذى حدث فى الطريق العام فحاول التدخل لمنع رجم إنسان معاق ذنيا دون سبب إلا التسلية وتمضية وقت إجرامى ممتع؟
من هو المريض نفسيا إذن؟ المسالم الضعيف الذى يعيش بمفرده فى حجرة أم الشياطين الخمسة الذين يدرسون فى مدارس حكومية تتكفل بهم الدولة ويطالبونها بوظائف حين ينتهون من دراستهم.. وربما جرائمهم أيضا.
أتمنى لو انتبهنا.. دولة ومواطنين معا لخطورة مثل تلك الحوادث الدامية البشعة وفكرنا كيف يمكن تفاديها حتى لو كان الحل هو إعادة تأهيل كل المصريين على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية والثقافية للتعايش فى وئام مع بعضهم وقبول الآخر برضا ومحبة بدلا من تلك المشاعر المنحازة البغيضة.
أتمنى لو تفضل وزير التربية والتعليم بالشهادة فى تلك القضية وسمعنا له رأيا قد يفيدنا كثيرا فيما نسعى إليه.