باغتيال نصر الله.. هل نفدت أوراق إسرائيل الاستراتيجية؟

إيريني سعيد
إيريني سعيد

آخر تحديث: الأحد 29 سبتمبر 2024 - 6:48 م بتوقيت القاهرة

شكلت الهجمات المتتالية من قبل إسرائيل تجاه حزب الله نقلة نوعية فى الصراع ما بين الطرفين، وبالرغم من أن الهجمات المتبادلة بين الجماعة ودولة الاحتلال جميعها مدروس ومتعارف على تداعياته، إلا أن الضربات الأخيرة تحديدا تجاه مقر الأمين العام لحزب الله «حسن نصر الله» كشفت عن مستهدفات إسرائيلية من شأنها الدفع بمزيد من التسهيلات على طريق الوصول إلى الحرب الشاملة، ولأن دولة الكيان فقدت بوصلتها فى غزة ولم تتمكن من تحقيق أهدافها، تحاول البحث عن أية انتصارات، أو بمعنى أدق تتحرك بمبدأ اضرب الراعى فتتبدد الرعية، ما ينذر بعدة سيناريوهات جميعها تحمل مضامين التصعيد والدفع بمزيد من الصراعات بالمنطقة.

•  •  •

منذ السابع من أكتوبر تحديدا، وقد تضمن الصراع بين إسرائيل وحزب الله مجموعة من الأوراق الاستراتيجية، كان من المفترض أن يجرى اللعب عليها، أو حتى تستخدم للمقايضات والمساومات لاحقا، غير أن دولة الاحتلال أرادت اجتياز هذه المرحلة، والتحرك ناحية تحقيق الاستفادة القصوى من هذه الأوراق، عبر ضربات قاضية بدأت بالهجمات السيبرانية لتنال من الأمين العام نفسه، وهنا يُفهم أن أجهزة الاستخبارات الاستراتيجية كانت تملك هذه المعلومات ومنذ زمن فقط أخرجتها الآن، وعقب سلسلة الإخفاقات والتى أحدثتها فى غزة، وضياع أهدافها البرية، وربما إسرائيل تعلم جيدا أن حزب الله على علم بكافة أجهزتها ومواقعها الاستراتيجية، وهو ما برز فى أهداف الحزب الأخيرة والتى تخطت قلب تل أبيب. 

بالرغم من أن الهجمات السيبرانية النوعية، قد أثرت فى صفوف حزب الله وعمليات التواصل فيما بينها -وإن توقعنا تحوط الجماعة ولو بنسبة -  ناهينا عن مجموعة مكثفة من العمليات الاستخباراتية أجرتها أجهزة دولة الاحتلال، إلا أن الجماعة لن تتراجع أو حتى ترضخ، وهو ما يصعب فهمه بعيدا عن قراءة متأنية لتصريحات المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانى، على خامئنى، فى تأكيده على أن القادم سيشهد تدمير إسرائيل، وإن كانت قوة الحزب الحقيقة وبغض النظر عن إمكاناته العسكرية، تبرز فى التعاطى السياسى مع المواقف منذ اندلاع طوفان الأقصى، وقد أجاد إلى حد يذكر فى نوعية الضربات وتوقيتها والأهم تداعياتها، وطالما ربط عملياته بما يجرى فى غزة، أى أن حال توقف الحرب فى غزة، سيتوقف الحزب عن هجماته، وهو ما يبرز اختلاف حزب الله كجماعة وتشكيل مسلح عن حماس أو حتى الحوثيين، فى كيفية التعاطى السياسى مع الصراع الدائر، لكن كما أشرنا أعلاه، فإن دولة الاحتلال رفضت الاستمرارية كثيرا فى اللعب بالأوراق، خصوصا عقب ارتفاع حدة الرفض الإسرائيلى لنتنياهو وضعف موقفه، ومن ثم يبحث عن أية إنجازات.

•  •  •

لعل التداعيات الأخيرة حتما، ستغير فى منهجية الحزب، وكيفية تعاطيه مع الصراع الدائر، سيما على خلفية ترسانته العسكرية والبشرية، خصوصا أن القوات النظامية لدى الحزب تختلف تماما عن تشكيلات حماس والتشكيلات غير النظامية، ووقتها لن تصدر الضربات من لبنان وحدها، بل من كافة محاور المقاومة سواء المنتشرة بالعراق وسوريا أو حتى اليمن.

