صراصير الوطن
معتز بالله عبد الفتاح
آخر تحديث:
الجمعة 29 أكتوبر 2010 - 10:13 ص
بتوقيت القاهرة
فى رحلة العودة إلى المنزل، أخذت تاكسى وانشغلت عن الطريق لدقائق ثم انتبهت لعبارة قالها السائق بتكرار حزين: «حسبى الله ونعم الوكيل».
وباستطلاع الأمر تبين أن الجهة المقابلة من امتداد شارع البطل أحمد عبدالعزيز مرورا بكوبرى الدقى وصولا إلى كوبرى الجامعة فى حالة جمود تام، والسيارات لا تتحرك لأن هناك تشريفة تمر فى الجهة المقابلة ومن أجلها تم تعطيل آلاف المواطنين فى عشرات الشوارع.
ومن هنا كان علىّ أن استطلع تفسيره لما يحدث. «هذه ليست بلدنا، هذه بلدهم.» من المقصود بـ«هم» يا أخى الكريم؟ «هم الرُتب والباشاوات اللى فى التشريفة، نحن صراير بالنسبة لهم، بلا حقوق، ولا يهتم هؤلاء أصلا إن كان فيه واحد عيان، أو عنده امتحان، أو مسافر».
سجلت عباراته فى أجندتى، فنظر إلى خائفا وسألنى: «هو إنت بتكتب إيه؟» فقلت له «سأستأذنك فى أن أنقل لكبار الوطن وجهة نظرك هذه فى مقال لى بجريدة «الشروق» بدون ذكر اسمك»، رد: «آه طيب كده كويس، أنا كنت فاكرك منهم...، طيب والنبى قل لهم كمان، منهم لله، وربنا على الظالم».
هو شاب ثلاثينى خريج كلية الحقوق يعمل عشر ساعات يوميا على تاكسى لا يملكه، لم يتزوج، ولا يعتقد أنه سيتزوج أبدا لأن دخله يتناقص فى قدرته الشرائية رغما عن زيادته الكمية.
حوار طويل ومزعج يذكرنى بما كان يكتبه مثقفو ما قبل الثورة عن الإقطاع والحاجة للعدل.هناك ثلاث نسخ من مصر: مصر الرئيس ومصر الحكومة ومصر الشعب. مصر التى يراها ويعيشها الرئيس هى مصر التى يتم طلاؤها حتى لا تقع عين الرئيس على أى مكروه فيها، مصر الرئيس تتجلى فى خطاباته التى لا تخلو من بلاغة ورسم صورة مشرقة عن واقع يراه الرئيس فى تقارير مكتوبة وبإمعان النظر فى الربع المملوء من الكوب.
فى حين تبدو مصر الحكومة أقل إشراقا، وأكثر صلفا، وأقل ثقة فى الإنسان المصرى واستعدادا لانتهاك حقوقه التى سبق وأن عددها الرئيس فى خطاباته.
وهناك ثالثا مصر الشعب وهى مصر المعاناة، مصر الروتين، ومصر الغلاء، التى فيها تتبدى أزمة الثقة بين الحكومة والناس.
مصر الرئيس هى مصر التشريفة، مصر الحكومة هى مصر رجل المرور الذى يستعد بلا أى تردد لأن يعطل مصالح آلاف المواطنين لأن الأوامر صدرت له بهذا، ومصر الشعب هى التى يعيش فيها من وصفهم صاحبنا بـ«صراصير الوطن».