البحث عن «الكتلة الثالثة»
سامح فوزي
آخر تحديث:
الأربعاء 30 أكتوبر 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
بصرف النظر عن ردود الأفعال التى أحاطت بالحلقة التى أطل بها «باسم يوسف» على المصريين فى «البرنامج»، فإن الملاحظة التى ينبغى التوقف أمامها هو مصير «الكتلة الثالثة» فى المشهد الراهن. استقطاب بامتياز بين فسطاطين الأول له الاغلبية وهو مؤيد لعزل محمد مرسى، وما ترتب عليه من تطورات، والثانى معارض لما حدث.
خلال المائة يوم الأولى التى اعقبت 30 يونيو لم يكن متاحا للكتلة الثالثة أن تعبر عن نفسها: إما أن تكون فى هذا الفسطاط أو ذاك، وإذا حاولت أن تكون مستقلا ونقديا سينالك غضب الفريقين معا. الفريق الأول يتهمك بالأخونة، والثانى يتهمك بالعسكرة. من جراء هذه الحالة اصيب المجال العام بحالة من التيبس المؤقت. فقط الكتلة الثالثة هى التى تجعل للمجال العام معنى، وتضفى عليه حيوية، وتسمح بالتفكير خارج بوتقة الاستقطاب.
الكتلة الثالثة لديها وعى نقدى. غالبية المنتمين لها ترى أن الملايين التى خرجت يوم 30 يونيو لها شرعية، وظهر بالدليل والبينة أن الإخوان المسلمين فشلوا فى إدارة شئون الدولة، ولا تبكى على زوال حكم الإخوان أو تترحم على الإسلاميين بوجه عام، لكنها ترى أن الديمقراطية ينبغى أن تكون أولا، ضمانا لعدم تكرار التجارب الفاشلة سواء فى صورة نظام مبارك أو نظام مرسى، وايجاد سياق ديمقراطى يقتضى اتاحة المجال أمام كل القوى، والأفكار أن تعبر عن نفسها، وتمارس النقد لكل من أنصار ثورة 30 يونيو، والإخوان المسلمين معا. لا تقبل أن تكون أى قوى أو تكوين عدو استراتيجى بديلا عن الفقر، والبطالة، والترهل الاجتماعى، وتراجع سلطة الدولة، كما أنها لن تقبل أن يخير المصريون بين الأمن والحرية.
الكتلة الثالثة هى التى تمارس النقد الاجتماعى والسياسى والثقافى بعيدا عن التحيزات الجامدة على جانبى الاستقطاب جرس انذار دائم يذكر بالمسألة الاجتماعية التى لم نقترب منها بمبضع جراح، وتراجع أداء الجهاز البيروقراطى، وفوضى الحياة فى الشارع المصرى.
الكتلة الثالثة هى التى ترنو ببصرها إلى الهندسة السياسية للمجتمع، تنظر إلى أهمية احتضان كل القوى السياسية، ووضع الإطار الذى يسمح لها بالندية والتنافسية، ويحول دون تغول أحدها على الأخرى سواء باسم الدين أو الوطنية أو ما شابه. لا أحد يشكك فى تدين أو وطنية أى مصرى، وصندوق الانتخاب هو الفيصل طالما التزمنا بقواعد السلمية، والتنافس الحر.
الكتلة الثالثة هى التى تحول دون تمزق المجتمع، وتنزع الثأرات من النفوس، وتعزز التعددية، والاختلاف، وتطرح وجهات النظر حول السياسة العامة، وتنزع «القبلية» فى التفكير، و«الغريزية» فى الفعل على جانبى الاستقطاب، وتذكر دوما بأهمية العودة إلى الديمقراطية التنموية، التى تسمح بالتداول السلمى للسلطة، وفى الوقت نفسه تجعل من الدولة وكيلا عن الشعب فى تحقيق التنمية.
برنامج «باسم يوسف» كشف ضمنيا أهمية الكتلة الثالثة، لا يصح اتهامها وتلويثها، بل فتح المجال أمامها للتعبير عن الرأى الذى يرى فيه كل من طرفى الاستقطاب السياسى الراهن أنه يعبر عن «جزء من الحقيقة، وليس كلها» من وجهة نظره بالطبع.