وقبيل نفاد الأوراق الاستراتيجية هذه، ثمة عدة من الدوافع طالما تم التعويل عليها فى تجنب المواجهات الشاملة بين الكيان والحزب، فى المقدمة الداخل اللبنانى والذى يحكم إلى حد كبير تحركات حزب الله، خصوصا أن الحزب يعد أحد أبرز أطراف المعادلة السياسية اللبنانية، أيضا على خلفية الفراغ السياسى والذى يعانيه لبنان وتراجع المؤشرات الاقتصادية، ما يستبعد معه احتمالات المغامرة من جانب بيروت أو تحاشى مقاربات 2006 ونتائجها الكارثية آنذاك، وهو ما كان سيفرض على حزب الله استمرارية الضربات المدروسة، فالموقف نفسه يصعب تقييمه وقراءته بمعزل عن مصالح إيران السياسية، سيما ما تعلق بالاتفاق النووى ومحاولات التخفيف من تداعيات العقوبات المفروضة عليها.

من جانب آخر فإن إسرائيل حتى وإن كانت تحاول بشتى الطرق إعادة هيبتها أو حتى التخفيف من انكسارات السابع من أكتوبر، سيما ما تعلق بأجهزتها المخابراتية وتراجع موقفها، وهى التى اعتبرت يوما من أقوى الأجهزة الاستخباراتية، لكنها لم تتمكن من القضاء على حماس وتفكيك أنفاقه فى غزة، بدليل أن كافة أهدافها جاءت حصيلة من الشهداء المدنيين «النساء والأطفال»، أيضا تركت الأمر على مصراعيه، لا هى أتمت أهدافها الحقيقية، ولا حتى سحبت قواتها وأعلنت إنهاء عملياتها العسكرية، بالتالى حال حدوث الحرب الشاملة ناحية لبنان، فأقسى ما هناك فعله هو تكرار مسلسل غزة فى الجنوب اللبنانى، نفس المسلسل سيواجه يوميا، بسيل من المقذوفات والصواريخ المضادة للطائرات والدبابات، لكن معظم هذه الدوافع، ربما تلاشت بفعل الهجمات الإسرائيلية الأخيرة، أيضا تصريحات جالانت حول استمرار الهجمات.

ومن ثم تبرز عدة مرتكزات يمكن اعتبارها بمثابة مؤشرات قد تمكن من فهم سياقات الأوضاع، ومن ثم إمكانية صياغة معايير يمكن خلالها الحكم على المشهد، وربما نفس الهجمات المتتالية والمتبادلة بين الجانبين، أشّرَت بشكل أو بآخر على بدء المواجهات الشاملة خصوصا أن معظم تصريحات جيش الاحتلال الأخيرة تمحورت حول التأكيد على ضرورة تفكيك البنية التحتية لحزب الله، دون تصريحات مباشرة حول الحرب الشاملة، سيما أن أحد أهم أهدافها والتى لا ترغب فى الإشارة العلنية إليه مراعاة لهيبتها، هم عودة سكان الشمال، مع السيطرة على المنطقة العازلة، تحديدا جنوب النهر الليطانى والذى تسيطر عليه الجماعة، وأن تحاول معظم الأطراف التوصل إلى تطبيق واضح لقرار مجلس الأمن 1701، وأهمها الحكومة اللبنانية، ناهينا عن استهداف حزب الله للشمال من إسرائيل حيث أهم المواقع العسكرية الاستراتيجية واللوجيستية، بالمقابل مئات الضحايا المدنيين من اللبنانيين مع نزوح الآلاف باتجاه سوريا.

ومع ذلك ما زالت الحرب المباشرة والشاملة، مرهونة بتدخلات الكبار سواء الولايات المتحدة والتى بالرغم من تحريك معداتها إلى الشرق، ما زالت ترغب فى حفظ التوازنات - على الأقل ولو بشكل ظاهرى - أو إيران والتى تتخوف على مصالحها السياسية ومن ثم قد تجبر حزب الله على التوقف عند حد معين، بدليل تصريحات الرئيس الإيرانى بزشكيان وفيها برز الاتجاه الواضح ناحية خفض التصعيد، لكن طهران لن تتخل عن أهم أذرعها ووكلائها بالمنطقة، ومع ذلك النتائج الأخيرة كفيلة بإحداث عدة من التغيرات، جميعها على سبيل التصعيد.

•  •  •

ربما استدعاء مقاربتى 2000 و2006 والحروب الضروس ما بين إسرائيل وحزب الله، بإمكانها أيضا أن تبرز ضمن المرتكزات لفهم الصراع الدائر، فيبدو أن دولة الاحتلال تريد العودة لأجواء ومعطيات الصراع آنذاك، ويبدو أيضا أن حزب الله ورغم الضربات الانكسارية قادر على المواجهة، عقب تحصين نفسه بترسانة عسكرية تخطت أرقام تذكر على صعيد الصواريخ والمقذوفات والطائرات بدون طيار، لكن أيضا قدرته على تجاوز الضربات الأخيرة ومدى تأثيرها على صفوفه، تبقى ضمن محددات المواجهة!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved